23 ديسمبر، 2024 9:44 ص

الولايات المتحدة تقطع النقد عن العراق لمخاوف من إيران وداعش

الولايات المتحدة تقطع النقد عن العراق لمخاوف من إيران وداعش

مسؤولو بنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية كانوا يتخوفون من أن الدولارات سينتهي بها المطاف في الأيدي الخطأ.
أوقف بنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة والخزانة الأمريكية مؤقتا تدفق المليارات من الدولارات إلى البنك المركزي العراقي هذا الصيف، وذلك لمخاوفه المتزايدة من أن العملة قد ينتهي بها المطاف في البنوك الإيرانية، وربما يجري ضخها لمسلحي تنظيم داعش، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين وأشخاص آخرين على دارية بالمسألة.

هذه الخطوة التي لم يتم نشرها سابقا تهدف إلى وقف شحنات نقدية دفعت بالنظام المالي العراقي الى حافة الأزمة، وأشرت إلى لحظات متغيرة في الجهود الرامية إلى تفادي تدفق الدولارات إلى اعداء الولايات المتحدة.

ويلقي هذا الموقف الضوء على أحد الجوانب الهامة للمعركة طويلة الامد التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الإرهاب، ومثلما يعرب المسؤولون العسكريون الأمريكيون عن قلقهم من أن الأسلحة الأمريكية تصل إلى الأعداء، يجري المسؤولون الماليون عملية تعقب عالمي للحفاظ على الدولار من الوقوع في أيدي الأعداء الذين يمكنهم استخدامه لتمويل النشاطات الخاصة بهم.

وبعد موافقة المسؤولين العراقيين، هذا الصيف، على تشديد القيود على توزيع الدولارات الأمريكية من قبل البنك المركزي العراقي، فأن هذه الدولارات بدأت بالتدفق مرة أخرى بوجود إشراف أفضل، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين وأشخاص مطلعين على المسألة.

ومع ذلك، فإن انتشار تنظيم داعش أثار المخاوف بين المسؤولين الامريكيين حول إمكانية أن يتم استغلال شحنات العملة من قبل الارهابيين. وتسيطر هذه الجماعة السنية المتطرفة على نحو ثلث البلاد التي مزقتها الحرب، بما في ذلك الموصل التي تعد ثاني أكبر مدينة فيها، والتي يتم تموليها بالفعل بشكل جيد من تحصيل الضرائب، ومبيعات النفط ومجموعة أخرى من النشاطات.

وتعود المشكلة إلى شهر كانون الأول الماضي، عندما دعا مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة إلى لقاء سري في قاعة مؤتمرات في فندق بمدينة اسطنبول مع مسؤولين عراقيين. وقال أشخاص هناك إن الأميركيين أصيبوا بالهلع من ارتفاع حجم الدولارات التي يجري شحنها إلى العراق وعدم الوضوح حول المكان الذي ينتهي به هذا النقد.

ومنذ أن أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين وساعدت في تأسيس البنك المركزي العراقي في عام 2004، أصبح الدولار الأمريكي إلى حد كبير العملة الرئيسية في البلاد لأن الكثير من العمليات الاقتصادية تعتمد على النقد. وعندما يحتاج العراق إلى المزيد من العملة الورقية، يجري سحب المال من حساب البلاد في بنك الاحتياطي الفدرالي الذي يتم تمويله من الاحتياطيات النفطية، ويتم نقله عن طريق الجو إلى بغداد.

وكانت المبالغ المودعة في ارتفاع، حيث أنه في العام 2014 كان التدفق النقدي السنوي بالدولار الأمريكي الآتي من بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك إلى العراق بمقدار 13.66 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ 3.85 مليار دولار في عام 2012، وفقا لبيانات جمعها البرلمان العراقي واطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال.

أن هذا الارتفاع لا يتناغم مع التباطؤ الذي اصاب الاقتصاد العراقي في الآونة الأخيرة، ونتيجة لذلك أعرب مسؤولون امريكيون عن شكوكهم من ان هذه الدولارات يجري تخزينها بدلا من تعميمها.

لقد كان من الصعب معرفة ذلك على وجه اليقين، فحتى وقت قريب، إستلم مسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك من الذين يشرفون على تدفق الأموال فقط تقارير شهرية متقطعة باللغتين العربية والإنكليزية وهي عبارة عن مزيج من جداول بيانات لبرنامج إكسل ووثائق رقمية غير قابلة للاستقصاء إلى جانب بعض التقارير المطبوعة، بما في ذلك ملاحظات مكتوبة بخط اليد، بحسب مسؤولين أمريكيين وأشخاص معنيين في هذه العملية.

