الكل يعرف أن الحس المدني الفعال في الأمة هو النواة المحورية التي تستقيم عليها الدولة إنه مثابة الخلية الأسرية التي تكمل بعضها البعض إذا صَلُحَتْ. فبناء هذا الصرح العتيد المشيد من سلوك الأفراد و تعاملهم في حياتهم اليومية يزيد في ترسيخ صلابة الدولة العصرية و تطورها و استقرارها.
إن ما جاء به دستور ألفين و عشرين في مادته 213 المتعلقة بإنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني كهيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية بتقديم آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني، له دلالة في هذا الوقت بالذات و فرصة سامحة إن أخذت من جانبها الإيجابي و لعل الظرف مواتي لما يمليه التوجه في البلاد و ما يتطلع إليه المجتمع الجزائري لبناء دولة عصرية. فهذه الوثيقة الأساسية (أي الدستور) لها الفضل في ما استنبطته لتأسيس مشروع مجتمع للأمة وتجسيد المواطنة الفعالة. فإنشاء هذا الصرح و غيره من مؤسسات الدستورية يكمل ويساعد على تجسيد المرحلة و طموح المواطن و يعتبر من تطلعات الرؤية الحكيمة لبناء المجتمع الجزائري على أسس الطمأنينة في معيشة الحياة الكريمة للمواطن.
و من هنا في اعتقادي ينبغي أن نعمل كلنا من أجل تحقيق هذه رؤية الشاملة التي ترمي إلى نوع من الإجماع في بناء جسر مسلح يتكون من التنسيق بين المؤسسات الدستورية المحدثة و السلطة التنفيذية و بإشراك المواطن النزيه. فالاختيار أو إعادة النظر في قيادة المرصد يتطلب على هذا الأخير وضع برنامج يهدف إلى:
– هيكلة الخلية في المقام الأول من المجتمع المدني مختارة من المواطنين الذين يعتبرون العين الحقيقية الساهرة ليلا و نهارا و بكل مكان و زمان على ما يجري في محيطهم و بإبداء رأيهم بأسلوب يدخل في إطار ما تمله المنطقة و الشرع و القانون.
– التنسيق مع المصالح المحلية المتمثلة في الهيئة التنفيذية و الهيئات من المجلس الأعلى للشباب و وسيط الجمهورية و خلية الإصغاء بالولايات و غيرها نظرا لما تزود السادة الولاة من صلاحيات في اجتماعهم مع السيد الرئيس لتوحيد متطلبات المنطقة على أساس تشاوري جماعي و تنسيقي لرفع الانشغالات أو الآراء في وقتها المطلوب.
إن المبادرات العفوية و التلقائية صادرة من طرف المواطن البسيط التي نراها يوميا من هنا و هناك في كل المجلات (تنظيف و تزيين المحيط – الإبداع في مبادرات شبانية في مشاريع و حتى مصانع كبرى و غيرها ) تتطلب التكفل بها في إطار رسمي و توجيهها لأنها تعكس رغبة المواطن و الثقة في السلطة من أجل بناء الدولة المتطورة.
و من هذا المنظور يستوجب على المرصد أن يسعى جاهدا لإيجاد برامج و سبل من أجل إرساء حس مدني حسن واعي و متطلع و كفئ لمعالجة الانشغالات المطروحة.
الم ــــــــــ ادة 2١٣ : المرصد الوطني للمجتمع المدني هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية. يقدم المرصد آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني. يساهم المرصد في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة ويشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية. يحدد رئيس الجمهورية تشكيلة المرصد ومهامه الأخرى
وخلال مراسم استلام وتسليم المهام التي جرت بحضور إطارات وموظفي المرصد, عبر السيد بن براهم عن “عرفانه لرئيس الجمهورية على الثقة التي وضعها في شخصه لقيادة هذا المرصد”, مبرزا “الديناميكية التي تعرفها الجزائر ومساعي إشراك المجتمع المدني, ومن خلاله الجمهور العام, في تجسيد المواطنة الفعالة”.
وفي هذا الإطار, أكد أنه يملك تصورا ورؤية استراتيجية سيعرضها خلال اجتماع مجلس المرصد خلال الأيام القادمة, بهدف “الإسراع في إطلاق رؤية تعتمد على استشارة وطنية مفتوحة عن طريق وسائل الإعلام والانترنت, ترتكز على 5 محاور أساسية ستبنى عليها استراتيجية المرصد, والتي تتضمن بناء قدرات وتدريب وتكوين قادة المجتمع المدني على المستوى الوطني لجعله شريكا أساسيا في الحكم الراشد, وتمكينهم ضمن مقاربة جديدة من الأدوات لإدارة وتسيير المشاريع وتمويلها إلى جانب العمل الاقليمي والدولي وتوظيف الخبرات والكفاءات الجزائرية بالخارج”.
وبالمناسبة, نوه الرئيس الجديد للمرصد الوطني ب”الجهود الكبيرة” التي بذلها السيد حمزاوي وكل إطارات وموظفي المرصد خلال السنة الماضية.
كما أبرز أهمية “فتح قنوات الحوار والتشاور مع جميع فعاليات المجتمع المدني بخصوص عدة مسائل أبرزها قانون الجمعيات, إلى جانب العمل التطوعي والتوعوي للارتقاء بالمواطنة الفعالة كعنصر أساسي في الحياة الاجتماعية”.
وفي ختام كلمته, أكد السيد بن براهم أن التوجه خلال المرحلة القادمة “سيكون مبنيا على الحوار والبحث عن الكفاءات والنخب”, داعيا الخبراء والفاعلين خصوصا الشباب منهم إلى “المشاركة في هذه الاستشارة الوطنية التي ستمثل فرصة للارتقاء بالمجتمع المدني وتعزيز دوره”.
يذكر أن الوزير الأول, السيد أيمن بن عبد الرحمان, كان قد أشرف باسم رئيس الجمهورية, قبل يومين, على تنصيب السيد نور الدين بن براهم رئيسا للمرصد الوطني للمجتمع المدني.