لقد امتازت التصريحات الدرامية التي يطلقها القادة العسكريين والسياسيين الامريكيين في الكثير من الاوقات بوقاحة متناهية تكشف عن مدى المخطط الكبيرالذي تعمل عليه من اجل التغيير الديمغرافي للمنطقة وفق خارطة جديدة والتي تعمل على اتهام الاخرين بها وخوفهم من وعي ابناء شعوبها في كشف المستور من اهداف تعمل عليها واشنطن على المدى البعيد والقريب.
لقد أيقنت شعوب الشرق الاوسط والعالم ان حروب الولايات المتحدة الامريكية قد فشلت في تحقيق اهدافها , وهذا ماجنته على نفسها ولازالت تصر على فعلها كدولة امبريالية لها مصالح استراتيجية , فمصالحها تدفعها الى ممارسة التاكتيكات القصيرة الامد لخلط الاوراق وارباك الاوضاع السياسية والأمنية في اي منطقة ترى فيها خطر على مصالحها وهذا ما يمكن ملاحظته في العراق .
فمن الامور التي لايمكن انكارها ان الادارة الامريكية جعلت من الفلوجة سكينة في خاصرة بغداد تستفاد منها في اي وقت تشاء من اجل الضغط على السياسيين لامرار خططها والملاحظ ان التحركات التي تقوم بها داعش هذه الايام جزء من تلك الارادة . وفق ما يتم العمل المشترك مع القوات الامريكية لغرض اخضاع القوى السياسية المنتفضة ضد الفساد والمحاصصة للرضوخ الى ما وضعته واشنطن وما الهجمات الاخيرة من مفخخات التي طالت العديد من مناطق العاصمة والتحرشات على محاور ابي غريب والتاجيات إلا جزء من تلك الضغوطات للنيل من اصرار القوى الخيرة على التغيير . لهذا اتجهت حيث تريد ان تجير تحرير مدينة الفلوجة لصالحها في هذا الوقت لما تحمله تلك المدينة من بعد سياسي واهمية اعلامية . بهدف ترکیع وإخضاع الشعب العراقي وبقائه تحت وصاياها کما نؤکد بأنها تسعى من خلال هذه الأعمال الإجرامیة لإحداث الفوضى وإثارة الفتنة الطائفیة بین أبناء الشعب تنفیذا لأجنداتها بالتعاون مع دول اقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا لاستهداف أمنهم واستقرارهم . والا كيف يمكن ترك الفلوجة والتي لاتبتعد عن بغداد إلا حوالي 68 كيلومتروتذهب لتحرير الموصل التي تبتعد عن العاصمة 300 كيلومتر.
ومن هنا علينا ان نفكر بالغرض .وحسب التصورات ان الانتصار في الفلوجة من قبل العراقيين تعتبرها واشنطن نهاية داعش وهذا ما لاتريده لانها سلاح بيدها تشهره متى ما ارادت و تحريرها يعتبرانجاز يحتسب للقوات العسكرية العراقية .كما ان التحركات التي يقوم بها السفیر الامریکي فی العراق ولقاءاته المستمرة مع بعض الكتل السياسية وقائد القوات العسکریة الامریکیة فی هذا البلد حيث یمارسان الضغط علی بعض القوى المرتبطة بها والجیش العراقي وحکومة حیدر العبادي والتحذير من دخول القوات المسلحة الی الفلوجة والانبار بعد العملیات التی بدأتها لتطهیر الفلوجة والتي قد اقتربت من تحقیق نتائجها لکن القيادة العسكرية الامريكية تتحرك اليوم اعلامياً للتقليل من اهمية تلك الانتصارات حيث ذكر في اخر تقرير من ان تحرير الفلوجة ليست ذات اهمية الاستراتيجية في الوقت الحاضر وهذا ما اكده المتحدث العسكري الأميركي الكولونيل وارن الجمعة 13 أيار ـ مايو 2016 ((و أشار إلى أن دحر الجهاديين من الفلوجة لا يرتدي أهمية عسكرية حاليا لأن الأولوية هي لدحرهم في الموصل كبرى مدن شمال العراق. وقال “ليس هناك أي سبب عسكري” يدفع القوات العراقية لتحرير الفلوجة قبل أن تحرر الموصل )).