وفي اجتماع اسطنبول، أصر المسؤولون الامريكيون على تشديد الضوابط وتبادل المعلومات بشأن الكيفية التي يتم بها توزيع الدولارات على الشركات المالية في العراق، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين. وبدأ مسؤولو البنك المركزي العراقي، في شهر كانون الثاني، بتقاسم المزيد من المعلومات.

إن نظام توزيع الدولارات في داخل العراق يعمل وفق آلية تمكن البنوك المركزية الأجنبية من الاحتفاظ بالدولار، وباستطاعتها دعوة بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى توزيع العملة. وقد جرى نقل العملة الورقية الجديدة فئة 100 دولار عن طريق الجو إلى بغداد بعد أن تم سحبها من بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة ايست روثرفورد في نيو جيرسي. وفي بغداد، يتم نقل الأذونات إلى البنك المركزي العراقي، حيث تباع في المزادات اليومية إلى الشركات المالية العراقية التي تطلب الدولارات في مقابل الدينار، وهو عملة البلاد التي تستخدم بنطاق واسع.

وفي وقت مبكر، تركزت المخاوف الأمريكية على ما يقرب من 2000 من الشركات المالية التي تدعى بشركات الصيرفة، وهي من المشاركين النشطين في هذه المزادات.

وقال مسؤول أمريكي وشخص آخر مطلع على المسألة إن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن العديد من هذه الشركات العراقية لها صلات بتنظيم داعش، كما أن هؤلاء المسؤولين لديهم مخاوف عميقة من أن يجري استخدام شركات الصيرفة هذه كقنوات دولار تمد المجموعة المتطرفة، في حين تفقد الولايات المتحدة بشكل حتمي سيطرتها، في مرحلة ما، على الدولارات التي ترسلها إلى الخارج، وقد تم منع بنك الاحتياطي الفدرالي من إرسال النقود إلى كيانات يعرف البنك أنها ستقوم بتوزيعها على أعداء الولايات المتحدة.

وقالت المتحدثة باسم الاحتياطي الفدرالي إن “البنك يسعى إلى استيعاب حاجة البلدان الأخرى في الوصول إلى ودائعها من الدولار على هيئة أوراق نقدية أمريكية لأغراض مشروعة”. وأضافت أن “هناك عدد من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، بما فيها البنك المركزي العراقي، يحتفظون بحسابات في بنك الاحتياطي الفدرالي بنيويورك، وأحيانا يقومون بسحب العملة من حساباتهم. وفي تقديمه لهذه الخدمة، يعمل الاحتياطي الفدرالي بشكل وثيق مع وزارة الخزانة لضمان أن البنوك المركزية تلتزم بالقوانين التي تحظر التعاملات مع الأنظمة الأجنبية المفروض عليها عقوبات، إضافة إلى الإرهابيين وتجار المخدرات الدوليين. واستجابة لطلبات أكبر من المعتاد على العملة وتطور الوضع الأمني، زاد بنك الاحتياطي رقابته وسيطرته على شحنات العملة المتوجهة إلى العراق. وجرى تعليق شحنات العملة لفترة ما هذا العام، حيث عملت وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفدرالي مع البنك المركزي العراقي لتعزيز رقابتها التي كانت تمارسها في هذا المكان”.

وكان لدى بعض المسؤولين العراقيين مخاوف مماثلة في ذلك الوقت، وقالوا أيضا إن الفساد والكسب غير المشروع كانا يمثلان مشكلة لسنوات، والسؤال هنا لماذا اعتبر المسؤولين الامريكيين فقط في الأونة الأخيرة مسألة العملة قضية ملحة تحتاج إلى المعالجة. وقال مسؤولون امريكيون ان الوضع في العراق قد تطور على مدى السنوات القليلة الماضية، وأنهم منحوه المزيد من الاهتمام بما أن الطلب يرتفع على الدولار.

