ضمن محاور خطبة الجمعة الأخيرة دعت المرجعية الدينية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في الوظائف وفي الرواتب التقاعدية وهذا المطلب يمثل حالة إنسانية وأخلاقية وتضامنية وهو في كل الأحوال يأتي ضمن سياق التوجيهات الأبوية التي تطلقها المرجعية للحكومة بين فترة وأخرى للأخذ بها والاستفادة منها في تصحيح المسارات وفي معالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع العراقي.
وتحقيق العدالة الاجتماعية من بديهيات وأولويات الدولة ومؤسساتها الحكومية من اجل استمرارها ومن اجل ازدهارها طالما ان الأمر يتعلق بأبنائها وبحقوقهم التي كفلها الدستور،ولأننا لا زلنا في بداية الطريق فليس كل ما يقوله الدستور وكل ما يحدده القانون يمكن تنفيذه او الالتزام به،لهذا فإننا نحتاج الى قوة ضاغطة والى من يذكر بها.
ولان العدالة الاجتماعية في العراق غير متحققة ومفقودة لدرجة البكاء والعويل بعد ان تجاوز مؤشر الفقر والبطالة الحدود الطبيعية بين أوساط العراقيين وخاصة الشباب ممن انهوا الدراسة الجامعية الأولية ووصلت معدلاته الى ارقام فلكية لم تصل اليها حتى الدول التي لا تتوفر فيها عشر إمكانيات العراق وثرواته،لهذا اصبح لزاما على الدولة وعلى مؤسساتها المختصة ان توقف هذا الاستنزاف وتوقف الفساد ومن يقفون ورائه بل عليها ان تعيد النظر بسياساتها الخاطئة والتي تتسبب بهدر عشرات المليارات من الدولارات دون فائدة.
ان على الجميع ان يفهم ان غياب العدالة الاجتماعية لا ينتج دولة مستقرة ومحترمة ومتحضرة بل ينتج دويلات وعصابات ومليشيات تهتز فيها صورت وهيبة الدولة ويلجا المواطنون الى الأطراف التي تملك السطوة والقوة والمال لأنهم يعلمون ان الاحتماء بالدولة وأجهزتها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وصور غياب العدالة الاجتماعية تجدها في كل مكان،تجدها في الفساد المستشري بكل مفاصل الدولة والذي تسبب بهدر موارد العراق وموازناته الانفجارية ،تجدها في المحسوبية وفي المنسوبية ،تجدها في المحاصصة وفي الحزبية،تجدها في التوزيع غير العادل للرواتب والوظائف،تجدها في التوزيع غير العادل للثروات الطبيعية،تجدها في انعدام الشعور بالمسؤولية وفي غياب الضمير الإنساني والرادع الأخلاقي..تجدها في غياب هيبة الدولة وسطوة المجاميع المنفلتة ،تجدها في عدم تفعيل القوانين الصادرة وتجدها في التجاوز على المال العام تجدها في التخلف الذي يضرب بإطنابه في كل مؤسسات الدولة ودوائرها الخدمية والصحية والتربوية والرياضية والعلمية والاجتماعية والترفيهية.
ان تراكم المشاكل في بلد لم يغادر دائرة الحروب والتقاطعات والتدخلات الخارجية منذ عشرات السنين يحتاج الى معجزة ليتم انتشاله من واقعه المزري وهذه المعجزة بيد أبنائه لا بيد الآخرين ولو سلمنا جدلا بان الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة الحالية وبضغط من المرجعية الدينية والشارع العراقي هي مفتاح العدالة والنمو والاستقرار فإننا نحتاج الى دعامات حقيقية لتقوية وتعزيز هذه الإصلاحات وعلى كافة الأصعدة لان الإصلاحات تحتاج الى من يقومها والى من يراقبها والى من يفعلها.