23 ديسمبر، 2024 4:22 ص

الى أين تبحر سفينة العراق

الى أين تبحر سفينة العراق

منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي وتحديدا بعد صعود صدام الى قمة السلطة بالطريقة المعروفة وسفينة العراق تمضي في بحر متلاطم الامواج لا يكاد يهدأ أبدا ودماء أبنائه تسيل وأمواله وثرواته تحترق و تفتك بشعبه الامراض والجهل والتخلف.
ونتيجة لمغامرات صدام وحروبه العبثية جاءت أمريكا الى العراق عام 2003 بأسباب ووسائل عديدة بنيت على أكاذيب ونسجت بخيوط العمالة والتزوير و رغبت امريكا في أن يكون معها بعضا من أبناء البلد في عملية سياسية لانتاج منظومة حكم جديدة والتي تمخضت عن دستور ونظام ديمقراطي واعد لعبت في تأسيسه قوتان أساسيتان في العراق وهما المرجعية الدينية في النجف الاشرف والقيادات الكردية.
فيما يتعلق بالقوى الكردية بقطبيها اللدودين جلال طالباني ومسعود بارزاني فقد تبادلا الادوار وعملا على تأمين مكانتيهما الشخصية بكل قوة وكان لهما الدور الكبير في كتابة الدستور والذي وضعوا فيه كل ما أرادوا لمستقبل اقليمهم الذي سيقضم المزيد من الارض والثروات بموجب المادة 140 و يكون نواة الدولة الكردية المنشودة أمام تخاذل واضح للقوى الشيعية التي يبدو أنها اكتفت بمساحة عملها في وسط وجنوب العراق.
ظفر جلال طالباني بمنصب رئيس الجمهورية بعد انتخابات 2006وأستطاع من خلال منصبه جمع الاموال والامتيازات وأستطاع بدهائه ومكره أن يمهد الطريق لغريمه مسعود لتحقيق مكاسب مهمة على حساب العراق فأصبح مسعود الحاكم المطلق لاقليم كردستان والمتحدث الوحيد باسمه بل أصبح هو من يقرر اسم رئيس الحكومة في بغداد وظهر ذلك جليا بعد انتخابات 2010 حيث منح اتفاق أربيل نوري المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثانية بعد تنازلات مكتوبة قدمها الاخير لمسعود عدا ما أشيع من وجود اتفاقات غير معلنة بين الطرفين.
لقد تعززت مكانة الكرد دوليا وأقليميا بعد 2003 نتيجة هيمنتهم على وزارة الخارجية وعلى الصعيد المحلي فقد عمل الكرد على تغيير ديموغرافي واسع للمناطق المختلطة مع عمليات تزوير منظمة للوثائق والسجلات وتوطين أعداد هائلة من الكرد من غير العراقيين اضافة لحملات تهجير منظمة للعرب والتركمان عدا جرائم القتل والاغتيالات والتفجيرات التي شهدتها هذه المناطق وقد جرى ذلك تحت مرأى ومسمع الحكومة الاتحادية التي كانت قواها الحاكمة تغض الطرف عن الحليف الكردي لمواجهة الخصم المتمرد وهم العرب السنة.
لم يكن النظام الديمقراطي في العراق ممتلكا للوسائل التي تحصنه ضد القوى الجديدة التي وصلت الى السلطة بفضله خاصة بعد انتخابات 2010 والتي تولى الحكم فيها نوري المالكي للمرة الثانية بعد صفقة مع الكرد و راحت قوى السلطة تقبض على كل مقدرات البلد البشرية والمالية بجانب الصلاحيات التي منحها الدستور لرئيس مجلس الوزراء – وخصوصا مايتعلق بكونه القائد العام للقوات المسلحة – حيث جرى توظيف هذه العوامل لاعادة انتاج مفهوم القائد الضرورة فظهر الفساد في مفاصل الدولة والقوات المسلحة وعمت الصراعات قوى المجتمع العراقي وهنا لابد أن يحصل التصادم بين قوى الحكم مع القوتين الاساسيتين المذكورتين وأنتهى الامر في حزيران 2014 باحتلال محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار من قبل قوى الظلام وشذاذ الافاق من الدواعش ووصول التهديد الى كركوك وبغداد لذلك أنهت المرجعية حلم الولاية الثالثة للمالكي رغم فوزه في انتخابات عام 2014 بعد هيمنة مطلقة على أجهزة الدولة ومفوضية الانتخابات لكن المرجعية لم تستطع عمليا انهاء المنهج التسلطي والفساد للقوى المتحكمة في كل مفاصل الدولة.
