18 ديسمبر، 2024 11:39 م

الى الحجاج العراقيين بمكوناتهم الثلاث … حجكم غير مبرور وسعيكم غير مشكور

الى الحجاج العراقيين بمكوناتهم الثلاث … حجكم غير مبرور وسعيكم غير مشكور

ما اسهل الحديث عن التكافل الاجتماعي ومساعدة الفقير والتنظير في اغاثة الملهوف وتلبية طلب السائل والمحتاج , وما اصعب فهم هذا المجتمع المريض فكريا واجتماعيا ودينيا . فالمصادر الاسلامية وامهات الكتب متخمة بروايات تحض على نكران الذات وايثار الاخر ومساعدة السائل وابن السبيل , لكن يبدو ان المسلمين لم ياخذوا من الاسلام سوى زاويته المظلمة المتمثلة بافعال شرار القوم فيه , تاركين تعاليمه السمحة لاقوام غير مسلمة توصلوا الى سماحة الاسلام عن طريق تجربتهم الانسانية بذاتها ورقيهم الحضاري .

ففي الوقت الذي تلوي فيه الحكومة العراقية عنقها , وتتسول المساعدة من المنظمات الدولية ( الكافرة) لمساعدتها في اغاثة النازحين والمهجرين العراقيين داخل البلد الذين يبلغ عددهم ال 3 ملايين نازح حسب التقارير الدولية , يقوم 25 الف مواطن عراقي باداء مناسك الحج في رحلة تصل تكاليفها الى 4- 5 الاف دولار للحاج الواحد .

وان كنا ننتقد الحكومة العراقية لتقاعسها عن مساعدة هؤلاء النازحين وايوائهم بالشكل الذي يحافظ على كرامتهم البشرية وحقهم في العيش الكريم , فان الشعب العراقي لا يقل تقاعسا عن حكومته في انانيته المفرطة في تفضيله القيام برحلة الحج هذه تاركا وراءه هذه الملايين من النازحين والمهجرين يعانون شظف العيش في مخيمات تهدد حياة اطفالهم ونسائهم وشيوخهم .

ان الاية القرانية الكريمة تقول (( ولله على الناس حج البيت ( من استطاع اليه سبيلا)) .. بينما هناك حديث نبوي شريف يقول ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.)) رواه الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك .. وفي رواية اخرى …(( : ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.)) رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس .. وصححه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد .

لا نستطيع هنا التجرء في ربط الاية مع الحديثين والقياس عليها للتوصل الى استنتاج شرعي يفيد بعدم ايمان من ذهب لاداء مناسك الحج هذه السنة … الا اننا على يقين بان حج هذه السنة يدخل في باب انانية العبادة اكثر من باب الايمان , فهناك حالات كثيرة في العراق جمع فيها اصحابها التكاليف المطلوبة لرحلة الحج وبشق الانفس , ليتبرع بعد ذلك بها الى النازحين والمهجرين وقلبه مطمان بان ما يقوم به من تضيحة وايثار يعادل له عند الله كحجة دون ان يحج , وهذه هي سمة المسلم والمؤمن الحقيقي الذي يؤثر على نفسه ولو كانت به خصاصة . فاين هذا من ذاك ؟ ونريد ان نتسائل هنا …كيف سيستطيع الحاج العراقي هذا العام من الوقوف امام الكعبة وهو يعرف بانه قد ترك خلفه اناسا لايجدون قوت يومهم , تلحفهم الشمس صيفا ويسلعهم البرد شتاءا . هل سيخرج نداء لبيك اللهم لبيك دون ان يوخزه ضميره الانساني بان تلبية نداء الله يكون بازالة عوز الاخرين وليس بالدوران حول الحجر الاسود .؟

نعتقد ان من يحج هذه السنة عليه بعد رجوعه ( ان اراد ان يصح حجه ) التبرع بالمبلغ ذاته الذي انفقه في رحلة حجه على النازحين والمهجرين والمحتاجين داخل العراق . وطالما بقي جائع مهجر ونازح مبتلى يعاني شظف العيش وتهفو نفسه للقمة عيش دون ان يتمكن من الحصول عليها , فالاولى به شرعا ان يبادر الى سد جوع هذا النازح ( قدر المستطاع ) لا ان يقوم بصرفها على عباداته الخاصة كالحج والعمرة او ملذاته الدنيوية الكمالية , هذه هي مباديء

الاسلام الحقيقية التي يريد الله ان نفهمها وننشرها بين الناس . لذلك فلن نستطيع ان نقول لحجاجنا الكرام هذه السنة .. تقبل الله حجكم , بل نقول لهم ..فليسامحكم الله على هذه الانا التي ابتليتم بها .