قراءة نقدية في قصيدة الشاعر التونسي سمير الخياري
(بلادي)
تمهيد
الادب الحقيقي هو الساحة التي تذوب عندها الفوارق والاجناس والقوميات والمسميات الاخرى التي تحرك اوار الشر القابع تحت الرماد …وهو الحقل الاخضر الانساني الذي يحتضن الغرس النظيف و يغلق كل الافواه النشاز ويلغي العقل واللسان ويترك التحدث للقلب والاحساس …..وصاحبه وحامل رايته هو الانسان المجرد من كل ادران التخلف وامراض العصر السارية التي تأكل في جرفي هذا العالم المتقدم تكنولوجيا والمتخلف انسانيا ، لذلك يعد الاديب المتزن محركا اساسيا لعجلة المجتمع المتعلقة بقضايا الانسان والوطن ، وهذا هو الشأن المنتشر في شخصية الشاعر التونسي سمير الخياري والذي فرض طوقا حول ذائقتي الادبية للاعجاب به ، وحين قرأت قصيدته (بلدي) شعرت وكأنه يتحدث بلساني ويدافع عن قضيتي و لم يترك لي خيارا غير احترامه والاعجاب به… لم اجد في تصه ولو تلميحا بسيطا لجنسية او هوية او فئوية غير صورة الوطن الناصعة، فاطرد اعجابي واعتبرته انموذجا انسانيا وعقلانيا للاديب الانسان الواعي ، وهو كذلك بالفعل…..
اللمحات الجمالية في النص
يشترط بالنصوص الادبية الوطنية ان يكتنفها اسلوب واقعي مباشر يدركه الانسان العادي وشرائح المجتمع قاطبة في الشارع والمنزل والمقهى وان يكون بعيدا عن السريالية والرمزية وتحت خيمة نظرية الادب للمجتمع وما دامت المدرسة الواقعية تهتم بقضايا الانسان ، جاء نص الاستاذ سمير الخياري مطلقا ومطابقا لنبض الشارع ومعانقا للوضع السياسي الذي يمر به الوطن العربي وهذا هو المطلوب حصرا….لا يمنع ان ياتي الشاعر من منطقة ما وراء النص ويتحفنا برموز متفاوتة تختفي وتظهر لكنها بشكل عام حركة الديباجة الكاملة لأرضية النص التي جعلته سهلا ممتنعا مرصعا بنجوم التفعيلة التي اعطت الموسيقى الداخلية للنص شموخا وتوازنا يتهادى ويتراقص مع الضربات الموسيقية الماسكة لنهاية الجمل الشعرية المتناسقة فجاء النص وكانه انشودة وطنية سامقة….اما حبكة النص فكانت متماسكة ، اعطت تكاتفا متناسقا مع السردية المتسلسلة لذات الموضوع المتكامل الذي يحتضن عقدة وانفراجا ونهاية…فقد خلط الشاعر بخبرته الشعرية بين عوامل القص وعوامل الشاعرية بحرفنة واتقان….وصار النص لسانا سليطا يحكي ويتحاكى مع قصة وقضية الوطن العربي وصراعاته الداخلية والخارجية بشكل كامل…….وسنأخذ النص بالتحليل المفصل:
مهجتي أنت وأكثر
شعلة الحب التي
في القلب تكبر…
سوف أهواك
وأهوى كل شيء
فيك يسحر
يا سماء من صفاء
وريبعا بالشذى دوما
معطر
ويعتلي الشاعر سمير الخياري ناصية من نواصي سوق عكاظ ويتقمص سميح القاسم مرة ومحمود درويش اخرى ويقود التظاهر بصوت ابى القاسم الشابي و (اذا الشعب يوما…..) ونسافر معه في سفره القرمزي بحب والوطن المشترك ويغمض عينيه وهو يتلو قصيدة البلاد ونغمض اعيننا معه ثم نشعل فوانيس الحب وننثر الزهور والمهج في شوارع عواصمنا العربية لعلها تسمع نداءنا وتخرج من ضبابية الاحقاد وقضبان الحدود وتقف ولو قليلا على مفترق الطريق بين مكة و القدس ويحدد ايهما الخاسر السالب ام المسلوب……!؟
سوف أهواك كثيرا
رغم أعدائك
كم كثرا غدوا
من لصوص
سرقوا الشعب
ثروات يالها من ثروات
كل يوم تتبخر
