في هذا المقال سوف اعبر عن رؤيتي كمواطن عراقي محايد من حديث الساعة الساخن الا وهو موضوع الولاية الثالثة للمالكي ، وكذلك اعبر مقدما عن اعتزازي بكل وجهات النظر الاخرى المؤيدة والرافضة لها ، إلا انني سوف اعرض اسباب عدم قناعتي برئيس الوزراء المنتهية صلاحيته ( المالكي ) والذي لا اجد فيه اي من العناصر والمقومات التي تؤهله لإدارة ملف العراق الساخن خصوصا في المرحلة القادمة والذي ثبت بالتجربة والوقت انه بحاجة الى قائد سياسي وليس الى خطيب ومتحدث لبق خصوصا اذا عرفنا ان فن الخطابة والإلقاء سمة مميزة في السيد المالكي ورفاقه في دولة القانون ( حزب الدعوة سابقا) ولا ينكرها إلا جاحد اوحاسد .
ولذلك انا ضد ولاية ثالثة للرجل لأنه فشل على كل الاصعدة والمستويات ولم يربح سوى اصوات من يتعاطف دائما وأبدا مع القائد الضرورة وينقاد ذاتيا للرئيس والزعيم ايا كان وخير دليل على هذه الرؤيا ما حصل فالعراق ورؤساء وزاراته الثلاث ( علاوي – الجعفري – المالكي) فلقد حصدوا الاصوات في جميع الانتخابات التي اعقبت توليهم مسؤولية الحكومة في العراق كما تحصد النار الحطب ولا عجب في ذلك لأن الناس على دين ملوكها في الماضي والحاضر والمستقبل ، كما ان شرعية الانتخاب مرهونة بشرعية الانجاز وهذان الامران متلازمان ولا يمكن التفريط باحدهما على حساب الاخر ..
في المحصلة سوف اورد الاسباب التي اجدها ويجدها غيري الكثير منطقية لرفضي للولاية الثالثة للمالكي فهي :
1- استطاع السيد المالكي (بمعية رجال ونساء ائتلافه في دولة القانون )وبامتياز منقطع النظير من جعل كل الكتل المشاركة في العملية السياسية مناوئة له ولبقائه في السلطة وعبارة عن اعداء متربصين لسقوطه ورافضين لاستمراره على سدة الحكم ، وهذا دليل على سياسة الاقصاء والتهميش التي مارسها وائتلافه بحق شركائه في التحالف الوطني قبل المنافسين في الكتل الاخرى وخير دليل ان كتلتي الاحرار والمواطن ( ابرز كتل التحالف الوطني على صعيد عدد المقاعد ) وضعتا خطا احمر امام تولي المالكي لولايته الثالثة قبل الجميع .
2- ان السيد المالكي استطاع وبفضل سياساته الخاطئة على الصعيدين ( السياسي – الامني) تمكين الاعداء من السيطرة على العديد من المدن والمناطق في انحاء البلاد واتسمت السنوات الاربع الاخيرة بمشاهد متعددة استطاعت فيه القوى الخارجة على القانون من التجاوز على حرمات ومقدسات وممتلكات الشعب العراقي الى الحد الذي شاهد العراقيون مرارا وتكرارا بعض الخنافس الوهابية البعثية في الرمادي وسامراء وغيرها من المدن تهدد وتتوعد باسقاط بغداد وكانت أخر مشاهد مسلسل الاستهتار للعصابات التكفيرية- البعثية هو سقوط الموصل وكركوك وصلاح الدين في قبضة عصاباتهم وميليشياتهم بغضون يومين أثنين لا غير ..
3- ان الرجل متمسك بالسلطة الى الحد الذي بدا فيه مع الاسف انه مستعد فيه للتضحية بالبلاد والعباد في سبيل الزعامة وكرسي الوزارة بالرغم من المناشدات المحلية من مختلف الاتجاهات الدينية والسياسية والاجتماعية والإعلامية للمالكي بحقن دماء العراقيين وحفظ وحدة بلادهم التي تتعرض لأكبر مؤامرة لتمزيق أرضه الى اقاليم قومية وطائفية .
4- ان السيد الرئيس المالكي لم يتأسى بزعيمه السابق في حزب الدعوة ابراهيم الاشيقر الجعفري عندما تنازل عن استحقاقه الانتخابي لمنصب رئيس الوزراء شريطة ان يبقى المنصب في عهدة حزبه آنذاك (حزب الدعوة) وبالفعل تم التنازل واختار الدعويين (المالكي) بديلا للجعفري ولذلك من المستغرب ان لا يبادر المالكي لمثل هذه الخطوة ويسلم راية رئاسة الحكومة الى احد رفاقه في ائتلاف دولة القانون وقد يكون عذره (المالكي) هو عدم قناعاته وثقته بالبديل المناسب له.
5- ان السيد الزعيم المالكي لم يستطيع خلال ترأسه الحكومة لدورتين متتاليتين من تشكيل حكومة قوية ومتماسكة وفعالة حكومة خدمات وأمن وتنمية وانما اتسمت رئاسته بتزايد الازمات والابتلاءات والمحن للشعب العراقي ، كما انه في كلتا الدورتين لم يحسن اختيار نمط وتركيبة وشكل الحكومة ، وحتى الشركاء الرئيسين له وهم الكرد والسنة والأحرار سرعان ما انقلبوا على سياساته وأعلنوا رفضهم لها وسعوا بكل ما أوتوا من قوة وحماسة لتغيير المالكي وإسقاط حكومته عبر مجلس النواب الا ان التدخلات المحلية والإقليمية والدولية ساهمت في عدم أتمام هذا المشروع.
