18 ديسمبر، 2024 9:08 م

الولايات المتحدة وإيران..من يملأ (فراغ ) المنطقة ومن (يهيمن) على مقدراتها ؟!

الولايات المتحدة وإيران..من يملأ (فراغ ) المنطقة ومن (يهيمن) على مقدراتها ؟!

سؤال يردده الكثيرون هذه الأيام..هل الولايات المتحدة تسعى الى (ملء الفراغ) الحالي في المنطقة؟؟ ام أن بإمكان إيران وروسيا ، أن يسعيا الى (ملء) هذا (الفراغ) في العراق وسوريا وحتى دول الخليج العربية وعموم دول المنطقة، وبخاصة بعد ان تعرضت (داعش) لضربات قاتلة أجهضت مشروعها للهيمنة على مقدرات المنطقة.. ومن هو (المستهدف) الأول في نهاية المطاف؟؟!!

هناك حقيقة لايمكن أنكارها، وهي أن الولايات المتحدة ، وإسرائيل هي من اوجدت (داعش) ، وكانت إيران ومن ثم روسيا المستفيد الأكبر من هذا الوجود..إذ وفرت لهما الولايات المتحدة، من خلال سياساتها (المتخبطة) فرصة أن يكون لكل من إيران وروسيا ادوارا (محورية) ليس بمقدور الولايات المتحدة تجاهلها في مستقبل قريب!!

ربما يعد وجود (داعش) في العراق من ثم سوريا (نعمة) لاتقدر بثمن بالنسبة لإيران، وفرتها لها الولايات المتحدة، دون ان تدرك ان (صناعة داعش)، و(تفريخها) في المنطقة ، ساهمت فيها اطراف كثيرة، وخدمت انظمة ودولا أقليمية ، بضمنها نظام بشار الأسد ، بل ان وجود (داعش) كان قد قدم خدمة كبيرة لإيران في (ملء الفراغ) في العراق وسوريا، وأعطت (مبررا) لإيران ان تبسط سيطرتها على مقدرات العراق، ومن ثم سوريا ، وراحت أبعد من ذلك بإتجاه دول الخليج العربية ، حتى وان كانت الولايات المتحدة هي (المهيمنة) من حيث المفهوم الشامل للوجود الفاعل والمؤثر في المنطقة والعراق على وجه التحديد!!

هناك حقيقة وان كانت (مرة) على مستقبل المنطقة ، لكن الامريكان وبنصائح بريطانية وأوربية ، ساروا وراء نظرياتها، وارادوا تجريبها (مختبريا) في المنطقة، او (تفريخ) مشروعها للـ (الهيمنة) بطرق أخرى غير الطرق المتعارف عليها في (الاحتلالات التفليدية المباشرة) ، التي تكلف الولايات المتحدة أموالا باهضة وارواحا بشرية كبيرة وضحايا، وسمعة أممية ليست طيبة ، تلك السياسة تنطلق من مفهوم مفاده ، ان (العراق وسوريا) إذا ما توفرت لديهما أية إمكانية للـ (التوحد) و(التلاقي) في الاهداف والرؤى في أي ظرف وزمان، فإن بإمكانهما ان يعيدا للوجود العربي قوته، وان (الشعور القومي) بين البلدين، حتى في ظل جناحي (البعث) اللذين كانا يصطرعان في سوريا والعراق، وكان بإمكانهما مع (مصر) ان يجعلا من العراق وسوريا (مشروعا عربيا) للنهضة والانطلاقة، وهم من لديهما القدرة على (كبح) التطلعات الامريكية للـ (الهيمنة) على مقدرات المنطقة ودولها، لكن كل تلك المشاريع الوحدوية تم كبحها وافشالها ، وساهمت دول خليجية للاسف في هذا المشروع ، ولم تكن لإيران منذ السبعينات او حتى التسعينات لديها القدرة ان يكون لها (وجود مؤثر) وبخاصة في العراق، لولا الاحتلال الامريكي للعراق بعد عام 2003 وما بعده، والذي أصبح يعد من وجهة نظر إيران (مكسبا كبيرا) وفر لها فرصة لم (تحلم ) بها ايران طوال حياتها، ان يكون بمقدورها ان تفرض هي (الهيمنة) على العراق وسوريا، وتكون (متسامحة) مع الامريكان و (مداهنة) لتوجهاتهم في العراق، بل ان الامريكان هم من أعطوا لإيران (فرصة ثمينة) بأن (تلتقط) انفاسها بعد خسارتها في حرب الخليج الأولى نهاية الثمانينات، واستطاعت ايران ان تعيد وجودها المؤثر ، وتمنحها الولايات المتحدة عن طيب خاطر (أدوارا) راحت فيها الولايات المتحدة (تتقاسم) بها (النفوذ) مع الامريكان، وكان الامريكان غاية في الغباء يوم تركوا ايران (تلعب بذيلها) كما يقال ، على أمل ان توفر فرصة ثمينة لهم لـ (ترويض) العراقيين ، والمساعدة في (إخماد) نار ثورتهم ضد احتلال الولايات المتحدة لبلادهم، لكن إيران كانت للعراقيين بالمرصاد ، وهي من (سهلت) للأمريكان المضي بمشروعهم في (الهيمنة) على مقدرات العراق بعد ان كانت في البداية (متخوفة) كثيرا من الوجود الامريكي على مقربة منها، وكانت إيران تظن ان احتلال العراق سوف يسهل للامريكان احتلال ايران، لكن (رسائل التطمين) الامريكية الكثيرة هي من سهلت للامريكان (إقناع) إيران بالقبول في نهاية المطاف بالاحتلال الامريكي للعراق ، بأن يكون لجماعتها ممن تحتضنهم إيران (حصة الأسد) في السلطة المقبلة في العراق، وكان لإيران ما ارادت!!

