-1-
ما إنْ يصل بعضهم الى المواقع العالية في السلطة، حتى ياخذ ابناؤهم أهبة الاستعداد للاستغلال والاستحواذ على اكبر قدر من الامتيازات التي تجعلهم يتحكمون في الامور، ويصولون ويجولون دون رقيب ولا حسيب.
حتى وصل الحال الى انّ (العقود) المهمة في الدولة، لا تُبرم الا عبر مرورها على (الولد) المسلّط على الرقاب ليفرض ما يريد ..!!
-2-
إنّ اولاد المسؤولين في أية دولة لا يخرجون عن كونهم مواطنين فيها .
وعليهم أنْ يكونوا كسائر المواطنين الآخرين حباً للوطن ، وحرصاً على مصالحه ، دون أنْ يتميّزوا على من سواهم، كما نص على ذلك الدستور، حيث أنّ المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات .
-3-
والمشكلة القديمة – الجديدة، تكمن في التطبيق والامتثال للنصوص الدستورية والقانونية .
إنّ بعض أبناء المسؤولين، يشعرون بانهم مستثنون استثناءاً خاصا بحيث لا يشملهم منطوق اي قانون .
ومن هنا :
فهم لا يلتزمون ولا يتقيدون بالمعايير والضوابط القانونية …
-4-
ولم نشهد – للاسف الشديد – مسؤولاً كبيراً تنصّل من ممارسات أبنائه الخارقة للقانون .
لا بل شهدنا العكس ، حيث بالغ بعضُهم في الثناء على شجاعة ابنِهِ وحرصِهِ على المال العام ، واتهم القوات المسلحة العراقية بالجبن والتقاعس عن تنفيذ الاوامر …!!
-5-
وقد قرأت اليوم في تاريخ الذهبي (تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام ) ج6 ص237 خبراً ، أرى من المفيد أن أنقله لكم :
” جمع عمر بن عبد العزيز قرّاء أهل الشام ،
فيهم ابن أبي زكريا الخزاعي ، فقال :
إني جمعتكم لأمر قد أهمني ،
هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي ما ترون فيها ؟
فقالوا :
ما نرى وزرها الاّ على مَنْ اغتصبها .
فقال لابنه عبد الملك :
ما ترى ؟
قال :
أرى مَنْ قدر على ردّها فلم يردّها ، والذي اغتصبها الاّ سواء “
فقال :
صدقتَ
اي بنيّ ، الحمد لله الذي جعل لي وزيراً من أهلي عبد الملك ، ابني ” .
إنّ المظالم تؤرق (عمر بن عبد العزيز) وتجعله يستدعي القراّء يستحفيهم السؤال عن الحلول في شأن المظالم ..
والذين أرتكبوا هذه المظالم هم أقرباؤه وأهل بيته، ومعنى ذلك انه لا يحابي الاقرباء على حساب البعداء، وهكذا يجب ان يكون ” المسؤول” .
وليس بمستغرب على القرّاء أنْ يكون جوابهم بعيداً عن المساس بمصالح أقرباء السلطان .
انهم حملوّا المغتصبين مسؤولية أعمالهم، ولم يشيروا من قريب او بعيد الى مسؤولية (قمة الهرم) في الدولة .
وهنا سأل عمرُ بن عبد العزيز ولدَهُ (عبد الملك) – والولد كما يقال على سرّ أبيه – نفس السؤال :
فكان جوابه جواب الولد الصالح الحريص على إبعاد والده عن الوقوف الطويل أمام الله يوم الحساب .
انه ساوى في المسؤولية بين مقترفي المظالم وبين من يقدر على ردها ولم يفعل .
فكان هذا سبباً لسرور (عمر بن عبد العزيز) واغتباطه الشديد بوجود هذا الولد بقربه .
-6-
والسؤال الآن :
أين هم أمثال عمر بن عبد العزيز في حرصهم على ارجاع الحقوق المغتصبة لأصحابها ؟
وأين هم امثال ” عبد الملك بن عمر “
في أولاد المسؤولين القابضين على زمام الامور .
انها مجرد تذكرة للغافلين اللاهين .
( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ) .