23 ديسمبر، 2024 3:10 ص

الوعي العميق للبشرية: بارومتر لقياس حجم الظلم

الوعي العميق للبشرية: بارومتر لقياس حجم الظلم

إن تجذير وترسيخ الوعي الجمعي العميق للبشرية، بأسباب الظلم وانعدام العدالة؛ ستنتج منه مصابيح إنارة للغرف المظلمة التي تجري فيها؛ صناعة القرارات المجحفة بحق دول وشعوبها، عن طريق استغلالها وسلب إرادتها من قبل القوى الدولية الكبرى، بأساليب وطرق ملتوية؛ ظاهرها لمصلحة الدول وشعوبها، وباطنها بالضد تماما. وفي ظل أجواء اشتداد الصراع بين القوى الكبرى، والميل الشديد والمنتج لهذه القوى؛ في استخدام الاقتصاد والتجارة والمال في هذا الصراع، أكثر كثيرا، إن لم أقل بعيدا جدا؛ من استخدام فوهات المدافع، وأقصد هنا صراع القوى الكبرى حصريا، وليس حروب الوكلاء؛ يصبح من الصعب جدا؛ إعادة إنتاج ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي في النظام العالمي الآخذ في التشكل، ولو بعد سنوات قليلة أو كثيرة؛ تحددها مجريات الصراع ومساحاته وآفاق تطوره وطرقه، التي تقود إلى وضع أختام النهاية له؛ بتشكيل نظام دولي جديد.
إن الدول الكبرى، على سبيل المثال؛ الصين وروسيا واليابان والبرازيل والهند، وألمانيا وفرنسا، وربما غير هذه الدول؛ ليس من مصلحتها؛ إعادة تدوير قواعد ومعايير القانون الدولي المعمول بها حاليا في الهيئة الأممية ومجلس أمنها، وأقصد حق النقض، من مصلحة هذه الدول أن تصاغ قواعد ومعايير القانون الدولي بطريقة ديمقراطية، عند البحث في تشكيل النظام الدولي، الآخذ في التشكل بعد زمن ما.
إن الحرب في أوكرانيا، مهما تكن نتائجها؛ فإنها ستكون واحدة من أهم قواعد الدفع نحو نظام عالمي جديد، والمتابع والمراقب لهذه الحرب؛ يرى أن الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية؛ تجنب الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، رغم أن هذه الحرب وما سوف تأتي به من نتائج تؤثر تأثيرا كبيرا في حلف الناتو وفي أمريكا على وجه التحديد، أي في الزعامة الأمريكية على العالم، من الجانب الثاني؛ استخدم الحلف، الحرب الاقتصادية ضد روسيا بالدرجة الأولى وتحاشى أن يدخل بطريقة مباشرة، بقوته العسكرية فيها، باستثناء إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا وفي هذه أيضا؛ ابتعد أو رفض إرسال أسلحة استراتيجية حتى الآن. إن صراع القوى الكبرى حول إعادة صياغة النظام الدولي؛ ربما سيستمر لعدة سنوات محفوفة بمخاطر الانزلاق نحو الهاوية؛ لخطأ سواء كان في التقدير، أو الاستهانة غير المحسوبة بدقة وعلمية وحرفية؛ لرد الجانب المقابل في الصراع، حين يكون فعل الخصم للخصم المقابل؛ يؤدي إلى كسر الإرادة بجانبيها العسكري والسياسي، بما يفتح الطريق لهزيمة الجانب المقابل، ما يؤدي حكما إلى أن الخصم المقابل سيستخدم قوته الضاربة؛ لإيقاف الانحدار نحو الهزيمة، أو خطأ غير مقصود، لم يتم استيعابه أو احتواؤه بسرعة.. إن العالم الآخذ بالتشكل، ربما يكون على الشكل التالي..
* العالم سيشهد صراعا اقتصاديا، بصورة أكثر حدة مما هو عليه في الوقت الحاضر بين القوى الاقتصادية الكبرى، توسعا في حركتها الاقتصادية، على حساب الخصم الذي يقوم بالفعل ذاته، هذا من جانب، أما من الجانب الثاني؛ فإن الصراع سيأخذ كما هو ظاهر في الوقت الحاضر؛ شكل التكتلات الاقتصادية والتجارية والمالية؛ وتوسعها في عدد من الدول ومساحة التأثير والفعل والحركة على جميع الصعد..
*هذه التكتلات الاقتصادية سيتم دعمها عسكريا ومخابراتيا من قبل القطب المؤسس لها من إحدى القوى العظمى أو أكثر؛ حتى لا تتعرض للاختراق من الخصم، كتغيير الأنظمة بطريقة ما، أو إيجاد حركة معارضة لها، يتم تنشيطها من داخلها، بدورها هذه الأنظمة ستتصدى لها، ما يفتح الباب للتدخل العسكري بطريقة أو بأخرى، وهنا يأتي دور الحليف أو الشريك الاقتصادي من إحدى القوى الكبرى لمنع هذا التدخل..
*سباق التسلح بين القوى الدولية العظمى؛ سيشتد إواره في المستقبل أكثر مما هو عليه حاليا، كي تضمن الغلبة أولا، وثانيا كي تكون صمام أمان، يجعل منها قطبا مغناطيسيا لجذب شراكات الدول الأخرى، التي لا تتمتع بالقوة والقدرة ذاتها، بالإضافة إلى قوة الاقتصاد والمال والتجارة والتكنولوجيا المتقدمة.