ويعتقد كثيرون أن ظهور (داعش) في العراق واحتلالها لمحافظات عراقية من (المذهب الديني) المناويء لايران، تعد بالنسبة لإيران (فرصة كبيرة) و(حلما ورديا) لم يخطر على بال لايران في ان يكون لديها (فرصة) أخرى للـ (التوسع والهيمنة) على مقدرات العراق من خلال أذرعها ، لولا ان الامريكان كانوا من أسهموا بصناعة (داعش) وتفريخ (أنموذجها) السيء في العراق وسوريا، إنطلاقا من مفهوم امريكي وبنصائح بريطانية كما أسلفنا، أنها لن تكون في (إطار قومي) هذه المرة ، بل تحت إطار (مشروع دولة العراق والشام) ولكن في (إطار إسلامي)، وهو (حلم) يدغدغ مشاعر كثير من العراقيين والسوريين الراغبين بوحدة بلديهما ، إذ توصل الامريكان الى قناعة أن (وأد وحدة العراق وسوريا ) لايمكن ان يتم إن بقي هناك هناك (مشروع قومي عربي) ، لهذا وجدوا في (المشروع الديني الاسلامي المذهبي الطائفي) خير إطار من (يفرق) شمل الأمة ويشتت قواها من خلال خلق (صراعات مذهبية) تشعل نيران حروب لاتبقي ولا تذر، وكانت ايران المستفيد الاكبر من المشروع الامريكي لـ (تفريخ) ما يمكن ان نسميه بـمشاريع (دويلات إسلامية) ،فهي (الفخ ) الاكثر قدرة على بذر الشقاقات وعوامل الانقسام ، في الجسد العربي ، وكان للولايات المتحدة ما ارادت، الا انها لم يدر في خلدها ان ايران ستكون (المستفيد الأكبر) من المشروع الامريكي، وهي حتى هذه اللحظة تخشى (الاصطدام) المباشر مع ايران، ولا تريد (التحرش) بها ، في هذا ( التوقيت) على الأقل، لانها ما زالت تقدم (خدمة) جليلة للامريكان بأنها (توافقت) معهم في الرؤى في السيطرة على مقدرات العرب ، لكن (الحيرة) الامريكية هي في كيفية (إزاحة) إيران الان ، بعد ان أن راحت هي الاخرى تفرض (وصايتها) على مقدرات دول المنطقة وتريد ان (تشارك) الأمريكان في مشروع (الهيمنة) ، لهذا كانت (المواجهة الأمريكية) مع إيران (متأخرة) جدا، بعد ان إمتد (أخطبوطها) في العراق وسوريا، وراحت تلعب مع الامريكان (لعبة القط والفار) وما يمكن ان نسميه في الدارج بـ (لعبة الختيلة) ، لكن الامريكان يتعاملون بـ (جدية) الان مع (الخطر الايراني) الداهم ، وهم يريدون (تقليم) أظافر إيران، لكي لايكون بمقدورها ان تسبب لهم المتاعب والاحراجات، وان تضع حدا للـ (المخلب الايراني) من أن يكون بمقدوره (خدش) الجسد الامبريالي المترامي الاطراف والذي لايريد لآخرين ان (يتقاسموا) بعد الان (الكعكة) معه ولا (الغنيمة) على أرض العراق ولا على سوريا وبخاصة ان نفط العراق مايزال يسيل له لعاب الامريكان والغرب عموما ، وقد ابلغ الامريكان إيران (رسائل) عبر أكثر من طرف وحتى على العلن، من أن عليها ان تفهم حدود صبر الامريكان ، كل هذه الفترة، وأن (الأذرع الإيرانية) سواء في داخل ايران او داخل العراق، سوف يتم (تقليمها) أو قطع إمتداداتها، حتى وان تطلب الأمر (المواجهة) معها، سواء ما يتعلق منها بالحرس الثوري الايراني او الجماعات المسلحة الموالية لايران في العراق، التي أصبح وجودها الان ليس (مرغوبا) به لدى الامريكان ، بأي شكل من الأشكال!!

