23 ديسمبر، 2024 12:42 م

الولايات المتحدة.. وأزمة الانبار ..والإنحطاط القيمي والتدهور الأخلاقي

الولايات المتحدة.. وأزمة الانبار ..والإنحطاط القيمي والتدهور الأخلاقي

يؤكد الكثير من المختصين في الشأن الأميركي ان الولايات المتحدة إنحرفت كثيرا عن المبادي والقيم التي كانت تدعي الدفاع عنها منذ عهد رئيسها إبراهام لنكولن ، والتي كانت بحق العهد الذهبي لأمريكا كدولة نالت احترامها.
لكن أولى انحدارات القيم التي انزلقت الولايات المتحدة نحو هاويتها السحيقة فقد بدأت منذ عهد الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، بعد ان رافقتها جملة سياسات، لم ترق الى مستوى الانحطاط، الا في عام 2003 وما بعدها، الذي يعهد من وجهة نظر متابعي الشأن السياسي  الاميركي بأنه عهد( السقـوط الأخلاقـي) و(التدهور القيمي ) للسياسة الاميركية في العصر الحديث، وبخاصة في أزمة الانبار الأخيرة.
لقد كانت سياسات ومواقف الادارة الاميركية من أزمة الانبار وتشريد أبنائها وممارسة حروب إبادة ضدها يمثل انتكاسة خطيرة أزاء لا أبالية السياسة الاميركية وازاء فضاعات رهيبة وانتهاكات خطيرة أرتكبت على مرأى ومسمع العالم في مدن الانبار والفلوجة على وجه الخصوص، كانت تمثل اختبارا للقيم الاميركية ولادعاءاتها بحقوق الانسان، بسكوتها المطبق ولامبالاتها أزاء اكبر الازمات فضاعة وانتهاكا سافرا لابسط الحقوق الآدمية للبشر في العصر الديمقراطي الحديث الذي تدعي اميركا الدفاع عنه زورا وبهتانا في ممارسة حملات ابادة لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا مسؤولا ينم عن مسؤولية اخلاقية او قيمية يمكن ان تنقذ سجلها غير المشرف في مجال حقوق الانسان، ولم تضع حدا أو تضغط باتجاه انهاء أزمة الانبار ، إن لم تكن قد شجعت على ارتكاب هذه الفضاعات التي سيذكرها العرب والتاريخ الانساني على انها الأسوا فترة والاكثر ظلامية في التاريخ الاميركي يوم صمتت الولايات المتحدة او تغاضت او لنقل انها لم تقم بمسؤوليتها الاخلاقية كما يجب وتركت شعب الانبار يواجه اهوال حروب مدمرة شنت عليه بلا وزاع من ضمير او رادع اخلاقي.
وكثيرا ما كان المفكرون الاميركيون والساسة في الولايات المتحدة في الستينات والسبعينات وحتى منتصف الثمانينات، يسهبون في القول ان أميركا تعد واحة العالم المتمدن وواحة الديمقراطية ، و( جنة الفردوس) التي يمكن ان تنتقل بالعالم الى العصر الديمقراطي المتحرر من القيود ومن تسلط الأنظمة، ولكي يودع العالم عهود التخلف والدكتاتورية والتسلط الى غير رجعة.,وكانت مثل هذه الدعوات تزرع الآمال في نفوس الملايين من المتطلعين الى الحرية والكرامة الانسانية ان يكون العصر الاميركي هكذا، ولكن ما ان تورطت أميركا في نزاعات الشرق الاوسط ، ووجدت في الهيمنة سياسة توصلها الى التحكم في مقدرات العالم ، في مواجهة دول وقوى عظمى كانت تعد كبرى، وبقيت الدول الخمسة وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين ، هي من تتحكم في مقدرات العالم وتسيطر على شعوبه، عدا الصين التي بقي طابعها سلميا ولم تتورط في نزاعات نزلية، وحافظت على سمعتها كقوة اقتصادية كبرى ، لم تنحدر في أخلاقياتها الى مستوى الانحدار الذي راحت بعض الدول الكبرى تسير بفلكه، الى ان سيطرات الولايات المتحدة على مقدرات العالم وعدت نفسها الدولة الكبرى الوحيدة التي لاينازعها أحد في السيطرة على مقدرات العالم .
