18 ديسمبر، 2024 4:50 م

ان ما حدث في عيد الفطر من مجاهرة البعض بالقيام ببعض الاعمال المنكرة والشاذة والقبيحة من التي لا يقرها العرف أو الدين دليل على أن مجتمعنا بات مهددا بأزمة اخلاقية كبيرة قد تهدد بمشاكل أجتماعية كبيرة في المستقبل ، ولا أستبعد هنا أن يكون لبعض الدول الغربية وحتى الاقليمية يد في أنتشار مثل هكذا ظواهر من اجل تحقيق اهداف سياسية ، والغريب في الامر أن المجتمع العراقي الذي لطالما عرف عنه محافظته على عاداته وتقاليده وأعرافه بات وكأنه يعجز عن مواجهة مثل هكذا عادات طارئة هي في حقيقة الامر نتاج حروب وأزمات كبرى ، ولنا أن نتسائل هنا ترى أين دور المتعلمين والمثقفين ورجال الدين وكل الطبقات القادرة على مجابهة هكذا سلوكيات غريبة ؟ ، وهل تخلى الجميع عن الوعظ والقيام بدور الرشد والناصح وخصوصا لجيل النشء والشباب .
نعم لقد تخلى الشاعر والاديب عن الوعظ لاجل الجمال ، فصار هم الاديب البحث عن صور الجمال وشغل الفكر بمحاولة أكتشاف أسرار الكون والوجود ناسيا أنه من الممكن أن يلعب دورا اصلاحيا في المجتمع ، وتخلى المعلم والباحث عن الوعظ وذلك لاسباب عديدة من أهمها هو أنشغال الباحث بالالتزام بالعلم والموضوعية والمعلم بتقديم المادة العلمية في زمن ضعف فيه المستوى العلمي للجميع ، ثم لا أعلم كيف يمكن أن يقوم من تعين بالمحسوبية والرشى – وهو حال عدد كبير منهم – أن يعظ جيلا كاملا ويرشد الصبية والصغار من تلاميذه وطلبته ؟ ، وتخلى الكاتب عن الوعظ لاجل التحليل السياسي ومشاكل السياسة الكثيرة وما يدور من حروب طاحنة بين فرق وطوائف ودول في زماننا هذا فصار الارشاد والوعظ وخصوصا للشباب بضاعة كاسدة بالنسبة للكثيرين ، وتخلى الفنان سواء أكان مغنيا أم ممثلا عن الوعظ لاجل التهريج فأنقلب به الحال من فنان راق يسمو بالناس ويقدم لهم الامثلة الصالحة والنماذج الايجابية من أجل رقيهم وحياة افضل إلى مهرج مبتذل لاهم له إلا أضحاك الناس وتحقيق الربح المادي السريع ، وهنا لنا أن نسأل : كيف يمكن لشخص ليس له حظ من الخلق والسلوك القويم أن يعظ غيره ويصلح شؤون العامة من الناس . وتخلى قبل هذا وذاك الاب في منزله عن الوعظ من أجل توفير أسباب الحياة لأهله وأطفاله وأني لاعرف الكثيرين ممن يشغلهم العمل عن أسرهم فلا يلتقون بعيالهم الا لماما فكيف لامثال هؤلاء من وعظ أبنائهم وبناتهم وكيف يتيسر لهم أصلاح شؤون ما فسد من أحوال أسرهم وهم لا يكادون يعرفون عنها شيئا ، وتخلت الام عن الوعظ بعد أن أنشغلت بتقنيات الاتصال الحديث وما تبثه القنوات الفضائية من مسلسلات وغيرها تجد فيها ما لاتجده في حياتها الواقعية ، كما أن الكثير من الامهات اليوم وبسبب فشل النظام التعليمي وأمية بعضهن لا يصلحن أصلا للعب دور الامومة فكيف بلعب دور الوعظ وتنشئة جيل صالح ؟ . وتخلى الكثير من رجال الدين عن الوعظ بعد أن أنشغلهم بالسياسة فترى الواحد من أولئك متمسكا بتلابيبها ظنا منه أنه يمسك الرأس ويترك الذيل وانه بذلك يستطيع أصلاح أمة بأكملها لامجرد وعظ أفرادها فضاع بين دروبها ومغرياتها فلا أستطاع أصلاحا للرأس ولا للذيل وتراه وقد فقد المكانة التي كان يتمتع بها بين الناس مقابل حصوله على امتيازات مادية زائلة .
ولابد هنا من أن الفئة الاخيرة ممن ذكرنا وهم الخطباء وأصحاب المنابر من رجال الدين صار لهم دور هام وبارز في مجال الوعظ والارشاد والعمل على أصلاح المجتمع لما للدين من قدسية في نفوس الناس خصوصا وان التطورات في وسائل الاتصال الحديثة قد هيئت لهم سهولة نقل رسائلهم الوعظية لاكبر شريحة من المتلقين ، ولابد من الاشارة هنا الى أن الكثيرين من المتلقين باتوا يرفضون ما يسمعونه من وعظ من خلال تلك المنابر على أعتبار أن البعض من الخطباء هم جزء من المشكلة كون البعض منهم ينتمون الى الاحزاب السياسية فكيف بالشاب المتمرد الذي يعتقد بأن الساسة هم أصل البلاء في كل مشاكله أن يسمع بعد ذلك كلمة نصح من أحدهم ، ولكن ورغم الدور الهام للخطباء المرموقين فأن السياسة وما يتصل بها والخلافات الطائفية والمذهبية لا تزال تزاحم تلك الرسائل الوعظية من على تلك المنابر وتأثر على تلك الرسائل السامية التي يفترض بالمنابر أن تؤديها ، كما أن دخول عدد كبير من الطارئين ومن المتحزبين على هذه المواقع قد أثر سلبا على تلك الرسالة مما يستوجب ضرورة إيجاد جهات مسؤولة تنظم عملها وتوجه القائمين عليها من اجل أن يكون أصلاح المجتمع الذي أفسدته سياسات الحكومات والحروب المتعاقبة هو غايتها القصوى وهدفها الاسمى .