23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

“الولاية الثالثة” بين الحسابات والتمنيات !

“الولاية الثالثة” بين الحسابات والتمنيات !

دفعت حادثة هروب سجناء ابو غريب الحديث عن التكهنات بشأن امكانية رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي تولي رئاسة الحكومة مرة اخرى من عدمها الى الواجهة مجددا.
وبينما رأى مراقبون سياسيون ان فرص المالكي باتت ضعيفة في الحصول على ولاية حكومية ثالثة ، اظهر المالكي ثقة مطلقة بامكانيته تشكيل الحكومة مجددا ، مؤكد انه سيعمل على تحقيق نتيجة انتخابية تؤهله لتشكيل حكومة غالبية سياسية .
واعتمدت اغلب التكهنات التي شككت بامكانية المالكي في تشكيل الحكومة المقبلة على قناعات راسخة بعدم تغيير خارطة الكتل السياسية التي تحتل واجهة الصدارة في المشهد السياسي ، اذ
ستكون نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة نسخة طبق الاصل لنتائج انتخابات مجالس المحافظات، وان احتمالات التغيير لن تتعدى فوارقا نسبية بين كتلة واخرى وتقدما طفيفا قد يحققه التيارالمدني  .
وفي هذه الحال فأن المالكي سيتعذر عليه اقناع خصومه او بعضهم مشاركته الحكومة المقبلة وهم الذين لايترددون عن اظهار رغبتهم بابعاده عن الواجهة ، فضلا عن كونهم يقفون لتحركاته بالمرصاد ويرفضون تماما فكرة تشكيل حكومة غالبية سياسية لاسيما المجلس الاعلى والتحالف الكردستاني اللذان اعلنا بوضوح تام ان العراق لن يدار الا بحكومة “مشاركة ” وهو المصطلح الذي استعير للتعبير عن حكومة المحاصصة التي يؤكد غالبية العراقيين انها ستبقي االبلاد في دوامة الاختلافات والخلافات ولن تجلب تشكيلة حكومية متجانسة ووزراء كفء يمكن ان ينهضوا بواجباتهم .
وغير ذلك فان المالكي يواجه معارضة اقليمية لاسيما من تركيا وقطر والسعودية ، وهذه الدول دعمت بقوة الاحتجاجات المناؤئة لحكومته في المحافظات ذات الغالبية السنية ، ماترك اثارا جسيمة على امن واستقرار البلاد ، ولم تظهر الولايات المتحدة حماسة للاستمرار بدعم المالكي في قيادة الحكومة ، اما بالنسبة لايران فانها على علاقات وثيقة بالقوى الشيعيية الاخرى لاسيما المجلس الاعلى والتيار الصدري وصعود اي منهما الى واجهة السلطة كبديل عن المالكي كافيا لاقناع ايران بدعمه .
يواجه المالكي بالفعل قوة عداء متنامية على مختلف الاتجاهات ، فيما تعمل القاعدة بمساعدة اخرين على تقويض مكاسبه الامنية ، كما يحمل المواطنون المثقفون والبسطاء على حد سواء رئيس الحكومة مسؤولية اخفاق وزرائه في ملفات خطيرة مثل الكهرباء والبطالة وتفشي الفساد بشكل رهيب ، وليس بوسع المواطنين اليوم الاقتناع بان الرجل الذي حارب المليشات في البصرة والانبار في معارك ضارية يمكن ان يخوض معركة محاربة الفساد الذي يكاد ان يهشم الدولة بعد ان تسبب باضعاف قوة المالكي نفسه ، كما ان الوقت لم يعد كافيا .
ومع كل هذا هنالك طيفا واسعا من السياسيين مازالوا يعتقدون ان المالكي سيظل الاكثر قدرة على رسم خارطة العراق مابعد الانتخابات البرلمانية المقبلة .
ويرى مشتغلون في السياسية العراقية ان الهجمة المبالغ فيها لاسقاط المالكي قد تنقلب عكسيا لصالحه ، اذ ان زعزعة الوضع الامني وارتفاع وتيرة التفجيرات تعمق من مخاوف العراقيين وتدفعهم الى التغاضي عن كل شيء مقابل بقاء الرجل القوي .
كما ان الدعم والتدخل الواضح الذي مارسته الدول الاقليمية قد تحول الى عامل تعاطف مع المالكي ، سيما ان تنامي العداء على خلفية طائفية للمالكي ترك انعكاسا ايجابيا في الحسابات الاخرى لقاعدته الواسعة  في المحافظات ذات الغالبية الشيعببة .
 وعلى مدى ثلاث تجارب انتخابية فأن كارزيما السياسي هي التي فرضت ثقلها في الانتخابات وليس برنامجه ، اذ نال القادة السياسيون في العراق مثل المالكي والجعفري والهاشمي وعلاوي والمطلك ثقة الناخبين اكثر مما نالته برامجهم المعلنة .
 