وخلال حزيران، أفاد مسؤولون عراقيون، يعملون في اتفاق توسيع تبادل المعلومات، لنظرائهم الأمريكيين أن ثلاثة بنوك إيرانية من تلك المفروض عليها عقوبات وهي بنك التعاون الإقليمي الإسلامي، وبنك ملي وبنك بارزيان قد حصلوا في الأقل على الملايين من الدولارات عن طريق المزاد العلني. ومثلها مثل باقي البنوك الإيرانية الأخرى، كانت هذه البنوك تعمل في ظل العقوبات الدولية، وكان من غير القانوني بالنسبة لبنك الاحتياطي الفدرالي أن يشحن عن دراية الدولارات لها.

وقال مسؤولون أمريكيون وأشخاص على علم بالمسألة إنه كان لدى المسؤولين الأمريكيين حينها مخاوف من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكن من الوصول إلى الدولارات عن طريق المزاد. ويعرب مسؤولون عراقيون عن اعتقادهم أن الأموال ذهبت بالتأكيد إلى تنظيم داعش من خلال هذه المزادات.

وقال مسؤولون عراقيون إن شركات الصيرفة في شمالي كركوك المدينة التي يسيطر عليها الكرد والتي تقع خارج سيطرة تنظيم داعش ولكنها على مقربة من خطوط المواجهة للجماعة المتطرفة، هي من بين الأماكن الأكثر نشاطا في السماح الدولار بالتدفق إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش ومسلحيه، إضافة إلى ذلك، قام هذا التنظيم في عام 2014 بسرقة نحو 100 مليون دولار من قبو يديره البنك المركزي العراقي في الموصل، بحسب شخص مطلع على السرقة.

واستنادا إلى المعلومات الجديدة، قام مسؤولون أمريكيون بإرسال طلب خطي خلال شهر تموز إلى المسؤولين العراقيين يفيد بأنه يجب عزل البنوك الإيرانية ويحال بشكل منفصل للمسؤولين العراقيين أن بنك الاحتياطي الفدرالي لن يوافق على طلبات النقد حتى يتحسن الوضع العام.

وتم تسليم القرار فقط عندما بدأ النقد بالنفاد من البنك المركزي العراقي. وأصيب الكثير من العراقيين بالذعر بعد أن تم رفض طلبات سحب كبيرة لهم، وإن سعر الصرف بدأ بالتقلب بنحو أكثر بكثير من المعتاد.

ولم يرد محافظ البنك المركزي العراقي على طلبات للتعليق على الموضوع.

وفي تموز، توجه عدد من المسؤولين الولايات المتحدة، بما فيهم دانيال كلاسر، مساعد وزير الخارجية للشؤون المتعلقة بتمويل الإرهاب في مكتب وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إلى بغداد لمناقشة الحلول الممكنة. وفي اجتماع عقد في غرفة طعام بالسفارة الأمريكية، وافق مسؤولون عراقيون بينهم محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق على تسليم رزم من البيانات إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي شاركها أيضا مع وكالات الاستخبارات الامريكية، وقاموا في وقت لاحق باستئجار شركة إرنست ويونغ وهي إحدى شركات الحسابات الأمريكية لمراقبة هذه المزادات.

وفي 6 آب، وفقط قبل أيام من إعلان البنك المركزي العراقي أنه ينفد من الدولارات، قام كل من بنك الاحتياطي الفدرالي والاحتياطي الفدرالي في نيويورك بإرسال ما يقرب من 500 مليون دولار، حيث قاما بإرسال المزيد من الدولارات في غضون أسابيع منذ ذلك الحين.

وقال كلاسر، في مقابلة، “من منظور مكافحة الإرهاب، ليس من مصلحتنا أن تكون هناك أزمة اقتصادية في العراق مستمدة من نقص الدولارات الأمريكية لديه”.

ولم يتم حل المشكلة بشكل كامل، ففي يوم 2 كانون الأول، استضافت وزارة الخزانة اجتماعا سريا في واشنطن تركز على شركات الصيرفة في العراق التي يمكن أن يكون لها صلات بتنظيم داعش، وفقا لأشخاص مطلعين على الاجتماع.

وقال واحد من هؤلاء الأشخاص إن شركتين من شركات الصيرفة هذه يملكها عراقيين لهم صلات سياسية، وإن مسؤولين أمريكيين ناقشوا السبل المثلى لإقناع المسؤولين العراقيين الآخرين لإنهاء تلك العلاقات.

ايملي كليزو من نيويورك ونور ملاس من بغداد وجون هلسنراث من واشنطن/ صحيفة وول ستريت جورنال