18 ديسمبر، 2024 11:48 م

الى أين سائرون؟

الى أين سائرون؟

عند تشكيل الحكومات من الممكن جدا ان يتحالف حزبان وان اختلفا أيدلوجيا، لان المطلوب هو إدارة البلد. ولا يضر أبداً ان يعمل موظفان مختلفان فكريا في دائرة واحدة. انما ان يتحالف حزبان متناقضان فكريا تماما في تحالف انتخابي واحد، مع عدم وجود اي ضمانة لصوت الناخب المؤمن بأيدلوجية معينة والذي سوف يصوت لمرشحه الخاص بان لا يذهب صوته للمرشح الآخر المناقض لفكر وتوجه الناخب هو امر في غاية الغرابة وله دلالات عديدة.

الدلالة الاولى: ان الجهات المتحالفة لا تملك برنامجا يستند الى فكرها وعقيدتها. ولا يقال في رد هذه الدلالة ان المهم هو خدمة الناس لان حتى في بريطانيا مثلا مع كل التقارب الأيدلوجي (لو قلنا أصلا ان لهما ايدلوجية جامدة كما في أحزابنا في العراق )بين حزبي العمال والمحافظين، ومع ذلك كل منهما يطرح برنامجا يختلف تماما عن برنامج الحزب الاخر مع سعيهما المشترك معا لخدمة شعبهما وهذا البرنامج الحزبي الخاص ينطلق من ثوابتهما الفكرية فقضية مثل تشريع الإجهاض تجدها متوفرة عند حزب العمال ولا تجدها عند المحافظين ودعم اصحاب الدخول القليلة تراها عند رؤية حزب العمال وليس عند المحافظين وتخفيض الضرائب على اصحاب الدخول العالية تتبناها برامج المحافظين وليس العمال وهلم جرا

الدلالة الثانية: ان هذ القوى المتحالفة انتخابيا لا تملك برنامجا أصلا وأنها تجيش انصارها تحت شعارات سلبية وهي كراهية الاخر والعمل ضده لاجل اسقاطه. وهذا قد يكون له مشروعية سياسية في المراحل الثورية التي تهدف الى تغيير الأنظمة وإحلال نظام اخر . وقد شهد التاريخ تحالف قوى متناقضة فكريا عملت تحت هدف واحد وهو إسقاط النظام السياسي لبلد ما وإحلال اخر محله ولعل وقوف الحلفاء الاشتراكي والرأسمالي ضد هتلر والنازية من أوضح النماذج عالميا والعمل المشترك بين قوى المعارضة العراقية في مؤتمراتها السابقة ل ٢٠٠٣ دليل محلي آخر. المشترك في تجارب هذه التحالفات انها تحالفات لا تقدم رؤية لإدارة المستقبل بل تقدم بشكل مؤكد صراعا جديدا في المستقبل وفِي المثالين أعلاه أنتجت مرة حربا باردة عالميا وحروبا

ساخنة في بقاع كثيرة من العالم اما عراقيا فأنتجت لنا هذا الوضع الفوضوي وإدارة حكم بلا هوية ولا رؤية. والامر لا يحتاج الى استدلال ولا الى توضيح أكثر.

المطلوب من التحالف الانتخابي انتاج حل لتصحيح عمل النظام السياسي الحالي وليس إسقاط هذا النظام. واذا كان الهدف الحقيقي (غير المعلن) لهذا التحالف الانتخابي بين المتناقضين فكرياً هو إسقاط النظام السياسي الحالي فهذا يدفع للتأمل جديا بالاتهامات الموجهة الى هذا التحالف من ارتباط بأجندات خارجية خفية ، وحتى لو دفعنا تهمة الارتباط بالاجندات الخارجية الإقليمية فانه لا يمكن دفع اندلاع صراع جديد بين هذه القوى المتحالفة التي يوحدها هدف سلبي باسقاط النظام ولا يوحدها هدف إيجابي برؤية واضحة مشتركة لإدارة البلاد. وَيَا ترى هل نحن بحاجة لموجة فوضى جديدة ام بحاجة لاستقرار وانهاء الفوضى التي عبثت بكل شئ في بنية المجتمع والدولة؟

٣- الدلالة الثالثة وهي الاخطر ان هذه القوى أصلا لا تؤمن بالافكار التي تدعي تبنيها وأنها تحملها كأرث تاريخي فقط واستثمار هذا الموروث لإغواء الجماهير وإيهامها بأنها تمثل الوريث الشرعي للحملة الحقيقين لهذه الأفكار وأنها حامية حمى هذه الأيدلوجيات وبذلك تستغفل هذا الجمهور العقائدي او المؤمن بفكر ما وتحقق هذه الجهات السياسية أغراضها الخاصة بشعار وهمي. كالذي يسرق الناس باسم الأمانة او ينتهك الحرمات باسم العفة ولعل شعار (باسم الدين باگونا الحرامية) اكثر الشعارات دلالة وصدقية في وصف تجار الشعارات كما سرقنا كثير من قبل والان أيضا باسم الثورية ومعاداة الإمبريالية لنكتشف بعدها انهم يروّجون للغرب الرأسمالي، بل ويعادون كل من يعادي هذا الغرب الاستعماري الامبريالي وبتنا نرى يسارا يُؤْمِن بالعدو الطبقي لدرجة الصنمية حتى اكثر من اليمين نفسه

٤- احتمال اخير متبقي في دلالة هذا التحالف ان هذه الجهات السياسية المتناقضة فكرية لا تفقه شيئا في فن الانتخابات والتحالف وأنها تمشي مشي خبط عشواء ولا تصلح لإدارة حزب فضلا عن إدارة بلد متخم بالمشاكل. واذا كنا بهذه الحال من وفرة المشاكل وتزاحم العقبات فالحل قطعا لن يأتي من جهة او من تحالف لايقدر حتى على إدارة مشروع حملة سياسية انتخابية.

تحالف هكذا يدفعنا الى السؤال بكل جد الى أين نحن سائرون ان انتخبناهم او سرنا معهم وسكتنا على مسيرهم . وان كان هناك من لوم يوجه لجزء يريد ان يبرر إخفاقه المزمن بعد اكثر من عشر سنوات من تواجده الدائم في كل مرافق السلطة الحكومية او سلطة السلاح خارج الدولة ويريد الان التمظهر بلباس وزي لن يصلح له أبدا لانه لم يصمم له فزي عداء رياضي في الملعب لن يصلح ابدا لواعظ في معبد مهما ادخلت عليه من تصليحات وترقيعات، اقول ان كان هناك من لوم يوجه لهولاء الذين يريدون تغطية فشلهم فاللوم الأكبر والحُكم على حليفهم الذي أعلن فشله وإفلاسه حتى قبل ان يصل لابسط مقابض السلطة سيوجه لهذا الشريك رافع شعار المدنية.

الدولة المدنية الديمقراطية لا تبنى بالتحالف مع الثيوقراطية الراسخة حزبيا فكيف لو تسلمت الادارة العامة فعليا وانفردت بها. وشتان بين من يدعو لابعاد الدين وربما حتى محاربته وبين من لا وجود له في اي موقع ولو كان بمقدار إصبع واحد وليس حتى قدم، الا باقحام الدين في كل المفاصل. نعم لا فرق بينهما ولا تباعد، ان كانا يلهثان وراء فريسة وغنيمة واحِدَة.