ان العالم كله ينظر الى الموقف الاميركي الصامت ان لم يكن المتورط في أزمة الانبار مثار استغراب العالم المتمدن، أزاء كل هذه الاهوال والفضاعات التي ارتكبت في الانبار، وكان أهل الانبار يتمنون لو ان الولات المتحدة انصفتهم مرة واحدة في تأريخ احتلالها للعراق ، أوتقف لمرة واحدة  على الأقل تمحي خطاياها وما ارتكبته هي من ممارسات في الانبار في بداية حربها على العراق، وكانت الفلوجة واحدة أكثر المدن العراقية التي بقيت عصية على الاميركان ، واجهوا خلالها مقاومة شرسة، لم تتمكن اميركا رغم جبروتها ان تقضي على تطلعات اهالي الفلوجة الرافضة للاحتلال ولسياسات الهيمنة والتسلط وارتكاب الفضاعات..وسيبقى التاريخ الانساني يسجل وصمة عار في التاريخ الاميركي للصمت غير المبرر عن أزمة الانبار وعدم انهاء كل هذه الهجمة غير الاخلاقية عليها أو الاسهام في إطفاء نيرانها المحرقة ، والتي اتخذ من الارهاب مبررا لشن كل هذه الحرب الظالمة عليها، ويبقى العراقيون الاخيار يسجلون على الموقف الاميركي من ازمة الانبار انها كانت السجل الأكثر سوادا في التاريخ الاميركي والصفحة الأكثر بشاعة ، في العصر الحديث.
وكنا نحن للأسف من أجيال السبعينات من الشباب ممن أكثر المولعين بالفكر الأميركي المتفتح والذي يدعي مناصرته لشعوب العالم وسعيها للانتقال من الانظمة الدكتاتورية الى الديمقراطية ، وكانت الولايات المتحدة ( جنة الفرودس ) في احلام الكثيرين من الشباب العربي الذي يتابعون سياسات الولايات المتحدة، بحيث قدمت نماذج من المفكرين والمبشرين بالحرية والديمقراطية ما يمكن ان يكون مثالا يحتذى للاجيال الحالمة بغدها نحو اشراقة شمس تزيح عنها كوابس انظمتنا السياسية المتسلطة على رقاب شعوبنا لتزرع بذور الحرية والديمقراطية والاستقرار بدلا من الحروب والالاف من الضحايا الذين يذهبون نزوات شن الحروب ، وكان الكثير من الشبان العرب يعتقدون ان بامكان اميركا ان تضع حدا لتطلعات اسرائيل العدوانية في المنطقة، لكن هذا الامل تبخر بتأييدها السافر الذي أبدته الولايات المتحدة من ثلاثة عقود مضت لاسرائيل ، وتبرير سياساتها التسلطية وتعديها على حقوق العرب واحتلال دولهم والتدخل في شؤونهم، الى ان ايقن الشباب العربي وسياسيوه ان الاميركان لن يكونوا الى جانبهم في يوم ما ، وان كل الشعارات البراقة التي رفعها الاميركيون كانت مجرد حبر على ورق، وكانت خدعة أراد منها الغرب وأمريكا على وجه الخصوص اتخاذها وسيلة لاخضاع دولنا وشعوبنا لمقدرات امريكا واسرائيل وايران كذلك التي دخلت على الخط كأحدى الدول التي اتخذت منها الولايات المتحدة واسرائيل مطية لمحاربة العرب وتحطيم قدراتهم وشن الحروب ضدهم والعمل على الحط من قدرهم، وشن حروب بلا هوادة ضد أنظمتهم وكياناتهم السياسية وسعت لاخضاعهم لمشيئتها بتواطؤ اميركي اسرائيلي غربي، وكان لكل من الولايات المتحدة واسرائيل وايران وعموم دول الغرب ما ارادوا.