بل انه حتى الروس الباحثين عن (دور أكبر) في المنطقة توصلوا الى حقيقة مفادها ان (المواجهة) مع الامريكان ستكلف الروس كثيرا ، ولهذا فهم يعملون وفق مبدأ (إغتنام الفرص) لـ (إثبات الوجود) و(استغلال الازمات) للنفوذ منها، ولهذا عمدت روسيا الى استغلال بعض الاطراف العراقية (الشيعية) التي تظهر عداء شكليا للامريكان، للسير باتجاه (تحالف وقتي) مع روسيا، لكن (نفط الجنوب) هو من يبقي الامريكان (مداهنين) لتوجهات اطراف الحكومية العراقية، وعدم (الاصطدام) بها في الوقت الحاضر، وقد أوضح الأمريكان للحكومة العراقية أكثر من مرة، ان هناك (خطوطا حمرا) لايمكن للجماعات المسلحة الموالية لها ولإيران ان تبقى (تلعب بذيلها) على هواها بعد الان، وبخاصة بعد انتهاء (إسطورة داعش)، ولن (يسمح) الامريكان بعد الان للـ (الأذرع الإيرانية) ان تحرم الامريكان من فرصة ان يبقون هم (المهيمنون) على مقدرات العراق ودول المنطقة، وعلى ايران ايضا ان تفهم ان اللعبة معها انتهت الى تلك (الحدود) او (الخطوط الحمر) ، ولن يسمح لها بعد الان، أن تبقى هي (المهيمنة) على الشأن العراقي والسوري ،وستحاول الولايات المتحدة كما اعلنت مرارا (كبح) توجهاتها وامتداداتها وأذرعها ، لكي (تتراجع) الى الوراء، والا فان (المواجهة الكبرى ) مع إيران ليست (مستبعدة ) في كل الأحوال!!

والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو : ما دور العراقيين أنفسهم في تلك (المواجهة) ، وما هي قدراتهم على (تخليص) أنفسهم من كل اشكال (الهيمنة) وبناء نظام سياسي خاص بهم يحاول قدر امكانه ان (ينأى) بنفسه ، عن (صراعات الأذرع) ليكون العراقيون هم أحرار أنفسهم، إن توفرت لهم (قيادة) ترتقي الى آمالهم، ويعيدوا (ترميم) الجسد العراقي، لكي يعيدوا لبلدهم بعض (معالم الحياة ) الى جسده المثخن بالجراحات، وقد كان بعض أبناء جلدته مساهمين في (تسليم) مقدراته للامريكان وللدول الأقليمية التي تتربص بنا الدوائر، لكن هنك (قناعة) ترسخت لدى كثير من العراقيين الخيرين أن الابقاء على (علاقة وطيدة) مع الامريكان قائمة على الاحترام المتبادل للمصالح والحفاظ على السيادة العراقية ، سوف يجنبهم شرور تدخلات الآخرين في شؤون دولتهم الان على الأقل، ويخفف طابع الصراعات في المنطقة ويذيب جليد العلاقة بينهم، بعد ان أكلت الصراعات المذهبية من جرفهم الكثير وكانت السبب الرئيس في كل الخراب و (غياب الدور) الذي عانى من العراق منذ سنوات طوال!!