في اخر تصريحين، للرئيس الامريكي ترامب، قال فيهما بالمعنى؛ ان الجهل السياسي، للقادة السياسيين من الحزبين ورطوا الولايات المتحدة الامريكية في حروب ليس، لأمريكا مصلحة فيها، واتم تصريحه هذا ايضا؛ ان امريكا لسوف لن تقوم بعد الان في نشر الديمقراطية بقوة السلاح في اي مكان في العالم، وان امريكا سوف تبني علاقات وشراكات حتى مع الدول التي تختلف معها. ان السياسة الامريكية هي وفي كل الاحوال والظروف وتبدلاتهما حاليا وفي المقبل من الزمن؛ هي سياسة امبريالية ديدنها واهدافها في الاول والاخير؛ جني المغانم ومن ثم، او قبل هذا وذاك هو احكام سيطرتها على الدول في العالم وبالذات الدول متوسطة القوة والدول الضعيفة من دول العالم الثالث؛ عبر تنويع سياستها هذه حسب تطورات الظروف السياسية وتغيرات البيئة السياسية في العالم في الوقت الحاضر، وقبل سنوات؛ الذي احدثته وبروز قوى دولية كبرى منافسة لها في الساحة الدولية، لا يمكن الاستهانة بها وبقوتها سواء العسكرية او الاقتصادية او السياسية، او شراكاتها وتحالفاتها في اركان المعمورة كلها. فقد تغيرت السياسة الامريكية، ولو بدرجة غير مرئية بصورة واضحة او هي اي امريكا ارادت لها ان تكون غامضة ورمادية وغير واضحة تماما؛ حتى لا يظهر تراجعها عن موقعها الاول في العالم او النظام العالمي القائم الى الآن على القواعد والمعايير الامريكية؛ في تناقض صارخ للواقع على الارض الذي شهد مؤخرا، قبل سنوات، ولايزال في تطور مستمر وفي ديناميكية متصاعدة؛ السعي الحثيث والمنتج لإقامة عالم متعدد الاقطاب. ان من يتصور ان ترامب لا يملك رؤية سياسية؛ هو على وهم كبير لجهتين اولا، ان الرئيس الامريكي صحيح هو في الاول والاخير رجل صفقات تجارية وما إليها، الا انه من الجانب الثاني يملك رؤية سياسية واقتصادية معا؛ بالاعتماد على عددمن المستشارين المحيطيين به، مع انه ايضا شعبوي بامتياز، كما انه قومي بامتياز اكثر قوة وتصميم من اي قومي اخر على وجه البسيطة. وثانيا، ان السياسة الامريكية للجهة الاستراتيجية لا يرسمها الرئيس، بل يتم التخطيط لها ورسمها من قبل مؤسسات استراتيجية في البيت الابيض وفي وزارة الدفاع وفي الخارجية الامريكية وفي مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التي تتبع في اغلبها او كلها للشركات الامريكية، وهذه الأخيرة منها يكون اعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والرئيس ونائبه حتما، وبالانتخابات؟!. من ثم يقوم باختيار فريق عمله، وان كانوا من الحزب الذي ينتمي إليه، واحيانا، مرات قليلة، وبعدد قليل اعضاء في الحزب المنافس انتخابيا، اي اعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري. عليه، فأن السياسة الامريكية هي واحدة استراتيجيا لكنها قد تختلف حسب مرجعية الرئيس تكتيكيا التي تكون او تبني سلالم لتحقيق الاستراتيجيات. من الامثلة على ان السياسة الامريكية لا تتغير بتغير الرئيس؛ السياسة التي اتبعها ترامبفي ولايته الاولى ضد الصين، لم يقم خليفته بتغيرها جذريا ابدا، ظلت هي تماما جذريا، كما رسمها ترامب. نعود الى تصريحات الرئيس الامريكي في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة؛ عندما يقول ترامب ان قادة الحزبين كانوا قد اخطأوا في شن الحروب على الدول المستقلة وذات السيادة؛ يريد ان يبيض وجه امريكا، وان تلك الحروب؛ هي ليست حروب امريكا اهدافا وغايات، بل حروب خاطئة شنها قادة منالحزبين؛ ليقدم امريكا للعالم وكأنها دولة سلام وليست دولة امبريالية تسعى للنهب واخضاع دول العالم عبر السياسة والتجارة والاقتصاد والحروب. بينما الواقع يقول لنا ان هذه الحروب وهي حرب غزو واحتلال العراق بالدرجة الاولى وبالثانية افغانستان؛ انها ليست خطأ من الرئيس بوش الابن؛بل ان حرب غزو واحتلال العراق، هي حرب بأهداف استراتيجية، هي جزء مهم وخطير جدا من استراتيجية كونية امريكية شاملة؛ ومنها، بل في اولها واساسها هو اعادة هيكلة الدول العربية في القارة العربية؛ وهذا هو ما يحصل ومنذ سنوات وحتى الآن. ومنها ايضا؛ ما يحدث من مذابح، ومنذ اكثر من عشرين شهرا في غزة وحتى في الضفة الغربية والأخيرة بدرجة اقل كثيرا، لكنها تقع في عين طريق الاهداف هذه وتلك. ان امريكا سواء بقادتها، او برؤسائها، اوبمؤسستهاالبحثية كلها؛ ادركت او ادركوا؛ ومنذ عدة سنوات ان عالم الامس، عالم قبل عقدين، لم يعد هو العالم الذي تحكمت امريكا به وفق قواعدها ومعاييرها. ان هناك عالم يتكون بديناميكية صاعدة بهدوء وبسلاسة الى عالم جديد كليا، وهو في طور السيرورة ولا توجد قوة دولية قادرة على ايقافها ابدا. من هنا بدأت امريكا ترامب؛ انفاذا للاستراتيجيات الامريكية؛ اتخاذ سياسة قائمة على تسويات الفوضى التي خلفتها سياستها، وايجاد الحلول لها، ومن الطبيعي ان تكون هذه التسويات طبقا لمصالحها، ومصالح قاعدتها الامبريالية، الكيان الاسرائيلي،ولو بالقدر المقبول امريكيا، وبالتعاون مع القوى الدولية وبالذات مع روسيا ومع القوى الاقليمية في جوار القارة العربية، تركيا؛ في سوريا على سبيل المثال لا الحصر. لكن ومن الجانب الثاني، هناك سؤال لابد منه؛ هو هل هذه السياسة الامريكية الجديدة لها حظ من النجاح وهي، وفي اساسها تتخادم مع المصالح الامريكية الاسرائيلية؛ من المحتمل او الاكثر احتملا ان لم اقل يقنيا؛ انها لا تحقق النجاح المرجو امريكيا واسرائيليا منها. ان هذه السياسة الامريكية الجديدة تعكس وبصورة واضحة كل الوضوح؛ القراءة الامريكية الاستباقية لكل التحولات والمتغيرات في العالم في المقبل من الزمن المنظور او في الزمن القريب والقريب جدا. منها، على سبيل المثال؛ هو تنظيم العلاقة مع روسيا بدرجة اساسية، ومع الصين بدرجة اقل؛ لتنجب الاحتكاك العسكري ومنزلقاته الكارثية في مقايضات سواء وبالدرجة الملحة حاضرا؛ في ايجاد سبيل لأنهاء الحرب في اوكرانيا، وعلى حساب اوكرانيا ارضا.. وفي مناطق اخرى من العالم، ومنها دول القارة العربية، وجوارها.. ومنها ايضا التفاهم على صياغة عالم جديد قائم على تعدد الاقطاب، ولو في الظلام، بعيدا عن اضواء الاعلام والتصريحات..