23 ديسمبر، 2024 11:18 ص

الوعي السياسي

الوعي السياسي

لا يعد إشراك الجماعات المهمشة في العملية السياسية  أمرا سهلا. فالفقر و التمييز و الكراهية قد يولد عندهم الشعور بالعجز و التخاذل و كذلك الإحباط و الغضب الذي يمكن أن يزيد من اليأس و العدائية. و مما يعزز هذا الشعور ان المجتمع يميل إلي “توجيه اللوم للضحية” بينما تميل “الضحية” إلي جعل الظلم الاجتماعي جزءاً من شخصيته. فعلي سبيل المثال، يؤمن الكثير من المواطنين الذين هم تحت خط الفقر انهم مسؤولون عن فقرهم بسبب جهلهم، بينما يتهمهم الأخرون بالكسل وعدم الانضباط. وفي واقع الأمر، فإنهم عادة ما يعملون لساعات طويلة مقابل أجور ضعيفة للغاية. ولذلك فإن ما يبدو ظاهريا حالة من الخضوع والإذعان قد يكون هو الخيار الوحيد أمام الأفراد حتي يستطيعوا مقاومة الأثار النفسية للخضوع و الذل. إذن، ما الذي يحتاجه الأمر لمساعدة المواطنين علي الفهم و التصرف لمواجهة الظلم الذي يتعرضون له في حياتهم؟ نحن في حاجة إلي اختصاصات مختلفة و لكن هناك اختصاص أساسي يتعلق بالوعي السياسي، الذي يساعد بأسلوب خاص لرؤية المجتمع  و الاهتمام به و القيام بدور فيه، يقوم علي فهم للحقوق و العدالة و إدراك للسلطة و تشخيص الظلم القائم في النظم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و كذلك في العلاقات و القيم. وان للوعي أربع نواع :-
1-      الوعي السحري:                                                               
يقوم الافراد في تلك المرحلة بتفسير الأحداث والقوي التي تشكل نوعية  حياتهم  بلغة الأساطير أو الخرافات أو السحر، و يميل الأفراد إلي ان يكونوا أشخاصا قدريين حيث يترجمون بطريقة سلبية كل ما يحدث لهم علي أنه من صنع القدر أو “مشيئة الله”. و عادة لا يتوجهون باللوم لأي شخص فيما يتعرضون له من صعاب أو أشكال للظلم و لكنهم يتحملونها و يعتبرونها من حقائق الحياة التي لا يستطيعون (و لا يجب عليهم) أن يغيروها . و علي الرغم من انهم يعانون من مشاكل ضخمة مثل ضعف الحالة الصحية و الفقر و نقص فرص العمل و  غيرها،  و مع ذلك يعتمدون علي أصحاب السلطة و الرأي و يخافونهم و يعملون جاهدين لإسعادهم. هؤلاء الأفراد يمتثلون للصورة التي رسمها لهم أصحاب المناصب العليا و يعتبرون انفسهم أقل منزلة منهم حيث لا يستطيعون اكتساب المهارات التي يملكها هؤلاء الأشخاص الذين يؤمنون انهم أفضل منهم.
2-      الوعي الساذج:                                                                                                                               
يعاني الشخص الساذج من قصور في الفهم. و في تلك المرحلة لا يتقبل الأفراد المصاعب بشكل سلبي كما في المرحلة السابقة و لكنهم يحاولون التكيف لتحقيق أقصي استفادة من الوضع الذي وجدوا انفسهم فيه، و في الوقت ذاته يواصلون تقبل القيم والقواعد والنظام الاجتماعي الذي وضعه أصحاب السلطة ( المسؤولين السياسيين ، السلطات المختلفة الخ…) بل انهم يحاولون محاكاة أصحاب السلطة بقدر الإمكان.. و في الوقت ذاته يميلون إلي رفض أو احتقار تقاليد و مبادئ أبناء شعبهم . كما أنهم ، مثلهم مثل أصحاب السلطة، يرجعون مصاعب الفقراء إلي جهلهم أو “افتقارهم للطموح” و لا يقومون بأي محاولة لدراسة النظام الاجتماعي دراسة نقدية  او العمل علي تغييره.

3-      الوعي النقدي:
عندما يبدأ الأفراد في تحقيق الوعي النقدي، فإنهم يمعنون النظر أكثر من ذي قبل في أسباب الفقر و غيرها من المشاكل الإنسانية و يحاولون تفسير الأشياء معتمدين علي الملاحظة و المنطق اكثر من اعتمادهم علي الأساطير و السحر. و يبدأ الأفراد التشكيك في صحة القيم و القواعد و التوقعات التي ينقلها إليهم أصحاب السلطة، و يكتشفون أن النظام الاجتماعي- لا الأفراد- هو المسؤول عن الظلم و عدم المساواة و المعاناة و يدركون أن هذا النظام قد وضع لخدمة قلة قليلة علي حساب الكثيرين و في الوقت ذاته يؤمنون بأن هناك بعض العوامل التي تجعل أصحاب السلطة أيضا ضعفاء و كذلك مجردين من الصفات الإنسانية بسبب هذا النظام.

