23 ديسمبر، 2024 3:53 ص

الوقت لاينتظر

الوقت لاينتظر

لاتدع فعل الصالحات إلى غد
لعل غدًا يأتي وأنت فقيد
الوقت.. هذا العنصر المحوري في حياتنا، والذي تدور كل منجزاتنا وإخفاقاتنا حول قطبه، بقوة مركزية تخضعنا لحكمه من حيث ندري ولاندري، وكم من الحكم والأمثال في تاريخنا تحثنا على عدم التفريط به، ولطالما سمعنا أقوالا مثل؛ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، أو لاتؤجل عمل اليوم الى الغد.
وعلى هذا فقد بوّب الإنسان في الدول المتحضرة، كل لحظة من يومه لخدمة نفسه والإنسانية، بالمشاركة الفاعلة في المجتمع بالعطاء والانتاج وتأدية دوره كلا حسب مامطلوب منه، وبات الاهتمام بالوقت سمة يتسم بها الإنسان الواعي والمتحضر.
في عراقنا اليوم -كما هو بالأمس- لا يولي مسؤولوه ومتقلدو المناصب الحساسة في سدته، والتي في تماس مع يوميات المواطن ومشاكله وهمومه أية أهمية للوقت، حتى وهم محصورون بين فكي ثورة الشعب وقبضة الاتهامات بالفساد، بل هم يتخذون الوقت شفيعا لتبرير التقصير والإهمال الذي أمسى خصلة أغلبهم، لاسيما في الجوانب الخدمية علاوة على الجانب الاقتصادي، وحالة أغلب شرائح الشعب في وضعهم المعيشي البائس تُعد شاهدا من أهلها، فما تنطق به بل تستصرخه زوايا الشارع العراقي، من الإهمال والتهميش المتعمدين في توفير ساستهم لقمة العيش الهنيئة، لا يُبتغى منها غير إطلاق سراح مايسرقون من خيرات البلد وثرواته، ليعود ريعها إلى مالكيها الأصليين من أبناء هذا البلد، والكل يعلم ماذا يكون نصيب المواطن إذا تم استغلال أموال البلد بالشكل الصحيح، وابتعاد القابضين على خزائته من الاستيلاء عليها. غير أن الأسف كل الأسف نرى اللامبالاة في إيلاء المواطن حقوقه الخدمية والوطنية على قدم وساق، ولم يُبقِ القائمون على مؤسسات البلد عذرا، يسوغ لهم ما أوصلوا البلد الى ماهو عليه من تدنٍ في الخدمات، حتى بات طبيعيا احتلاله المراكز المتقدمة بين دول العالم في هذا المجال. وكيف لا! ومزاج المنفذين والمستفيدين لايطيب لهم إلا برؤية السفينة وهي تغرق، وهذا قطعا بعد ملء جيوبهم وأرصدتهم وأرصدة آخرين خلف الكواليس، إذ أنهم بدورهم مرتبطون بوشائج وروابط وحبل سري واحد، مع كتل وأحزاب وشخصيات هبطت على العراق والعراقيين مع أمطار نيسان 2003 وأضحت متشبثة، بتلابيب كراسي الحكم والتحكم بمصائر البلاد وملايين العباد، وأرى أن مثلنا الشعبي ينطبق عليهم قلبا وقالبا، إذ يقول المثل: “أعمى وجلب بشباج الكاظم”. كل هذا يحدث ونحن على أبواب ولوج العام العشرين من زوال حكم الطاغية.
وبعودة إلى الحديث عن الوقت، من المفارقات أن أكثر بلد يقتني شعبه الساعات اليدوية باهظة الثمن هو العراق، أما ساحات البلد التي تم نصب ساعات فيها فهي كثر، ومعظمها عاطلة عن العمل او مهملة بلا صيانة، في الوقت الذي لو رجعنا الى القرن التاسع عشر، وعلى قدم العمران في بلد كان محتلا من قبل العثمانيين، نجد ساعة القشلة شاخصة على نهر دجلة في سراي الدولة، وكانت بغداد بأكملها تعتمد في توقيتاتها عليها.
الوقت ياسادة يامسؤولون لاينتظر، وليس بصالح أحد التفريط فيه، عدا من يريد تمرير باطل ومعيب وغير مقبول تحت جنحه، فمعلوم أن اقتناص لحظات التصيد المناسبة، يستوجب الانتظار والتضحية بكثير من الوقت، كي يضمن القانص نيل طريدته أو هدفه، غير أن ساستنا تدفعهم أنانيتهم إلى غض النظر عما في عهدتهم ومسؤوليتهم، فيتمادون في غيهم ناسين -وليس متناسين- أن (الإيده بالثلج مو مثل الإيده بالنار).
[email protected]