17 أبريل، 2024 9:04 م
Search
Close this search box.

الى أبي مع التحية

Facebook
Twitter
LinkedIn

في أيام العطل الصيفية بداية العقد السبعيني كنت احب الذهاب صباحا مع أبي ، حيث عمله ( أسطة بناء ) . كان عمري سبع سنين ، أصحو على حركة نهوضه داخل البيت وأترقبه وانا تحت الفراش ، وبمجرد خروجه من بيتنا في مدينة الوشاش ، أكون قد أرتديت ملابسي بسرعة فائقة وخرجت اتبع خطواته من بعيد حتى يصل الى شارع الربيع الفاصل ما بين الوشاش والمنصور . في ذلك الصباح الذي اذكره جيداً كانت سيارة نقل من نوع ( فورد ) وهي تشبه ( الكية ) قد أشر لها ووقفت لتقله بأتجاه علاوي الحلة عند مقهى يسمى ( سبع ) مجاور سينما بغداد وهو عبارة عن مسطر لعمال البناء في ذلك الوقت . صعد والدي السيارة وهو لايعرف اني اتبعه ، وبمجرد ان تحركت السيارة ركضت بسرعة فائقة وانا اصرخ بقوة ( يابه !) كانت خدودي قد بللها الدمع الذي يخرج لابسط الاشياء عند الطفولة . سائق الفورد لمحني بمرآته الجانبية وتوقف على الفور ، بينما والدي اصبح قلقا ، نزل واحتضنني ، ثم حملني معه الى داخل السيارة وهو يضحك والركاب يضحكون عليّ !

كنت احب منطقة علاوي الحلة في الصباح الباكر حين يجتمع العمال فيها وهم يتناولون فطورهم في المطاعم النظيفة والطيبة في ذلك الوقت ، ثمة محل صغير لبيع الجبن والقيمر والصمون الحار مع عصير شربت الزبيب الذي مازال طعمه في فمي ، المحل يقع خلف المتحف العراقي ، أذكر جيدا صاحب المحل الرجل البدين وهو

يرتدي دشداشته البيضاء ويساعده في المحل ابنه الذي كان قريبا من سني بداية العقد السبعيني . حتى حين ذهبت في آخر زيارة لي الى بغداد مررت على المحل ذاته ، ووجدت نفس الشخص البدين يبيع داخل المحل ! تناولت فطوري داخل المحل وسألته ، قلت له كنت صغيرا وآتي مع والدي الى محلكم هذا هل انت ابنه ؟

قال : نعم انا ابنه فوالدي افتكره الله منذ سنوات ، قلت سبحان الله كأنك هو، كانت علاقتي بأبي تختلف عن اخوتي . بسبب مساعدتي له في عمله ، فقد كان بطلا في تضحياته الجسام وهو يخرج عند الفجر كل يوم ويذهب الى عمله الشاق ويعود عند المساء من أجل حياة ابنائه . والآن وبعد كل هذا العمر الذي كافح فيه وجاهد من أجل حياة افضل ، أتذكر أنه قد بنى مئات البيوت والعمارات الصغيرة داخل العاصمة بغداد لشخصيات معروفة في ذلك الوقت من التجار والقضاة والضباط وكان مخلصا في عمله ، لكنه حين بنى بيتنا الذي نسكنه الآن كان يحاول التملص من امور كثيرة في التقنية ! حتى قلت له يا ابي ينطبق عليك المثل العراقي الشهير الذي يقول ( باب النجار مهزوز ) لكن معارك والدتي معه بخصوص تقنية البناء جعلته يبني لنا بيتا جميلا عام 1979 ومازال البيت يعتبر واحدا من افضل بيوتات المنطقة ،وقبل عام اجرى ترميمات على البيت ليعيد ألقه ويعود كأنه بنيّ للتو ! احبك يا أبي على بساطتك وطيبتك وشجاعتك ونبلك كما كل الآباء الذين ناضلوا من أجل حياة ابنائهم ونجاحهم ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب