لم تدرك الولايات المتحدة ان اسلوب تعاملها مع المكون العربي كان على خطأ الا في السنوات الاخيرة ، وادرك صناع القرار في الادارة الاميركية وفي الكونغرس ان هذا التعمد في الاصرار على استبعاد المكون العربي في المعادلة العراقية أضر كثيرا بسمعتها ومصداقيتها ليس أمام العراقيين فقط بل امام شعوب المنطقة ودول العالم، أظهرت فيها السياسة الاميركية انها مارست ظلما كبيرا خلال وجودها العسكري في العراق وحتى في المرحلة التي تلته بعد انسحابها منه ومن ثم تسليم الحكم الى ادارات عراقية ، ولم تتمكن الولايات المتحدة من التخلص من هذا الاهمال وهذه المجافاة للمكون العربي ربما الا في السنتين الاخيرتين، وندرج في ادناه أهم الملاحظات التي يضعها المكون العربي أمام صانع القرار الامريكي في أسباب توتر هذه العلاقة واضطرابها، ومن ثم التحسن ” النسبي ” الذي لايقارن بحجم الظلم الفادح والاثار الخطيرة التي خلفتها هذه السياسة على مستقبل العراق والمنطقة بوجه عام وكالتالي:
1. لقد أدركت الولايات المتحدة ان استمرار تهميشها للمكون العربي وعدم التعامل مع مطالبه المشروعة بنوع من الاهتمام والاصغاء لما يود طرحه من وجهات نظر يزيد من حالات التوتر والاضطراب والاصطدام معه ، وبسبب هذا الاهمال واللامبلاة ، فقد أضاعت الولايات المتحدة فرصة ان تبني تجربة ديمقراطية كان يمكن ان تكون من اروع انجازات الديمقراطية الاميركية في المنطقة لو إنها وضعت هذا المكون في اعتبارها وتعاملت معه على أنه الأكثر نضجا وخبرة وتجارب سياسية وسعة نظر وانفتاحا مع الاخر، ولكان بإمكان الديمقراطية التي سعت لبنائها في العراق وأثمرت نتائج ايجابية كبيرة ، كان بإمكانها أن تكون أنموذجا للمحيط العربي والدولي ، لكن تجربتها المريرة وكثرة انتكاسات السياسة الاميركية وتعرضها لانهيارات كثيرة وصم أذنيها عن سماع مطالب المكون العربي، مثلما تفعل الحكومة العراقية الان، لما تعرضت هذه التجربة الى كل هذه الانتكاسات المريرة، ولكان بالامكان بناء تجربة ديمقراطية واقتصادية تعتمد على احترام كرامة كل المكونات العراقية والتعامل معها على انها أدوات البناء الديمقراطي المستقبلي، لكن ماحصل من انهيار كلي لبنية العراق ولاقتصاده ولمقومات الدولة بشكل عام وانهيار قوتها العسكرية وتشجيع مظاهر الفساد والنهب والسلب للثروة العراقية ولمؤسسات الدولة وتحطيم ركائزها ، كان أحد أسباب اخفاق الادارة الاميركية في بناء تجربة مثالية على غرار ما بنته من ديمقراطيات في المانيا وكوريا الجنوبية ودول كثيرة، ما ولد لدى العراقيين وعموم شعوب المنطقة ان الادارة الامريكية لاتريد بناء ديمقراطية فعلا في العراق، واستباحت بلدهم وعرضته لمخاطر التشرذم والتقسيم، بل والاقتتال الذي ساعدت الولايات المتحدة في تأجيج نيران الطائفية وصبت عليها الزيت في كل مرة لتزداد اشتعالا، وهذا ماخلق رأي عام معاد للولايات المتحدة ولنهجها في العراق، وكانت خسارة الولايات المتحدة سياسيا فادحة ومثيرة لليأس والاحباط من تراكمات تلك السياسة التي أقل مايقال عنها انها لاتدرك أبسط أشكال التعامل مع الشعوب، ولا تضع حتى مصالحها العليا في الاعتبار عندما ، عملت على اختلال الموازنة العراقية وساندت كفة ضد أخرى وهي التي شجعت الانقسامات وعوامل الاحتراب وساندتها عن وعي أو بدونه، وحرمت نفسها من فرصة ان تقيم تجربة ديمقراطية ، تكون مثالا يحتذى في المنطقة، ولكانت خساراتها أقل من ذلك بكثير ولحصدت سمعة دولية ، ولربحت الرأي العام العربي والدولي، لكنها خسرت كل شيء، وكانت خسارتها لاتقدر بثمن ، وهي التي جنت على نفسها، بأن التجربة التي بنتها في العراق كانت فاشلة تماما، بل ومحبطة للامال، وتعكس حجم الاستهانة بقدرات العراقيين ، ومارست ضدهم أبشع انواع الدكتاتوريات ظلما، حتى انها شجعت بناء دكتاتورية مشابهة لما مارستها خلال فترة احتلالها للعراق التي قاربت العشر سنوات، حتى تبعتها ممارسات دكتاتورية فاقت في بشاعتها دكتاتورية الامريكان.
2. لقد اعترف قادة عسكريون امريكيون ان امريكا بنت ديمقراطية فاشلة في العراق، بل اقامت فيه حكومة فاشلة، وكان هؤلاء القادة ممن شاركوا في حرب العراق او وضعوا ستراتيجيات عسكرية وسياسية لبلادهم ،وكان التطبيق لأسسها ومقوماتها فاشلا ، واعتمدت الولايات المتحدة على التزام مكون دون اخر وعملت على تكريس سياسة اقصائية لقادة البلد ولقدرته في الادارة والحكم واعتمدت على شخصيات ليس لديها اية تجربة ولا بعد نظر واهتمت بمصالح مكونها على حساب المكونات الاخرى وبالتالي ضيعت المشيتين ، فلا هي انصفت العراقيين ككل ولا انصفت حتى المكون الذي اعتمدت عليه في الحكم ولم يظهر بما يكفي قدرته على تمثيل العراقيين، بل ان الظلم وقع حتى على المكون الذي اعتمدت عليه الحكومة واشاعت انها تدافع عنه، واذا به هو الاخر يتعرض لاهمال لمستوى عيشه وتدني مستويات التعامل الاخلاقي وكان النهب للثروات العراقية وعمليات الفساد التي تفشت في البلد عامل نقمة على المكون الذي ادعت الولايات انها نصفته او اعادات له الاعتبار، وشعر انها خذلته كثرا ، وبل ولعنت ذلك اليوم الاسود الذي جاء بالامريكان الى العراق، وحطم امالهم في أبسط اشكالها وحرمهم من فرصة ان يكون لهم مكانة واذا بهم هم من تعرضوا الى شتى انواع الاذلال والاضطهاد على رغم التحسن النسبي في احوال الغالبية منهم ، الا انها بقت دون الحد الادنى لحلم أي عراقي في العيش الادمي .
3. لقد ادركت الولايات المتحدة قبل سنتين ان بامكانها ان تعيد ترتيب تعاملها مع المكونات العراقية واشعارهم انها تعير لهم اهتماما متقاربا في الرؤى، غير ان العراقيين انتظروا تحقيق مصداقية هذه التوجه لكنهم حتى الان لم يجدوا له تطبيقا عمليا على أرض الواقع، وبقي المكون العربي ربما الوحيد الذي لم يجد من يسانده في محنته التي واجهها في العراق طيلة اكثر من عشر سنوات، وكانت المتغيرات في الموقف الاميركي طفيفة وهامشية ولم ترتق الى حجم الاذى الذي لحق بالمكون العربي، والتحديات القاسية في انه حورب على اكثر من صعيد وحرم من مجالات المشاركة وشنت ضده حرب متعددة الاشكال والالوان وتعرض لمختلف انواع المخاطر والتحديات، في ممارسات اقصاء وتهميش بل والعمل على حرمان المكون العربي من المشاركة الفاعلة الا في نطاق محمود لاينسجم وحجم تأثير هذا المكون ولا مع قدراته وخبراته، وبقيت قطاعات واسعة من كوادر هذا المكون تعاني الاهمال بل والابعاد