تزداد مشاعر الاحباط لدى أبناء شعبنا هذه الأيام، بسبب الأوضاع الأمنية المتفجرة والهجرة المتزايدة والفشل في حلّ مشكلة الخدمات، والفساد المالي والإداري الذي اصبح يعبث في مجالات الحياة كافة. لذا أخذ اليأس يدبّ في صفوف قطاعات واسعة من المواطنين بسبب عدم توفر البديل الوطني، الأمر الذي دفع أعداداً كبيرة من المواطنين للتفتيش عن وطن بديل وهذا ما تؤكده الهجرة الواسعة للخارج في السنوات الاخيرة، وكذا الأعداد الكبيرة التي بدأت تطرق أبواب اللجوء من جديد!
لقد انتابت الجماهير الخيبة من هذه العملية السياسية الشوهاء التي بُنيت منذ مجلس الحكم سيء الصيت على أسس الطائفية السياسية والمحاصصة فأصبح الناس يخافون يومهم ويفقدون الأمل بمستقبلهم، وتحول همّ الاكثرية كيفية النجاة بأنفسهم وعوائلهم من شرّ الإرهاب وفقدان الأمن. وهذا الاحباط والخذلان شجع التيارات الظلامية للاجهاز على البلاد وتدمير مستقبل أبنائها.
ومما يحزّ بنفوس العراقيين أنّ الصراعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تتفاقم، فمجلس النواب تحوّل الى مؤسسة للمناكفات والاحتدامات أفشلت قدراته، وقد اقتربنا من نهاية الثلث الاول من السنة الحالية ولم يتمكن من إقرار الموازنة!!
وكذلك لم تسلم السلطة القضائية من محاولات تحجيمها أو زجها في الصراعات السياسية بهدف إخراجها عن غايتها الأساسية وهي إشاعة العدل وتطبيق القانون في ربوع البلاد، كما أن تراجع سلطة القانون بسبب تركيبة العملية السياسية القائمة على المحاصصة ساهم في إعادتنا الى الولاءات السائدة ما قبل نشوء الدولة الحديثة وهي (المنطقة والعشيرة والطائفة). وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية فهي في عراك دائم مع السلطات الأخرى وبخاصة مع السلطة التشريعية وأصبحت تتدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية.
أما الانتخابات التي نشهد حملاتها الدعائية هذه الأيام فإن عاملي السلطة والمال هما العنصران المقرران فيها، فمن بيده السلطة سيكون المال بيده وبالتالي فهو الأقدر على الفعل والحسم.
وبسبب هذه الاحوال الشاذة تعدّ الدولة العراقية من صنف الدول الفاشلة، وبسبب نهجها الاقصائي وسياستها المرتجلة تعاظمت النزعات المطالبة بالأقاليم والفيدراليات وغيرها.. وكذلك أصبحت الحلول انتقائية غير واقعية، فما يدور اليوم حول تشكيل حكومة أغلبية سياسية هو كلام غير واقعي! فكيف تقوم مثل هذه الحكومة في ظل عملية سياسية ترتكز على الطائفية والمحاصصة وبهذه الحالة ستتشكل من طرف قوي بيده جميع الصلاحيات وعناصر لا يمثلون مناطقهم تمثيلاً حقيقياً.
إنّ حكومة الاغلبية السياسية هي جوهر النظام البرلماني وعمادها الأحزاب السياسية التي تقوم برامجها على أسس سياسية وتمثل البلاد بأسرها ولا تقوم على أسس طائفية، وهذا المقياس ينطبق كذلك على الحزب المعارض والكتلة المعارضة، ووفق هذا المنظور سيسهل التداول السلمي للسلطة وهو ركن أساسي من أركان الديمقراطية البرلمانية.
إنّ خيار بناء دولة مدنية ديمقراطية هو خيار إستراتيجي دون شك، ولكنه خيار لا بديل عنه، وعلى هذا الأساس فإنّ المرحلة تقتضي تحالفاً واسعاً بين جميع المؤمنين بالدولة المدنية بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة والمنطقة، وهذا النهج هو المخلص من شرور التقسيم والاستبداد والإرهاب.
*الأمين العام للحركة الإشتراكية العربية