8 أبريل، 2024 7:47 م
Search
Close this search box.

الوطن هل أمسى للغرباء: مجرد مدفن… او عشق  حرام..؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

ارقني بوجع لاحدود له طوال ليلة امس سؤال صديقي ملهم الملائكه الذي سبقته بالاغتراب القسري قبل ربع قرن حيث سالني خلال تعليقه على خاطرة كتبتها في صفحتي على (الفيس بوك) يوم امس حول قرار هيئه السجناء السياسيين غير الأخلاقي في العراق نزع صفة الشهادة عن الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله الذي اعدم ظهيره 14 من رمضان عام 1963و نبش القوميون الفاشيون قبره والقوه في دجلةبعد ربط ساقه بحجر كبير.. هكذا هو الوطن منذ نعي الاله تموز او سين قبل الاف السنين وحتى يوم الحساب … مشانق وندم ودموع .

كنت حينها صغيرا لكني لازلت اتذكر كيف كان احد الجنود يرفع راس الزعيم المسجي على صدره وهو مربوط بكرسي بعد اعدامه و ويبصق عليه ..فيما يتعالى نشيد( الله اكبر فوق كيد المعتدي) بينما كانت الاذاعة والتلفزيون المصري( صوت العرب من القاهرة ) تبث اغنيه شامته عن زعيم الفقراء يردد فيها أبناء ام الدنيا( اهلا وسهلا بالزعيم الهمشري)!!!! على خلفية إعدامه في مبنى الاذاعة بالصالحية والذي خاطب فيه الزعيم قبل بثوان من موته رفيقه عبد السلام عارف بعد ان رفض وضع الكيس في راسه قائلا: انا صائم.يا عبد السلام.. اي امهلوني حتى افطر فرد عليه عارق انا ايضا صائم !!!!!… فتعالى صوت رصاص الغدر الذي اخترق شيبات البطل وحناه بالدم الطهور ولم يتوقف دوي الرصاص حتى الان.

سالني صديقي وهو يتلوى( :لماذا يجب ان نبقى بلا وطن يا عزيز؟؟ تعبت والله وانا ابحث منذ عقود عن وطن قد انسب له اولادي ونفسي!!) هكذا نطق فرع من شجره الملائكه بتاريخها النضالي وبصمالتها الشعرية التي لايزايد عليها احد
وانا اقول لك يا اخي:

هل نستطيع ان نبدل وطنا باخر؟؟؟

او عشقا بغيره؟؟؟

ولماذا فقط نرفض العوده ونوصي بان ندفن في الوطن بعد موتنا؟؟؟
هل امسى العراق مجرد مدفن كبير لابنائه الهاربين منه؟؟؟؟؟
بينما يحلم الملايين من اهله بالهرب خارج اسوار المسلخ تحت وطاة الارهاب والقتل اليومي وسقوط الرهان على مشروع انقاذ وطني حقيقي؟؟؟ ولكنهم ريثما يستقرون في الغربة يبداون بالنواح عليه واستعادة ذكريات الامس وتصفح وجوه الاهل والاصدقاء والزمن الجميل رغم قسوته.

لم يعد الوطن الا ارثا لسدنة السياسة والسماسرة والافاقين وامراء الحرب الطائفية…. ليس ثمة ضوء في نهاية نفق او كهوف التاريخ العراقي رغم اقتراب انطفاء شمعة العمر.

لاادري بما اجيب يا اعز اصدقائي الذين شاركوني فصول الحلم الوطني على مدى اربعة عقود حتى العشاء الأخير وطلب جنسية الدولة الأخرى التي كانت احن علينا من امنا – الوطن الأصلي.
 
