في زمن الفوضى والاضطراب، واستمرار الإحتلال والإرهاب، وهول الدمار والخراب، وتخاذل قادة الأحزاب، وامتلاء مجلس النواب، بأعتى اللصوص والنهّاب، يُصاب المرء بالإكتئاب، ويكاد يبدأ بالسباب، فتمنعه ضوابط الآداب، وضرورة هدوء الأعصاب، عند سماع الكذاب، ورؤية المُعمم النصّاب، المُطالِب بأجور الاستطباب، لعلاج البواسير والإلتهاب، وتجميل المخالب والانياب، وتحسين مظهر الدواب.
ومما يبعث على الاستغراب، ويثير الشعور بالقلق والارتياب، بعد سنوات القهر والعذاب، ان يَسلمَ الطغاة من العقاب، وينكث الغزاة بوَعد الإنسحاب، عملا بقوانين شريعة الغاب، التى ستلغيها ثورة الشباب، ليحين وقت تصفية الحساب.
لا يمكننا تجاوز الخطر الماثل، ودرء ما قد تحمله النوازل، اذا استمر خطأ التقدير والتجاهل، لحقيقة ان الأمة مقيدة بالسلاسل، وانها مقبلة على أسوأ المراحل، ومحكوم عليها بالتجزئة والتآكل، طالما بقي فيها الحُكام التنابل، الذين حطموا الرقم القياسي في التخاذل، وقدموا فروض الطاعة والتنازل، عن مقدرات الأمة بالكامل، لمَن غزا بجيشه الغائل، وفرض هيمنته بشتى الوسائل، وشدد قبضته على الداخل، وسط صمت حكوماتنا القاتل، واختفاء أصوات قادتنا “الفطاحل”، الذين صدعونا في المحافل، بالحديث عن البطولات والمَراجل، وصدمونا بتوالي الهزائم والمهازل، وتبرير ما لا يقبله العاقل، ليستمر خلط الحابل بالنابل، ويتوقف طرقُ أبواب التفاؤل، باعادة بناء صرح الأوائل، خصوصا وان اكثر الدلائل، تشير الى أن حكامنا “الأفاضل”،غير معنيين بالدمار الحاصل، ولابحجم الخراب الهائل، بعد قصف المُدن بالقنابل، وتدمير الأحياء المكتضة بالمنازل، ناهيك عن التهديد المتواصل، الذي يطلقه العدو السافل، باللجوء الى شتى الوسائل، لمنع مطالبتة بالرحيل العاجل، ورفض أسباب وجوده الزائل، بفعل جيل الشباب المناضل، وسعيه لتحقيق التغيير الشامل.
لقد تمكن العدو من الدخول، واحتلال الأرض بالعرض والطول، عبر أبواب الترحيب والقبول، التي عجل بفتحها الذيول، وعمائم الضحك على العقول، وبعض قيادات اليسار المسؤول، عن النهج غير المقبول، وتواصل التراجع غير المعقول، نحوغياهب المصير المجهول، أمام برابرة العصر والمغول.
فالى أين نحن ذاهبون ؟
اذا كان حكامنا لا يستحون، وعن قمع الشعوب لا يتورعون، وبمصير الأمة لا يعبهون، وعلى أبناء جلدتهم يجحدون، وبالمليارات لراعي البقر يدفعون، ولنيل رضاه كالخيل يتسابقون، وكالعبيد في حضرته ينحنون، وكالنعاج خلف ظهره يحتمون، ولكل التسهيلات لقواته يقدمون.
والى اين نحن ذاهبون ؟،
اذا كنا من المؤمنين بفكر اليسار، والمُبشرين بجَنّتِهِ للمناضلين الأحرار، والمُلوحين بجهنمهِ للخونة الأشرار، ولكننا لم نكمل المشوار، بسبب قيادات التراجع والإنهيار، الذين انحرفوا عن المسار، وسلكوا طريق الخزي والعار، بتبريرهم احتلال رعاة الأبقار، وتحالفهم مع عملاء الاستعمار.
الى أين نحن ذاهبون ؟،
بعد ان فقدت الدولة هيبتها، وسلمَّت تجار الدين سلطتها، وأساء الجهلة الى سمعتها، وهدد شيوخ الاقطاع وحدتها، وحطَّ الاحتلال من قيمتها، ونهب مع الأعوان ثروتها، ووزع على القيادات حصتها، فتخلت عن أداء مهمتها، وتركت الجماهير في محنتها، وعرقلت الوصول الى غايتها.
فيا رفاق الدرب والأصحاب، ويا رواد الفكر وأولي الألباب !
الى متى سيطول أمد الانتظار، في محطاتٍ لا يَمُر بها القطار ؟. أليس الأجدر ان نتخذ القرار، بوقف التدحرج نحو الانهيار، وتجنب ما قد يُخلفه الإعصار، بتوحيد صفوف قوى الأحرار، لتحقيق هدف التغيير والانتصار، أم أننا سنقبل بالهزيمة والاندحار، ونبرر أسبابها بعبث الاقدار، أو بمشيئة الخالق الجَبّار ؟.
لم تعُد أيامُنا كما كانت مُشرِقة، فسُحُبُ الكآبةِ بسَوادِها مُطبِقة، ونُذر العواصف الهوجاء مُحدِقة، والأمةُ نحو الهاوية مُنزلِقة، تدفعها خلافاتٌ عميقة وتفرقة، وعصابات تكفيرٍ يقودها مُرتزَقة، تذبح الأبرياءِ بدون شفقة. أما قوانا الوطنية فمُنغلقة، وفي فراغ التفلسِفِ مُتخندِقة، كأنها عذراء داخل شرنقة، بعضُها لأشجار الإنتهازيةِ مُتسَلّقة، وباغصان التحالُفاتِ المُعيبةِ مُتعلقة، ولأخبث أصحابِ العمائم مُتمَلِقة، وبعضها بنهجها الخاطئ مُتشدقة، تُبررهزائمها بعباراتٍ مُنمّقة.
فيا أبناء شعوب المنطقة، كفى رضوخا لحُكام فسَقة، وقياداتٍ تظنُ نفسَها حَذِقة .
هبّوا فالآمال عليكم مٌعلقة، وأبواب نصركم ليست مُغلقة .