23 ديسمبر، 2024 10:53 ص

الوعي المشوه.. الأسباب والنتائج

الوعي المشوه.. الأسباب والنتائج

يمثل البعد السياسي جانباً مهماً في حركة الأمة نحو الإستقلال والرفاهية الاجتماعية.. وتكاد تلك الأهمية أن تفوق ماعليه بقية الأبعاد كالاقتصادي والثقافي وغيرها.
عاش العراقيون تجارباً مريرةً مع الحال السياسي المتقلب، الأمر الذي إنعكسَ سلباً على التعاطي مع الأحداث لدرجة عدم الإلتفات للحظة الزمنية التي يتوجب عليهم ولوج هذا المعترك بلحاظ الظروف الموضوعية التي تحيطها.
إن معايشة الواقع السياسي ومردوداته السلبية فرضت على الأمة الإكتفاء بدور المراقب دون ان تأخذ فرصتها، سواء كان ذلك الواقع يسارياً أم قومياً أو ما يُنْسَبْ لبقايا الديموقراطية الغربية التي تعتمد العمل بالوكالة للدوائر الاستعمارية ذات التأثير في المشهد.
أحياناً تُطرَح بعض التساؤلات حول دور المؤسسة الإسلاميةفي صناعة وعي يستوعب فهم حاجات الأمة ويلبي متطلبات الواقع، وبنفس الوقت يساهم في إنتشال الجماهير من مستنقع اليأس واللامبالاة..
بنظرة بسيطة للواقع نجد إن الحالة الإسلامية العراقية كانت هدفاً للأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد، بمختلف مسمياتها وعناوينها وهو إجابة وافية على التساؤلات آنفة الذكر.
إن استهداف الحركة ذات البعد الإسلامي يهدف لوأد اي فعالية تتحرك بإتجاه التأسيس، لتجمعٍ معبرٍعن تطلعات غالبية أبناء الشعب، والوقوف بوجه تعبئة الأمة بغض النظر عن إمكانياتها وماتدخره من مستلزمات صناعة وعيها.
من يطلع على علاقة الأوساط الجماهيرية وكيفية تعاطيها مع الواقع السياسي، ويقارن ذلك مع ما كانت عليه في بدايات تأسيس الوعي الإسلامي، سيصاب بصدمةجراء سطحية الفهم السائد اليوم وعدم الإكتراث لضياع المكتسبات وكأنها رغبة واصراراً على العودة لمنهج العزلة عن الواقع السياسي الذي كانت عليه الأمة لقرون طويلة!
إن التمييز الطائفي الذي مورس ضد أغلبية الشعب العراقي من قبل الأنظمة السابقة، تسبب بعزلة شاملة عن الحياة السياسية وبالرغم من طول المدة لم تشهد الأمة نهضة شاملة في مستوى إدراكها للواقع، حتى وصل التهميش والإقصاء ذروته بعد وصول عصابة البعث لسدة الحكم، والتي اتاحت لعناصرها إستباحة كل شيء بأساليب غريبة وشاذة.
كان بالإمكان تدارك هذا الخطر والحيلولة دون حصول أبشع المجازر، لولا حالة الإنكفاء والعزوف الشعبي عن دخول المعترك السياسي لدى شبابنا.
مساهمة الشعب في رسم المشهد ستجنب البلاد كثيراً من الإخفاقات، وهو مايتحمله الكتاب والمثقفون والعلماء، حيث تقع عليهم مسؤولية توجيه الناس بالإتجاه الصحيح.
من عوامل إبتعاد الأمة عن المشاركة في الهم والمسوؤلية السياسية، هو إختلافها حول هوية المحورأو المرتكز القادر على إستيعاب جميع التوجهات الفكرية والثقافية والذي يستحق أن تكون أفكاره مسنودةً من قبل الجماهير، فالأمة التي لا تستند حركتها على محور قوي وثابت يصعب عليها تحقيق أهدافها.
لابد من تشخيص المحور الذي يمتلك القدرة على التعامل مع الوجود الجماهيري ذي الأتجاهات المختلفة والتيارات المتعددة، شريطة أن يكون الشعب راعياً لحركته ومسانداً له في تفكيك المفاهيم والحقائق.
إن إعتماد البعد العاطفي والحالة الإنفعالية، لا يكفي لتشخيص علاجات الواقع فلابد من معرفة مناهجه وتحليل أحداثه برؤية إسلامية وطنية .
غياب تلك العوامل أوفقدان أحدها من شأنه أن يحد من قدرة الامة على مواجهة التطورات المستقبلية، وهو ما لمسناه من تعاطي بعض فئات المجتمع مع الحالة خصوصاً بعد مرحلة داعش وكيف إنقلبت موازين الوعي أمام أول مواجهة على الساحة الفكرية، بالرغم من الجهود التي بذلت على مدى عقود لتأسيس حالة من الفهم الصحيح للواقع والتعبئة التي اخذت وقتاً طويلاً لصناعة وعي حقيقي يعبر عن تطلعات الأمة.
تلوح في الأفق بوادر إنتكاسة ناشئة عن خلل في كيفية الإعداد للمواجهة.
الأمة اليوم مطالبة أكثر من ما مضى بتحليل سياسي دقيق للواقع وإستشعار الخطر المجدق بالبلاد، ولايمكن تشخيص مصلحة البلاد بدون فهم دقيق للواقع الذي تمتاز به المرجعية الدينية.. فهي بالرغم مما تعرضت له من حملات دعائية ظالمة، نجدها تحمل وعياً مميزاً وفهماً دقيقا وعميقا واضحاً لمجريات الأحداث.
حينها سيكون البلد بمنأى عن الضربات الإستباقية بعد أن أصبحنا نلملم الأطراف تحسباً للمواجهة وربما سنخسر الجولةبعد أن فقدنا اشياء كثيرة سنكون بدونها غير قادرين على مواجهة التحديات بالشكل المناسب.