والقتل والتشريد ، وتعرض حتى الناس البسطاء الى حملات حروب شنت عليه تحت مبررات ما انزل الله بها من سلطان، بينما الارهاب يجوب كل انحاء البلاد ولا احد يضع حدا لما تعرضت له اراواح العراقيين حى راح الارهاب يصول ويجول وهو الذي يظهر حضوره بينما الحكومة واجهزتها تبدو وكأنها عاجزة عن الوقوف بوجهه او وضع حد لبطشه وظلمه وتعديه على ارواح البشر ، وكوارث الموت المفجع الناجمة عنه، وتنقلب الاحوال على الناس الابرياء لتفتك بهم الحكومة وتشن عليهم حملاتها في الاعتقالات والقتل والتشريد بالرغم من ان من تعتقلهم او تقتلهم لاناقة لهم ولا جمل في ما يجري، ولم يكونوا سببا في الارهاب، ولم تكن لديهم يد في اثارة احقاده وجرائمه، بل هم من كانوا ضحية الارهاب، وفقد ملايين العراقيين اي ثقة بممارسات الحكومة ، وعانوا ما عانوا من صنوف الضيم والعذاب والحرمان واخرها الحروب التي شنت عنوة عليهم وخربت مدنهم تحت دعاوى زائفة مضمونها محاربة الارهاب لكن اهدافها الحقيقية هو القضاء على المكون العربي واستباحة حرماته وعرضته لمختلف انواع الاذلال وانتهاك الكرامات.
4. ان بإمكان الولايات المتحدة لو انها استفادت من تجاربها السابقة غير الودية مع شعب العراق ان تعيد تقييمها لخطوات التعامل مع المكونات العراقية بما يحاول قدر الامكان ازالة ترسبات تحلك الحقبة الطويلة المليئة بعوامل الكراهية لها والحقد على توجهاتها المعادية للعراقيين بأن تتخذ من الخطوات ما يكفي لفتح صفحة اكثر انسانية في هذا التعامل، وان لاتبقى مدافعة عن الحكومة العراقية في كل الاحوال وان لاتصدق كل مزاعمها عن اماكن الارهاب وحجمه، وان بامكان مجساتها هي ان تؤشر مكامن الخلل دون الاعتماد على ماتثيره الحكومة من أزمات وافتعال حروب ومشاكل مع مكوناتها وبخاصة المكون العربي، الذي ينتظر مبادرة أكثر قدرة على تأكيد الموقف انها سوف تشيع مبدأ التوازن في النظرة الى المكونات العراقية وترفع الظلم عمن حرم هذا المكون من فرصة ان يكون له دور ايجابي فاعل في المشاركة السياسية وصنع القرار، وكان بامكانها ان تستفيد من الدعوات الخيرة من كبار المسؤولين العراقيين ومنهم النجيفي واياد علاوي وشخصيت رفيعة في الحكومة العراقية ، بما فيها المجلس الاعلى والتيار الصدري والكرد ، لتدرك حجم الاذى الذي يلحق بالمكون العربي، وهي الصامتة التي لم تحرك ساكنا لكي تعيد حالة التوازن العراقية الى مجراها الصحيح.
5. ان واحدة من الماخذ السياسية من قبل الادارة الاميركية هي انها ما زالت تتعامل مع ايران على انها بامكانها ترويض هذا الخصم وايقافه عند حده، لكن المكون العربي يرى في التعامل الاخير مع ايران على انه مراهنة خاسرة وهي مضيعة للوقت اكثر من كونها انجازا، لأن ايران تعمل على استغلال اية فرصة للتدخل في الشأن العراقي وتركت يدها في العراق تفعل كيفما تشاء، وكأن هناك تناغم وتؤائم في الرؤى والمصالح بين واشنطن وطهران، وسيأتي الوقت الذي لن يكون بوسع الادارة الامريكية ردع ايران اذا ما استمر التعامل مع ايران يجري على هذه الطريقة التي تمنح ايران مجددا حرية الحركة في مسرح العراق والمنطقة وتبني مفاعلات نووية متطورة على هواها، وهي تسعى باتجاه تصنيع قنابل نووية ، ولمجرد انها خفضت نسبة التخصيب فقد ادارت لها الولايات المتحدة ظهرها وكأنها قد حققت لها المعجزات، في حين تحاول ايران اغراء امريكا بالمزيد من تقديم التنازلات لها، لكي يكون بوسعها تحقيق احلامها في ان تبقى ورقتها في التحكم بمقدرات المنطقة قوية، وقد حقق الاتفاق النووي الاخير لها هذا الحلم حتى انها لم تصدق ان الاميركان يمكن ان يتساهلوا معها بهذه الطريقة ، وهي تنتظر الوقت الذي يكون بوسعها لوي ذراع الغرب عموما وليس الولايات المتحدة فقط ، وارغامه على الحصول على مكاسب أكثر قوة بالنسبة لها، وقد لايكون الوقت طويلا عندما تجد واشنطن ان طهران قد اعادت تجميع قواها للاعلان عن التصادم مع الغرب وارغامه على الاعتراف بقدراتها في ان تبقى هي المهيمنة بينما اكبر دولة في العالم تستجدي ايران وتنفذ لها ما تريد لمجرد تقديمها تنازلات بسيطة، ويبدو ان الامريكان لايعرفون حتى الان ان ايران تريد ان تمتد امبراطوريتها باتجاه العراق والشام لكي تجاور الكيان الصهيوني لتعقد هي معاهة سلام معه بعد ان تكون طهران قد حققت هذا الحلم الكبير في ان يكون بمقدورها ابتلاع دول الخليج وسوريا ولبنان والاردن لتكون ايران جارة اسرائيل الآمنة.
6. ان حرب الحكومة على الانبار تعد اختبارا لموقف الولايات المتحدة من أخطر أزمة يواجهها العراق ، وبالتالي فان إستمرار استهداف مكون معين من خلال قيادة حرب شاملة عليه ضد أناس آمنين وتخريب محافظتهم بهذه الطريقة وتجييش الجيوش وشن حرب شعواء أكلت الاخضر واليالبس ، بدون موقف اميركي قوي ضاغط لايقاف هذه الحرب تلقي بظلالها على الموقف الاميركي وتطرح العديد من التساؤلات عن جدوى بقاء الموقف الاميركي صامتا او لنقل لا أباليا ازاء حجم الأضرار التي لحقت بمدن محافظة الانبار تحت تبريرات لايمكن لطفل ان يقبل أعذارها، وقد اتخذت مسارات تجييش طائفي لحسابات انتخابية تهدف الى اضعاف المكون العربي عموما والاضرار بسمعة سياسييه من اجل حرمانهم من المشاركة في الانتخابات المقبلة ، وبالتالي ابقاء هذا المكون وقادته في حالة من التخبط والارباك، وحرمانهم من حق الانتخابات التي تشكل هذه الحرب أحد أهدافها الرئيسة ، ما يشكل من وجهة نظر المكون العربي استهدافا لمكونهم جميعا، وبالتالي لم يجد هذا المكون موقفا أمريكيا يحاول ان يضغط باتجاه انهاء هذه المعاناة، التي طال أمدها، وكان على الولايات المتحدة محاسبة القائمين اليها وتقديمهم الى محاكم دولية كونهم مارسوا إبادة جماعية، كما يجري في سوريا، وعلى نفس جرائم الابادة التي يدينها الامريكان ولا يدينون ما يتعرض له أبناء الانبار وعموم المكون العربي من جرائم إبادة.
7. هذه بإختصار أبرز الملاحظات التي يضعها المكون العربي امام الولايات المتحدة ، وهو يأمل ان تضع هذه الملاحظات نصب عينيها حتى لايأتي اليوم الذي تندم فيه الولايات المتحدة لأنها لم تأخذ بمثل هذه الملاحظات على محمل الجد، وهي وسيلة نبتغي من خلالها مساعدة صناع القرار في الولايات المتحدة ان يستفيدوا مما نضعه امامهم من رؤى وتوجهات تخدم مصالح العراق والولايات المتحدة على حد سواء، ونكون قد أسمهنا في رسم معالم سياسة اكثر أمنا واستقرارا للعراق والمنطقة.