استطاع مسعود استكمال الهيمنة على المناطق المتنازع عليها بسياسة قضم الاراضي والتمدد المبرمج مستغلا انهيار الجيش العراقي في حزيران 2014 ثم انشغال حكومة العبادي والقوات المسلحة في تحرير الارض ومقاتلة داعش واستولى بالقوة على أبار النفط في كركوك وقام بتصدير النفط الى تركيا لصالحه عبر خط أنابيب جديدة وأظهرعدم امتثاله للاتفاقيات المبرمة مع الحكومة المركزية التي لم تلتزم من جانبها بمنح الاقليم حصة 17 بالمائة من الميزانية ووجه أتباع الولاية الثالثة في بغداد ضربة انتقامية للقوى الكردية عندما استطاعوا اقالة وزير المالية ووزير الخارجية السابق هوشيار زيباري من منصبه بعد استجواب كشف حالات واضحة من الفساد المالي رغم محاولة رئيس الحكومة وأنصاره في البرلمان من الوقوف مع الوزير ضد عملية الاستجواب.
كل ذلك وللتغطية على الخروقات الدستورية الخاصة بالاقليم بعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية وتعمده تعطيل عمل برلمان الاقليم عمل مسعود على تهييج المشاعر القومية للكرد من خلال الاستفتاء على الانفصال وأعطى للقوى المناهضة له في بغداد فرصة دق طبول الحرب والتحريض.
كان يوم الاستفتاء في الخامس والعشرين من أيلول موعدا لدق ناقوس الخطر في طهران وأنقرة واللتان عبرتا عن رفض تام لطموحات مسعود بارزاني بل أن امريكا والدول الغربية التي كانت تدعم الكرد سرا وعلانية لم تؤيد هذا الاستفتاء تماما فكانت هذه فرصة ذهبية للحكومة المركزية لاستصدار مجموعة من القرارات لاعادة الامور الى نصابها الصحيح من خلال التطبيق التام لفقرات الدستور العراقي مما حصر قيادة الاقليم في زاوية لن تستطيع الخروج منها الا بواحدة من اثنتين فاما ان يتراجع مسعود ويرضخ للدستور الذي ينظم العلاقة بين الاقليم والسلطة المركزية وفي هذه الحالة سوف يخسر الكثير ويجد نفسه أمام الاستحقاقات الدستورية واستمرار ولايته غير الشرعية حتى لو مد له الاصدقاء حبل النجاة أو أن يجر الجيش والحشد الشعبي الى معركة في كركوك تدفع لها من الجانب الاخر الاصوات المنفلتة والارادات المشبوهة التي تعمل ما بوسعها لافشال عمل الحكومة واسقاطها وتوريطها في صراع مع قوى كانت متحالفة معها في انهاء الولاية الثالثة.
ان الصراع المسلح الذي قد ينشأ بين الجانبين لا سمح الله سوف لن يستفيد منه احد الا أعداء العراق والفاسدون من الطرفين الذين يخشون على مواقعهم وامتيازاتهم ويرغبون أن يروا الحكومة منشغلة عن امبراطورياتهم التي بنوها خلال الفترة السابقة وعلى الحكومة أن تشرك في قراراتها الامم المتحدة والادارة الامريكية ودول الاتحاد الاوربي للضغط على الجانب الكردي واجباره على الخضوع والاحتكام للدستور وعدم الاستماع الى الاصوات النشاز الذي تنفخ بنار الحرب لانني أعتقد وبفهمي القاصر أن في لحظة وقوع الحرب بين الطرفين ستكون البداية لتقسيم العراق ونشوب حروب أهلية لن تتمكن الدولة من اخمادها وستعيد سفينة العراق الى المربع الاول الذي بدأنا منه عام 2003 ولكن نحو اتجاه جديد.