6- ان تنازل المالكي لو حصل وخصوصا بعد تنازل النجيفي سيجبر الاطراف جميعا على التعامل بواقعية مع هذه المتغيرات وقد يكون فرصة تاريخية لإزالة الاحتقان بين العرب الشيعة والسنة وبالتالي ايقاف الكتل السنية وقياداتها الدينية دعمها اللوجستي لعصابات داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية وسحب تأييدها وربما مواجهتها عسكريا بمشاركة القوات المسلحة العراقية وهو ما يعني سرعة اضمحلال وزوال تلك التنظيمات واختفائها لأن الجميع في العراق وخارج العراق يدرك جيدا ان كل هذه المشاهد التي تشهدها المحافظات ذات الاغلبية السنية هي عبارة عن حراك وضغط سياسي لتحصيل مكاسب ومطالب معينة .
7- قد يتحول تنازل المالكي فيما لو تم استغلاله من قبل السنة والشيعة الى وسيلة لكبح جماح الساسة الكرد وخصوصا الحزب الديمقراطي وزعامته التي كانت ولا تزال سبب رئيسي لكل ما تشهد البلاد من ازمات واحداث خطيرة ، وربما تجلت تلك المسؤولية البرزانية بوضوح بعد سقوط الموصل وغيرها من المدن اذ ما سرعان كشر البرزاني عن انيابه السامة ليعلن الاحتلال (الشرعي) لعدد من مدن العراق واهمها كركوك بحجة قيامه وميلشياته البيشمركة بحمايتها من الزمر التكفيرية ولم يتحصل البرزاني على تلك المغانم لولا خيانة القيادات العسكرية التي سلمت كل موجوداتها من عدة وعتاد الى كاكا مسعود وبيشمركته .
8- استبداد وتسلط المالكي على اهم مرافق الدولة ومؤسساتها كان من اهم الاسباب التي دعت الكتل السياسية الى التصدي له ، وربما كان فرض سيطرته على الهيئات والمؤسسات الحكومية واضحا من خلال سياسة العزل والتنصيب لمسؤولي تلك المؤسسات ولم تسلم حتى هيئات القضاء والانتخابات والنزاهة والاعلام …الخ من التدخل والسافر في سياساتها من قبل السيد المالكي واعضاء ائتلافه دولة القانون بالرغم من ان تلك المؤسسات والهيئات مرتبطة بمجلس النواب قانونيا ودستوريا .
9- السيد المالكي وكقائد عام للقوات المسلحة فشل فشلا ذريعا في بناء منظومة عسكرية على صعيد الافراد والمعدات ، وبالرغم من التهديدات التي يتعرض له الشعب العراقي من خلال حملات الابادة بالتفخيخ والتفجير وقطع الرؤوس او الانتهاك المستمر للحرمة الحدود العراقية بعد ان تحولت المنافذ الغربية الى اكشاك ومحطات للارهاب التكفيري لمزاولة نشاطه ما بين العراق وسوريا ، المالكي ومن خلال اولا : السيطرة على وزارتي الدفاع والداخلية وعدم تعيين من وزراء اكفاء ومهنيين لها ، وثانيا : عبر تفرده وكتلته بتعيين القيادات العليا في الدفاع والداخلية في مخالفة واضحة وصريحة للدستور العراقي . وثالثا : من خلال سيطرة اقاربه ومستشاريه وقيادات ائتلافه على الاجهزة الامنية المهمة بالرغم من عدم كفائتهم لمثل هذه المواقع الحساسة ولكن رغبة هؤلاء في السيطرة على مقاليد السلطة جعلتهم يفسدون الى ابعد الحدود وبالتالي تحولت المنظومة الامنية العراقية بفعل تلك السياسات الى منظومة هشة ومخترقة وضعيفة ..
10 – الظروف الراهنة في العراق تتطلب من الجميع التضحية على صعيد الطموحات مقابل الحفاظ الى الاستحقاقات ولا يوجد اي حل سوى تحريك العملية السياسية لمحاولة ازالة الاحتقانات القومية والطائفية بين المكونات السياسية ولعل مشكلة الولاية الثالثة للمالكي تمثل حجرا اساسيا امام اي حراك سياسي ، والجميع سوف يكون خاسرا في حال استمر الصدع والاختلاف ، فالقتال الداخلي لا يمكن ان يكون الحل لأنه لن يقود البلاد الا لمزيد من الخسائر على صعيد الارواح والممتلكات ، والسنة والشيعة هما الخاسران الاكبران من كل هذه الفتن والاضطرابات وبالتالي يحتاج علاج الصدع الى تنازلات تكون نافعة في رأب صدع البلاد والعباد..
لكل هذه الاشكاليات نرفض الولاية الثالثة ونتمنى من السيد المالكي ان يتوقف عن تشبثه بمنصب رئاسة الوزراء لأنها سوف رئاسة على حساب العراق وشعبه ويكفيه ما تحمل من اوزار السلطة التي يبدوا انه لن يغادرها حتى لو تنازل عن رئاسته لأن المناصب التي عرضت عليه مقابل التنازل لا تقل اهمية ومكانة بدءً من نيابة رئيس الجمهورية وانتهاءً بوزراة الدفاع ، وهذه فرصة لاثبات تواضعه وانه يريد خدمة العراق وشعبه وليس فقط التسلط والزعامة للبلاد والعباد ..