* الحرب في أوكرانيا، ربما؛ لا تنتهي في وقت قريب هذا أولا، وثانيا أن نتائجها سوف ترسم معالم وشكل النظام الدولي الآخذ في التشكل، سلبا أو إيجابا. إن الحرب في أوكرانيا، حرب مصير لروسيا وأمريكا. إذا ما هزمت روسيا، أو لم تحقق أهدافها من غزوها لأوكرانيا، وهذا أمر مستبعد جدا، إن لم أقل أمرا مستحيلا؛ ستهمش أو لا يكون لها صوت قوي ومنتج في رسم الصورة لمعالم النظام العالمي الجديد. عليه فإن روسيا لن تقبل بالهزيمة، أو لن تقبل بعدم تحقيق أهدافها من الغزو. في حالة شعرت القيادة الروسية، أو روسيا بوتين بأنها تقترب من حافة الهزيمة؛ ستلجأ أو تهدد جديا بالسلاح النووي. هذا ما يفسر لنا؛ التلويح به في ثنايا تصريحات المسؤولين الروس من قبل أعلى هرم في القيادة الروسية.
*شكل أو صورة العالم مستقبلا؛ ستلعب دورا كبيرا فيه، أو رسم صورته؛ أولا ثورة المعلومات والاتصالات، وفعلها في تدفق المعلومات سواء المقروءة أو الصورية على مدار الدقيقة، إن لم أقل الثانية؛ لتساهم مساهمة كلية في تعميق الوعي الإنساني، والدفع به ليكون ظاهرة عامة في متناول كل البشر في أركان الكرة الأرضية؛ يتحسسون فيه الظلم الذي يقع على شعب ما، في مكان ما، هذه الثورة وما تنتجه من وعي عميق ستجعل من الصعوبة استمرار أنظمة ديكتاتورية في الحكم على هذه الطريقة، حتى في ظل الرفاهية الاقتصادية، هذا يجعلها إما ان تتعرض للانهيار والسقوط بإرادة الناس الذين يطمحون إلى الحرية؛ سواء الحرية الفردية في قول ما يفكر الإنسان فيه، بلا خوف من سلطة الحاكم، أو في اختيار من يمثله في هذه السلطة أو نوع الحكومة.. أما الانقلابات العسكرية للسيطرة على الحكم؛ اعتقد أنها، ربما، ستختفي، حتى إن ظهرت فإنها ستكون على أساس فرية البرنامج الديمقراطي، لإزاحة الفاسدين، كما حصل في مصر وفي تونس..
*القوى العالمية الكبرى، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليس من مصلحتها إعادة تدوير ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي، للأسباب التالية:
إن جميع القوى الكبرى، ليس في قدرتها وإمكانياتها العسكرية؛ الانتشار العسكري في أمكنة خارج حدودها الجغرافية، بسبب كلفتها التي لا تفي بها مواردها، سواء العسكرية أو الاقتصادية وما له علاقة بهما، أو أنها لم تضع في خططها المستقبلية؛ الانتشار العسكري في أمكنة أخرى؛ لحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية والمالية، بل إنها تؤسس لهذه الحماية في صلب مشروعها الاقتصادي والتجاري والمالي؛ على قاعدة ومعايير المنفعة المتبادلة، التي تصب في النهاية؛ لصالح انتشارها وتغللها في كوكب الارض، والمقصود الحصري هنا؛ هي الصين.
حسب هذا التحليل؛ فإن القوى الكبرى، لا تحتاج إلى ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي، بل تحتاج إلى أن يتحول إلى منصة دولية ديمقراطية؛ ليلعب دورا منتجا لصالح هذه القوى ولحلفائها، أو الأصح لشركائها من دول العالم الثالث، والدول متوسطة القوة والقدرة.. إن التطور الهائل والمذهل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ الذي جعل من تدفق المعلومة بسرعة مذهلة، أي أنها تصل إلى جميع البشر في المعمورة في جزء الثانية، كما أن طمسها أو إخفاءها لم يعد ممكنا، وحتى تغييرها بما يخفي حقيقتها صار أمراً صعباً، وسيكون مستحيلا في ظل التطورات المقبلة.. ما يقود حكما إلى تعميق وعي البشر في كل مكان بما يجري في كل مكان؛ بما ينتج أو يفضي إلى تكوين كتلة بشرية، وبالذات داخل الدول الكبرى؛ رافضه؛ لأي ظلم يقع على البشر في مكان ما من كوكبنا. هذه الافتراضات لا يمكن أن تحصل، أو تتحول إلى واقع على الأرض خلال سنوات قليلة، بل إنها، ربما، تستغرق عدة سنوات محفوفة، كما بينت، بالمخاطر الجمة. إن أمريكا حتى إن تراجعت، أو لم تعد تتحكم بمصائر دول العالم، لكنها في المقابل ستظل دولة عظمى لها القدرة والإمكانية في مد نفوذها وتوسعته وتأسيس عدة شراكات في ظل التنافس بينها وبين القوى الكبرى، القول بأن امريكا ستضعف أو تتفكك؛ قول لا تدعمه حقائق معطيات الواقع الموضوعي. ان هذا الواقع الافتراضي المستقبلي؛ سيدعم شعوب الأرض التي ترنو إلى الحرية والحياة الكريمة والتنمية في ظل أنظمة ديمقراطية حقيقية تحترم ارادة شعوبها، عندما تحسن هذه الشعوب وقواها الحية في فرض إرادة التغيير على السلطة والحاكم.