يقول احد الباحثين العرب من منطقة الخليج، ان الولايات المتحدة عندما لا تجد مبرراً عسكرياً، مفتعلاً غالباً، للتوسع والهيمنة فهي تلجأ إلى فكرة الديمقراطية، أو أنها تتذكر فجأة أحد أهدافها “النبيلة!” في هذا العالم، وهو السعي الدائم إلى تخليص الناس من مظالم أنظمتهم، وهذا بالتحديد ما سمعناه وما نسمعه مؤخراً من مسؤولين أمريكيين في مناسبات مختلفة تجاه الأنظمة التي لا تروق لهم، أو التي تكون قد أدرجت سلفاً على الأجندا الأمريكية الطويلة المفعمة، هي نفسها، بالمظالم وانعدام العدل. ونحن قرأنا في تاريخ الولايات المتحدة، القديم والحديث، أنها في كل تدخلاتها، خارج الحدود الأمريكية، لم يكن هدفها، في أي يوم، نشر الديمقراطية، أو تعميم العدل، أو دعم الحرية.
ويضيف الكاتب العربي الخليجي ، في كتاب اعده عن السياسة الاميركية ان السياسات الإنفرادية للولايات المتحدة الأمريكية، وهي السياسات التي تلغي فكرة “الشراكة” في النظام الدولي التي كانت قائمة قبل الإدارة الحالية، بإستغلالها  لفكرة التحالف الدولي معها في الحرب على الإرهاب، فهي جعلت من ذلك التحالف غطاء لتحقيق أهداف أخرى تعزز غاية الهيمنة، بعد أن عمدت إلى خلق حالة من الخلط الشديد بين “الإرهاب” وأنواع “المقاومة” الوطنية التي كانت هدفاً للسياسات الأمريكية الجديدة، وبالتالي لإسرائيل التي انتظرت طويلاً مثل هذه الحالة التي مكنتها من القضاء على المقومات الأساسية لمستقبل القضية الفلسطينية.
ومن الدراسات المشهورة تلك التي أجراها مختص أكاديمي في حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية، هو لارس شولتز (Lars Schoultz) من جامعة نورث كارولاينا (North Carolina) حول مساعدات الولايات المتحدة لأمريكا اللاتينية. فقد بيّن في دراسته عن وجود علاقة وثيقة جداً بين المساعدات الأمريكية والإساءة إلى حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية. وكان مما قاله: “تتدفق المساعدات الأمريكية بصورة غير متكافئة على حكومات أمريكا اللاتينية التي تعذب مواطنيها.. إلى أفظع منتهكي حقوق الإنسان في نصف الكرة الأرضية ذاك”. كان ذلك قبل عشرين سنة فقط.
ويستعرض االكاتب الخليجي علاقة الولايات المتحدة بالليبرالية، ونشر الديمقراطية، واحترام الحريات، فيقول: بأن التاريخ يكشف أمامنا صورة أخرى تقابل الصورة “الحسنة” التي يتداولها بعض الناس عن الدور الأمريكي فوق الكوكب. ويذكر الصحفي الأمريكي (كندي الأصل) بيتر سكادين في كتابه (الكتاب الأسود للولايات المتحدة الأمريكية)، أن أمريكا كانت تدعم الأنظمة التي نكلت بخصومها أسوأ تنكيل، وكانت ترتكب المجازر الوحشية في حق مواطنيها. فأمريكا – كما يراها بيتر سكادين – كانت تحارب قوى التقدم المتمثلة في الطلاب والنقابيين والصحفيين والمثقفين اليساريين، بل وتحارب حتى الكنيسة ورجال الدين التحريريين. لقد داست الولايات المتحدة – في نظره – على مبادئ الحرية والديمقراطية، خارج الولايات المتحدة، في الهندوراس ونيكاراغوا وغواتيمال والتشيلي وسواها في أمريكا الجنوبية فضلاً عن النشاطات المشبوهة لـ CIA في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وقد أثبتت الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً مدى تورط الولايات المتحدة الأمريكية وجهاز استخباراتها في الانقلابات والاضطرابات التي سادت أمريكا اللاتينية طوال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وأن جهازها كان لا يتورع عن التعامل مع تجار المخدرات والمافيا الإجرامية من أجل زعزعة الأنظمة التي لا تعجب الولايات المتحدة.