ومن جهته قام قائد القوات العسکریة الامریکیة المستقرة فی غربي العراق بممارسة الضغط و مهددا بأن الجیش الامریکی سیشن غارات علی مناطق الاشتباکات بین القوتين اذا ماحصل الاشتباك بيهنما وهذا ما يعتبر تهدیدا ضمنیا بالتدخل العسکری الامریکی لصالح داعش . كما ان القوات الامريكية في الكثير من الاوقات قد تدخلت مرارا لصالح تنظیم داعش فی المعارک الجاریة بالعراق والقت السلاح والعتاد جوا علی اماکن وجود داعش لمساعدتها علی کسر الحصار الذی کانت القوات العراقیة المشتركة تفرضه علی عناصرها فی عدة مناطق کما ان القوات الامریکیة قد تغاضت عن قیام عصابات داعش بتنظیم استعراض عسکری ضخم بالقرب من محل استقرار الوحدات الامریکیة فی غرب العراق .
. وفي مثل هذه الأجواء وانعكاساتها المباشرة على الناس، وتعمق مظاهر الأزمة العامة في البلد بجوانبها المتعددة وسوء الأوضاع السياسية والامنية فكيف نستطيع من ان نتأمل من المرحلة التي نعيشها الان كي تكون نجادة الغريق من وحل الارادات البائسة . حاجة العراق الى “ثورة (سياسية – دبلوماسية) لانتزاع القرار العراقي الذي ضاع بين امريكا والدول المتحالفة معها التي تنفذ اجندتها العميلة باستخدام شخوص سياسية تعمل في قلب العملية السياسية ، . كما ان الفوضى وغياب وضعف دور الدولة ومؤسساتها وتنامي الفكر المعادي للحقوق الوطنية وتقرير المصير واستقلال القرار ونمو التطرف والارهاب بكل اشكاله هو جانب اخر من الامر .
ولكن الامل ان هناك ثلة سياسية خيرة متمثلة بالنواب المعتصمين اللذين خرجوا لمقاومة القرار الامريكي ومنع المحاصصة اذا بقوا يمارسون دورهم في التغيير قد تقلب الموازين . إلا فإننا لا نرى إمكانية للخروج من عنق الزجاجة وفتح فضاءات أمام حلول جذرية للازمة المتفاقمة المفتوحة على كافة الاحتمالات والصعد إلا بالصبر والحكمة حتى يأتي الفرج العاجل وتزول هذه الغمة عن هذه الامة. ان بنيان العملية السياسية متعثرة وراكدة بسبب البيت العنكبوتي الذي اسس عليه من المحاصصة الحزبية والمذهبية والاثنية وكثرة الثغرات والضعف في القرارات التي تعيق العمل ولا تفي بألغرض المطلوب من اجل استكمال بناء الدولة والعملية السياسية وعزائنا ان يكون سبباً في بناء اساس الدولة الهشة وسيبقى الحال هكذا الى ان يتطور الحراك والمساجلات الى الاسوء. ولا احد يتوقع ان تكون الفترة المتبقية هي فترة بناء لابل على احسن حال ستكون فترة ركود والمراوحة وتزداد المزايدات السياسية التي سوف تخل ببنيان الحكومة والبرلمان العنكبوتي ولاتساعد على انتشال العملية السياسية من مأزقها العميق والارتقاء بها او بالأحرى تهيئتها لمرحلة قادمة لن تكون اكثر صلابةً مما نحو فيه الأن ، لفقدان عوامل الرجاء في البعض من السياسيين والبرلمانيين المنتفعين مع الاسف الشديد .