4-      الوعي المتعصب:                                               
قصد بالتعصب أقصي درجات فقدان الصواب .و يرفض الشخص ( أو الأشخاص أو المجموعة) صاحب الوعي المتعصب أصحاب السلطة و كل ما يمثلونه رفضا تاما دون أن يفرق بين الصالح و الفاسد، و في الوقت ذاته عادة ما يعود إلي اعتناق العادات و الملابس و المبادئ التقليدية و لكن بشكل مبالغ فيه. و بينما يكون منظور الأفراد من ذوي الوعي النقدي منظورا إيجابيا بشكل عام، فإن منظور المتعصبين يكون غالبا ذا طابع تدميري، حيث تميل أراءهم إلي الصلابة لا المرونة .و عادة ما تكون تصرفاتهم نتاجا للكراهية لا التفهم، و بدلا من التعلم و التواصل مع الأخرين علي قدم المساواة ، فإنهم يميلون إلي إعادة التعاليم المتطرفة التي وضعها قادتهم ذوي الشعبية الطاغية و ذوي السطوة في نفس الوقت. و لا يشترك المتعصبون مع أصحاب الوعي النقدي في نقد الذات أو التفكير المستقل، و لكن يكونون أسرى لأفكار قادتهم المتعطشين للسلطة.  بصورة أو بأخري، يظل هؤلاء الأفراد عبيدا و نتاجا للنظام الاجتماعي الذي يثورون ضده. ولكن إذا نجحوا في الإطاحة بالنظام الاجتماعي ، فإن النظام الجديد الذي يضعونه قد يكون في بعض النواحي صارما و ظالما كالنظام القديم.

” في واقع الأمر، لا يوجد إنسان يتنمى لمرحلة معينة انتماءً تاما. فالكثير منا يكون قدريا بشأن بعض الأشياء و ساذجا بشأن أشياء أخري و ان يكون له  وعي نقدي بأشياء اخري و في أوقات اخري يكون علي درجة قليلة من التعصب”. . وذلك اصبح الوعي النقدي حاجة ملحة للمجتمع العراقي بدون استثناء من الشمال الى الجنوب من الشرق الى الغرب خلال الشهور الأربعة القادمة ، حتى نستطيع ان نحدد اخطاء الفترة الماضية، ففي الفترة الماضية تم انفاق اكثر من 1000 مليار دولار لفترة من بعد التغيير الى يوما هذا حسب التقارير المختصة ، المرحلة الماضية تعني قتل وجرح اكثر من 100 مواطن يوميا ، المرحلة الماضية تعني توقف العمل بالدستور ، المرحلة الماضية تعني عدم العدالة في تطبيق القانون ،المرحلة الماضية تعني ارتفاع نسبة التفكك الاسري بسبب الفقر والطلاق ، الفترة الماضية تعني اكثر من 5 مليون مواطن تحت خط الفقر ، المرحلة الماضية تعني تصدر العراق لقائمة الدول اكثر فساد في العالم ، المرحلة السابقة تعني قياس العراق بالصومال وجزر القمر  ، المرحلة الماضية تعني ظلم ، بكاء ، الم ، جوع ، برد ، حر ، موت ، عوق ، ايتام ، مطلقات ، مرض ، قهر ، ووو…….
 نعم…. ان امتلاك المواطن  للوعي النقدي هو السبيل  الوحيد لعلاج الآفات الخطيرة التي يعاني منها  المجتمع (الأغنياء  و الفقراء )علي حد سواء ، يتمثل في التغيير للمعايير و الإجراءات التي ستحكم المجتمع لفترة اربع سنوات قادمة  بعد الانتخابات ، مبتدئين من تقييم البرامج الانتخابية بين الواقعية والطموح واليات وطرق  تنفيذ البرنامج ، ثم تقيم المرشحين فمنهم من شغل منصب وزير ولم ينجح، ثم اصبح نائب لم يفلح ، واليوم نجده رئيس قائمة ، فعلينا اليوم  ان نسئل كل مجرب لماذا انتخبك مرة اخرى ، ماذا ستقدم خلال الفترة القادمة ،  ان كلما تعمق وعينا وازداد شعورنا بالرضا عن انفسنا و بالفخر بأصالتنا و تقاليدنا ، انتقادنا للذات مع اتصافنا  بالمرونة ، فنحن  لا نرفض القديم أو الحديث و لكننا نحاول الاحتفاظ بما هو قيم في كل منهما. و عندما تزداد ثقتنا بأنفسنا فأننا سنبدأ العمل مع الأخرين من أجل تغيير الجوانب السلبية في النظام الاجتماعي ، و في النهاية ستقودهم ملاحظاتنا و تفكيرنا بالنقد إلي القيام بعمل إيجابي في بناء المشاركة الشعبية لرسم السياسة الجيدة.