18 ديسمبر، 2024 6:47 م

الولاية الثانية.. أحلام عصافير

الولاية الثانية.. أحلام عصافير

جميعنا أو على الاقل الكثير منا مرت امامه أو سمعها اثناء جلسات الحديث في العمل أو خارجه، القاعدة التي تقول “طالب الولاية لا يولى”، التي استندت اليها العديد من الحركات السياسية في ادارة الحكم على الرغم من انها اسلامية الاصول ، وخاصة اذا عرفنا بانها تستند لاحاديث نبوية يرويها صحابة وتابعون، لكنها تتلائم بشكل كبير مع دعوات القيادة الناجحة التي تتطلب عدم تكرار الاخطاء والاستفادة من تجربة السابقين لتجاوز  “الهفوات” لتصحيح المسار وليس العودة للوراء.

ولأن الأحزاب التي تقود “مسرحية العملية السياسية ” وصاحبة القرار فيها، اسلامية أو جذورها من احزاب الاسلام السياسي، فعليه ومن باب قاعدة “الزموهم بما الزموا به انفسهم”، تذكيرهم بان تحركات الرئاسات الثلاث، الوزراء مصطفى الكاظمي والبرلمان محمد الحلبوسي والجمهورية برهم صالح، و “استقتالهم” على تجديد دورة اخرى في مناصبهم، يخالف عقيدتهم التي يتمسكون بها ويدعون “عباد الله” للالتزام بها، ومنهم على سبيل التذكير زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي يروج لامكانية تجديد ولاية الكاظمي في رئاسة الوزراء، على الرغم من “الفشل” الذي حققه في جميع الملفات وخاصة ما تعهد بانجازها ومنها الورقة الاقتصادية التي اصبحت من الماضي، بعد “فضيحة” رفع اسعار صرف الدولار، التي وفرت خدمة اضافية لمصارف اهلية اصحابها لهم ارتباطات بالتيار الصدري، لكنها بالنهاية مكنت التيار وزعيمه من فرض نفوذه على اغلبية مؤسسات الدولة، وهذا مايبرر “تمسك” السيد الصدر بالكاظمي لولاية ثانية وليس “لاجل الاصلاح” كما يبلغنا في خطاباته.

لكن.. مسرحية الولاية الثانية لم تنته عند الكاظمي أبدا.. هنا رئيس مجلس النواب الذي يعلن عن نفسه زعيما للمكون السني محمد الحلبوسي الذي يحاول التمسك بالمنصب، لأسباب كثيرة، لعل واحدة منها منصب الزعامة.. لأن المكون لا يعترف باية زعامة أو مرجعية دينية، ومن يتسلم اكبر منصب برلماني أو حكومي يصبح هو الزعيم الاوحد.. وهذا ليس عيبا في “المواطن المغلوب على امره”، انما تقليد اعتاد عليه جمهور القوى السنية، منذ سنوات، والحلبوسي يخشى فقدان المنصب الذي سيجعله زعيم سابق كما حصل مع اسامة النجيفي وسليم الجبوري وغيرهم من قيادات القوى السنية، إضافة لخسارة كرسي يدر عليه الاموال التي حولته لملياردير خلال سنوات معدودات، ولن تستغرب عزيزي القارئ، حينما تعلم بان الولاية الثانية لرئيس البرلمان المنحل يدعمها ايضا زعيم التيار الصدري.

هنا.. لابد من تساؤل اخر.. وهو لماذا يتمسك رئيس الجمهورية برهم صالح بولاية ثانية، على الرغم من فشله في مهمته الاساسية المتمثلة بحماية الدستور الذي خرق لمرات لا تعد ولا تحصى، كيف يمكن اقناعنا بان الرئيس صالح يسعى من خلال التجديد تحقيق المزيد من الانجازات التي لم تكفي اربع سنوات على تحقيقها، وهو يسافر على متن الطائرة الرئاسية الخاصة مرتين خلال عام واحد بكلفة اكثر من اربعمئة وسبعة وثمانين مليون دينار، ماذا قدم حامي الدستور الذي يلقب نفسه بصديق المتظاهرين، لحماية المحتجين الذين تتصيدهم نيران الاحزاب السياسية من السليمانية إلى البصرة، لكن سيادة الرئيس ليس وحده الذي رجحت كفته بميزان الفشل، فهذا الكاظمي الذي كلفت سفراته على الطائرة الرئاسية بسبع وعشرين رحلة اكثر من مليار ومئة وسبعة ملايين دينار، بالعام ذاته، فضلا عن امتيازات مالية وعمولات من صفقات عقود مع شركات داخلية وخارجية، حصل على الجزء الاكبر منها وفرق ماتبقى على فريقه، وفي مقدمتهم مستشاره السياسي الذي تحول من صحفي يسكن شقة ايجار في مدينة السليمانية الى صاحب عقارات وممتلكات عابرة للحدود، في وقت يردد دولة رئيس الوزراء في كل تظاهرة لخريجين يبحثون عن التعيين وعاطلون يريدون فرصة عمل، بان ميزانية البلد غير كافية لاعانتكم جميعا، ويقسم على ذلك بحياة وزير المالية الذي يدعم ما يقول ويطرب له.

وحتى لا ننسى نصيب السيد الحلبوسي من تلك المعادلة، التي يجب استعراضها خلال دراسة الاسباب الموجبة للولاية الثانية، برحلة قصيرة إلى محافظة الانبار التي حولها لثكنة عسكرية خاصة بحزبه “تقدم” تحكمها لائحة قوانين تمنع “الناشطين” من انتقاد “فشل” المؤسسات الخدمية وقياداته الموكلين بتسيير المحافظة، حتى اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي “فخ” لجميع المعارضين لسياسته، والامثل على ذلك كثيرة لا مجال لذكرها، لكونها تحتاج لمقالات تروي “ماساة” شباب تعرضوا للاعتقال بتهمة الارهاب بسبب انتقادهم سياسة حزب الحلبوسي، الذي يشارك هو الاخر بحفل النهب المجاني للمال العام، حينما تخبرنا الوثائق المسربة بان خمسا وعشرين رحلة بالطائرة الرئاسية بين بغداد وعمان وابو ظبي واربيل خلال اقل من عام كانت كلفتها اكثر من مليار  وثمانية وخمسين مليون دينار، في وقت مازال النازحون في الانبار وبقية المحافظات يبحثون عن منح التعويضات.

الخلاصة.. ان تجديد الولاية للرئاسات الثلاث لا يمكن وصفه بغير اللعب بالنار وتمكين المصالح الخاصة على حساب “الطامحين للتغيير” على الاقل الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي لم تحسم نتيجتها حتى الان، رغم مرور اكثر من شهرين على غلق صناديق الاقتراع في اخر محطة للتصويت، فتلك المسؤولية لا يمكن للقوى السياسية رميها برقبة “العبد الفقير” وعليها تحمل مسؤوليتها ولو لمرة واحدة في منع عودة الثلاث بسلة واحدة بعيدا عن الصفقات.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى تنتهي احلام العصافير؟