ويقول الكاتب الخليجي ان شركاء الولايات المتحدة ومنافسوها، تلقوا إبان أفغانستان، وفي أثناء الحرب على العراق، أكبر الصفعات في حمى الهياج الأمريكي، كما تلقت الأمم المتحدة (ومجلس الأمن) أكبر النكسات المريرة في حياتها. ومازلنا نذكر موقف العالم العربي والإسلامي، المسلوب الإرادة، وهو موقف لم يكن ليقوى على فعل أي شيء تجاه ما أرادته أو تريده أمريكا. كما نتذكر أيضاً الموقف الذي وجدت نفسها فيه بعض دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا تخصيصاً) وكذلك روسيا والصين، وغيرها من الدول التي لم تستطع أن تفعل أي شيء غير الإكتفاء بإعلان رفضها ومعارضتها (الشفهية) لما يجري، وماذا بيدها أن تفعل أكثر من ذلك في مواجهة هذا التنين الهائج، المدجج بالسلاح إلى أسنانه، كما يقول الفرنسيون. إن عمل أي شيء آخر قد يقتضي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وهذا ما لم تعد تقوى عليه أي قوة أخرى في هذا العالم، فلقد عملت أمريكا، طوال سنوات عمرها، على أن تحقق ما أراده لها صانعوها الأوَّلون، وهو ما ردّده اليوم صامويل هنتغتون وغيره من المنظرين والمفكرين الأمريكيين، من ضرورة الحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي، بحيث تتمكن فعلاً من قيادة العالم، أو بالأحرى الهيمنة عليه.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بالاستغلال غير الأمثل للتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، بل هي استغلت أيضاً مشاعر الخوف الفظيع الذي خيم على رؤوس الأمريكيين، وذلك من أجل ابتزاز مواقفهم لدعم سياسات البيت الأبيض ولا سيما فيما يتعلق بسلسلة الحروب اللاشرعية التي بدأها بأفغانستان والعراق والقائمة مازالت حافلة بآخرين. فلم يعد خافياً على أحد بأن الحرب على الإرهاب لم تكن سوى الذريعة التي تختبئ وراءها الدولة الأعظم من أجل اكتمال الهيمنة، بما في ذلك منابع النفط في الخليج من خلال الواقع الذي خلقته في العراق، وهذا مما يؤدي إلى إنهاك المنافسين، ومما يؤدي كذلك إلى خلق واقع التبعية للاقتصاد المركزي) والمكائد الأمريكية قديمة في تاريخ دولة “العالم الجديد”، فهي جعلت من أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية، وهي ابتلعت، على طريقة الكابتن مورجان، الإمبراطوريات المهشمة في أوربا، وهي هدمت اليابان، وأدخلت يديها في الجيوب الأفريقية، وامتدت ذراعها إلى الفلبين وفيتنام، وهي أخيراً شهدت مصرع “الوحش” السوفياتي في بداية التسعينات، بل إنها هي التي هيأت لسقوطه وتهاويه وهي تتفرد اليوم وحدها بمصير الكوكب، فألغت العالم كله، وامتهنت “برلمان الإنسان” الذي لم يعد يستطيع أن يؤكد دلالات مسماه (الأمم المتحدة) ولم يعد هناك أبداً ما يدفع الولايات المتحدة التي إخفاء نهجها في سياسات “القوة”، فهي تقصر اهتماماتها الأولى على دعم تكنولوجيتها العسكرية التي تدفعها إلى المزيد من رعونات التأديب، التي تصل بها في النتيجة إلى كسر شوكة العالم بأسره ويدعم كل ذلك سياسات الاستعلاء القومي والثقافي التي تظهر في الغالب في شكل المزاعم المتكررة التي تحيط بفكرة موقع أمريكا من وجدان العالم من خلال إشاعة “القيم