ولهذا من المستبعد تماما ان تكون الانتخابات البرلمانية نسخة مطابقة للانتخابية المحلية ، فانتخابات المجالس المحلية كانت على الدوام فرصة لجلد ومعقابة الادارات السابقة التي تبادلت المواقع والفشل الذريع في اداء مهامها ، فيما ستلتقي المخاوف والسياسات المحلية والخارجية مع بعضها لتشكل قناعة مختلفة لدى الناخب العراقي في الانتخابات البرلمانية  .
ومع الاقرار بان الكثير ممن صوتوا للمالكي في الانتخابات الماضية سيعيدون حساباتهم لكن يبقى الاحتمال الاكبر انهم قد لايجدون بديلا يمكن ان يثقوا به فيعودون ليمنحوا المالكي اصواتهم مجددا ، فهنا الملايين الناقمة من اداء الحكومه ومن تقريب المالكي ووزرائه في دولة القانون لعناصر لايمكن ان تقبلها القاعدة العريضة التي استند عليها المالكي ومنحته اصواتها ، لكن عندما تضعهم اما اختبار الاختيار فانهم ربما لن يجدوا غير المالكي بديلا ، سيما وان الجميع اشتركوا بخطيئة تقريب اشخاص وتوليتهم على حساب ابناء القطاع الكبير الذي اعطى اصواته لهم .
لايمكن الرضوخ للاراء العلنية التي تقرأ عبر مسرح العالم الافتراضي ” مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس وتوتير ” مع الاقرار بأهميتها وقدرتها على التأثير في سير الحدث .
يمكن بقليل من الجهد اخراج ملايين العراقيين ليتظاهروا ضد المالكي بسبب نقص الخدمات وتفشي الفساد ، لكن ما ان يصل الحديث عن اسقاطه حتى تتراجع الملايين امام هذا القرار الخطير ، فتنامي الطائفية السياسية والاجتماعية التي تعصف بدول المنطقة وبينها العراق تعمل على اضعاف فسحة الاختيار لدى العراقيين وتدفعهم الى التمسك بقيادات مجربة .
تنامي الطائفية في البلاد رفعت من بارمتر المخاوف في العراق ، مايعني ان المعركة الانتخابية المقبلة ستكون صراعا سياسيا بامتياز وستعبر القوائم الانتخابية ونتائج الانتخابات عن مشهد الانقسام الطائفي الذي نال كثيرا من وحدة البلاد .
كل هذا يدفعنا الى القول ان المالكي مازال يملك الكثير من الاوراق لكنه فرط بأوراق مهمة ماكان يجب ان يخسرها لعل من بينها ان القاعدة التي منحت اصواتها للمالكي تتسائل عن وجود شخصيات مشبوهة قربها المالكي او من اختارهم لتولي مسؤوليات في ادارة الدولة ومنحها ماليس حقا لها ، فضلا عن اعتماده على مسؤولين لايحظون بثقة قاعدة جمهور المالكي الانتخابية الامر الذي انتبه اليه خصومه بعد ان سبقوه في تجربة تقريب عناصر ترفضها قاعدتهم بينما لازال هناك من بين مستشاري المالكي من يعتقد ان هذه العناصر يمكن ان تقدم خدمات وتوسع القاعدة وهذا هو الوهم الكبير بل هو الخطأ الفادح الذي قد يخسر بسببه المالكي ملايين الاصوات مالم يستعيد ثقة انصاره ومؤيديه وتلك مهمة ليست بالصعبة اذا ما درست بمعزل عن الاوهام والحسابات الاعلامية ونصائح مستشارين يبدو انهم لم يهضموا الدرس جيدا ،بدون هذه الحلول التي تحتاج الى الجرأة في اتخاذ القرار فأن الطريق لم نعد سالكة .
الانقسام العرقي والطائفي يجر بموازة صراع داخلي برزت فيه اقطاب جديدة فالقوى السنية ستخوض معارك الانتخابات بقوائم متنافرة والامر ينطبق على كوردستان التي تغلي تحت صفيح ساخن عنوانه هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود بارازاني .
هذه الانقسامات الحادة في الجسد الذي شكل حكومة المحاصصة قد يعطي للمالكي فسحة متساوية من الخيارات مع خصومه وما ان يحقق الفارق في معركته الرئيسية حتى تظهر الكفتان قريبتان من بعض في الحسابات التقليدية ليصبح حساب المقاعد التي يحققها كل فريق في ملعبه هي الورقة الحاسمة ، وهذه الحسابات تتطلب ان يركز المالكي على كسب قاعدته والتخلص من الاسماء التي كانت عنوانا للفشل ولاسماء اخرى كانت محل جدل كبير بين اوساط جماهيره ، اختيار تشكيلته مبكرا واعلانها للرأي العام ومدى مقبوليتها لدى الناس قد تكون اهم ورقة تعزز الثقة الكاملة التي يظهرها المالكي بقدرته على وضع خصومه في زاوية حرجة تمكنه من تشكيل الحكومة للمرة الثالثة على التوالي .