وفي هذا المقطع يتحرك اصبع الشاعر الخياري مرة اخرى ويشير نحو اعداء الوطن وكم هم كثر لا تكفي الاصابع لعدهم…..! ونراه وهو يصرخ فيهم…لم̵ هذا العداء …!؟…. لصوص وخونة وانتهازيين ممن سرقوا ثروات الوطن وقوت الشعب وبعثروها على لياليهم الحمراء حتى فرغت خزائن الوطن وكبرت خزائن الدول المتبناة لهؤلاء العملاء والمنتفعين الذين تناسوا اهلهم واوطانهم وباعوا حتى دماء اطفالهم ….ويشتد اوار الغصب بالخياري مرة اخرى حتى يصل به الامر ذكر الثروات التي تبخرت كل يوم وضياع النفط تحت اقدام الراقصات وبائعات الهوى
سوف أهواك
رغم ذاك الشيخ
بالدين تستر
ماله من مأرب
إلا بأن يبغي يكفر
كم عتا فينا وفجر
غير أنا سنراه
عن قريب يتفجر
وصل الامر في هذه الجزئية بالشاعر الخياري ان يلقي اسلحته الشعرية والانسانية ويلين قليلا ثم يبدأ بالتضرع الى الله من هذا الشيخ الذي يختل وراء الدين و يتصيد الاطفال والنساء برصاص الفتاوى المسمومة …فبتعجب من حقد هذا النوع من الناس على الانسانية والدين نفسة الذي يتشدق ويظن انه ينتمي اليه ويتدين به ولا ادري هل يدرك انه يدنسه وهذا الدين منه براء……اي اجرام يدفع بهذا الحيوان البشري ليحقد على الانسانية باسم الدين وان تصل الوقاحة ان يتحدى ربه بقتل الناس لمجرد انهم خالفوه رأيا.,,. والمارب الذي يبتغيه هذا الرمز المارق المسيء للدين والانسانية هو حبا مجردا في الموت ورائحة الدم التي تزكم الانوف الا انفه الموغل بالكفر والاجرام ورائحة الموت فقط….
بلادي
يا بلاد الكادحين
وبلاد الجائعين الصابرين
هل ترى ألقاك يا يوما
حرة بالعدل تزهر
وأرى الثروة للشعب
أرى نجمك يسمو وينور
يابلاد التين والزيتون
والنخل الذي لا ينحني واقفا دوما
ترانا مثله يوما نكون
نرفع الرأس ونمضي لنقاوم
نقمع الإرهاب فينا
كل وغد متجبر.
وبعد ان فاض بالشاعر الغضب والحب لبلاده المظلومة والمنتهكة ، صال صولته الاخيرة متذكرا بصولة ابي القاسم الشابي واذا الشعب يوما ..و يا بلادي حين ناوله سيد درويش عصا المايسترو الصغيرة من ارض الكنانة ثم محمود دروش من الارض المغتصبة ،آ ه يا جرحي المسافر وطني ليس حقيبة…. وانا لست مسافر… و باسقة من باسقات ارض الرافدين تسلمه سيف سومر وبابل واشور…وانشودة العراق موطني ..موطني… حينها يستأسد ويتنمر الشاعر الخياري وهو يحمل هذا الشرف العربي ويقتحم بوابات الامل ليملا سلال الوطن بالعنب والنصر ويمسح دموع الثكالى والايتام في بقع الوطني العربي المنتهك والمشاع لمن هب ودب فيتحزم الشاعر الخياري بحزام تونس الاخضر و تين وزيتون الارض المحتلة ثم يمسك نخلة العراق وغصن زيتون الجزائر والمغرب ويتمنطق بقربة ماء من نهر النيل وبردى ويصول تراثا ودينا وتاريخا ليرفع راس الانسان العربي الشاعر الذي يسحق بحروفه الملتهبة كل وغد متجبر……..
عذرا للشاعر الكبير سمير الخياري ان لم اتمكن من سبر اغوار نصه هذا ربما ….كان النص اكبر من قدراتي النقدية…..
النص الاصلي
الشاعر التونسي الكبير : سمير الخياري
بلادي
مهجتي أنت وأكثر
شعلة الحب التي
في القلب تكبر…
سوف أهواك
وأهوى كل شيء
فيك يسحر
يا سماء من صفاء
وريبعا بالشذى دوما
معطر
سوف أهواك كثيرا
رغم أعدائك
كم كثرا غدوا
من لصوص
سرقوا الشعب
ثروات يالها من ثروات
كل يوم تتبخر
سوف أهواك
رغم ذاك الشيخ
بالدين تستر
ماله من مأرب
إلا بأن يبغي يكفر
كم عتا فينا وفجر
غير أنا سنراه
عن قريب يتفجر
بلادي
يا بلاد الكادحين
وبلاد الجائعين الصابرين
هل ترى ألقاك يا يوما
حرة بالعدل تزهر
وأرى الثروة للشعب
أرى نجمك يسمو
وينور
يابلاد التين والزيتون
والنخل الذي لا ينحني
واقفا دوما
ترانا مثله يوما نكون
نرفع الرأس ونمضي
لنقاوم
نقمع الإرهاب فينا
كل وغد متجبر.