الأمريكية” التي ينبغي أن تكون قيماً للعالم كله تلك القيم التي مرت بأصعب اختبارات لها على طول تاريخ الولايات المتحدة فظاعات القتل الأمريكي داخل أمريكا، وخارج أمريكا: في أفريقيا وأوربا وآسيا، كما يستعرض الكاتب الخليجي السياسات الأمريكية الداعمة للقتل ولامتهان حقوق الإنسان، ودعم الديكتاتوريات، والقضاء حتى على الأنظمة “المنتخبة” كلما احتاج الأمر إلى ذلك، أو كلما رأى الساسة الأمريكيون أن ذلك يخدم مصالحهم. وهذا كله مما يناقض القيم الأمريكية التي تدور العجلة الدعائية اليوم بسرعة فائقة من أجل تسويقها، وجعلها غطاء لكثير من النوايا الأخرى، فقد اقترن تاريخ الولايات المتحدة — منذ التأسيس — بسمعة غير حسنة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فقد استخدم العنف والقتل بحق سكان البلاد الأصليين (الهنود) الذين قتل منهم الملايين في مذابح بشعة استخدمت فيها كل وسائل الإبادة، إبتداء من سحق القرى برمتها، وإنتهاء بنشر الطاعون وتعقير النساء. وهم لم يحصلوا على الجنسية الأمريكية إلا في العام 1924م، وفي العام 1976م فقط أقر الكونغرس للهنود الحمر بممارسة دياناتهم الخاصة بهم.
ويستعرض هو لارس شولتز (Lars Schoultz) من جامعة نورث كارولاينا بعد ذلك سجل الولايات المتحدة، بحق الأثنيات والعرقيات، وهو سجل مخزٍ. ومن ذلك العبودية البشعة التي عانى منها الأمريكيون الأفارقة، أثناء تجارة الرقيق. وهي طالت عشرات الملايين من الذين جلبوا من القارة السوداء، عن طريق الاختطاف والعنف المسلح. وقد قضى الملايين منهم أثناء المعارك، أو خلال رحلة الألم والعذاب عبر المحيط، أو تحت سياط المالكين، وقسوة أرباب العمل، حيث كانوا يعملون بالسخرة، ويعاملون كالحيوانات. وقد استمرت سياسية التمييز العنصري المعززة بالقانون، حتى أواسط الستينات من القرن العشرين، إذ ألغيت التشريعات العنصرية (مارتن لوثر كنج) في تلك المرحلة، إذ أقر الكونغرس القوانين والتشريعات التي تنهي التفرقة، وتؤكد عدالة توزيع الفرص المتساوية لجميع الأمريكيين، فتم تحريم الفصل في التعليم، والإسكان الحكومي وغيرها من أنواع الخدمات، وأتيح حق التصويت للسود، غير أن هؤلاء، في واقع الأمر، مازالوا يعانون من التمييز في الوظائف والأجور، وتعسف رجال الأمن، وتحيز القضاء. ويحصل 30% من السود الأمريكيين، و20% من الأسبان الأمريكيين، على رواتب أقل من الخط الرسمي للفقر. ويقبع في السجون الأمريكية من السود 3000 شخص من أصل كل 100.000 أسود ذكر. وما تزال “العنصرية” قضية ساخنة، ولا سيما عندما يستغل بعض السياسيين هذه القضايا، والمخاوف، ومشاعر القلق.
ويخلص الكاتب الخليجي الى القول انه نتيجة للانفتاح الشديد على مشروع “الهيمنة” أصبح عالم اليوم يلتقي كله حول مزيد من “الكراهية” لأمريكا. فالبعض يكرهها لقاء ما ترتكب، في حقه أو في حق غيره، من مظالم. والبعض يكرهها لما تتمتع به من استعلاء مقيت، ومن غطرسة وبطش. والبعض الثالث يكرهها نتيجة طغيانهاً على العالم، وغيرة من تصرفاتها، واحتجاجاً على استئثارها وحدها بتقرير مصير الكوكب، وبتحويل مؤسساته ومنظماته، فضلاً عن مفهوماته ومبادئه وقيمه، إلى شأن أمريكي بالدرجة الأولى.