لااكتمك القول حاولت كثيرا ان اتنازل عن وطني او هكذا توهمت. ان اسلخ جلدي والقيه على قارعة الطريق كي أستريح.. ولكني لم استطيع ان امنع نفسي من متابعة شريط الإخبار الذي أدمنته رغم كل همومي ومشاغلي اليومية والكتابة بلا توقف طوال السنوات الماضية عن أوجاع العراق ومحنته الأزلية ولم استطع ان اكتم دموعي وحيدا بين جدران غربتي حين ارى مشاهد الموت بالمجان وخراب الوطن وتعاقب الأفاقين من أهله والغرباء على جسده المسجى في الارض الحرام بين الكرخ والرصافة..
. كم تشضينا وصرخنا وحاربنا وتطاولنا على جراحنا الفردية و تناسين ااهلنا وأبنائنا ونسائنا وتظاهرنا في مدن الملح ولازلنا بينما طالب البعض بثمن المعارضة او مغامرة الهروب من الخدمة العسكرية او صفعة من شرطي مرور بينما بغداد كانت ولازالت أسيرة المحبسين يا ملهم …محبس الإرهاب الطائفي ومحبس قراصنة السلطة وقطاع الطرق والذئاب القادمة من الصحراء وعبر الجبال الوعرة…
 بغداد لازالت تغتصب وتسحل من جدائلها وتعاقب عليها كل زناه التاريخ وهي تصرخ وتئن ولا احد يهب لإنقاذ عرضها او تخليصها من ساد يتهم وشبقيتهم وأسنانهم التي انغرست بعنقها وهي ترفس الأرض بساقيها التي ثيتها في الأرض اذرع ساستها وزعماء الحرب المتنافحين على مصالحها عبر فضائيات يمتلكها بعض حاشية الدكتاتور وقوادي نجله السابقين…. لم يسال احد من اين للبزاز والخشلوك وغيرهم كل هذه الملايين التي تنفق على الإعلام الضال المضلل التحريضي الذي يشد الأحزمة الناسفة على بطون هؤلاء ألقتله الانتحاريين  والبعض يتباكى على حرية التعبير التي جعلها أقدس من دماء الأبرياء وأشلاء الضحايا وعويل الأمهات وتناسى ان أمريكا أعلنت الإحكام العرفية في أصقاع الأرض بعد ان ضربها نفس الإرهابيين.

قبل عامين كتبت هامشا على عنوان كتاب الراحل الكبير محمد الماغوط( ساخون وطني ).. كان عنوانه (شلش عودة الروح نزيف الذاكرة) شعرت بعده اني استرحت مرددا قصيده ألجواهري الخالدة( ارح عن صدرك الزبدا…. فان التضحيات سدى) …..
تصورت اني نجحت أخيرا في تمزيق شرانق العشق واعدت ترتيب خياراتي وتخلصت من عقده عشق اسمه الوطن وبرأت منه الى غير رجعه!!!!
ولم يعد لدي هم أخيرا واني سأخرج غدا لأسهر على ضفاف الدانوب الساحر وأتذوق طعم الحياة كالآخرين واضحك وأحب النساء مثلهم وارتدي ملابس انتقه وأسافر في الصيف مع أولادي واصدقائي لأمارس صيد الأسماك مع صديقي مفيد الاعظمي الذي يوهم اتلك المخلوقات الساحرة بانه يمنحها الحياة في صنارته لكنها تكتشف بعد فوات الاوان انه سقاها الموت بعد ان تغرس صنارته في حلقومها النازف لتتلوى على نيران موقده الليلي في النهاية!!

. لكني اكتشفت بعد ساعات اني كنت كالحلاج يا صديقي الذي كان يرى انه يحمل العالم على كتفيه وصليبه معه منذ الولادة . وانا استبدلته بوطني غير انه صليب من نوع اخر … بقيت مع الملايين خارج الأسوار مصلوبا او جالسا على قازوق الغربة اعوي مثل ذئب جريح تركه الرهط في البيداء ينتظر انياب الضباع الغادرة بينما زوجتي تصارع الموت وحولها أولادي ينظرون الى السماء ولي كأني املك المعجزة….

طالما راودني ذلك الكابوس في مناماتي على مدى سنوات عجاف وأتخيل نفسي ساقطا في الأرض الحرام ممدا انزف بين خطوط الحدود الحمراء وحولي الآليات المحروقة وجثث الجنود الصرعى والدخان يغطي المشهد برمته… فلا أراحني احد بطلقة رحمة…. ولا سحبني الى سيارة الإسعاف ليعيدني الى الحياة ولو معوقا بعكاز سوى امل الرجوع الى بغداد ذات يوم وقد طال الغياب.

هكذا ارى نفسي ووطني بعد هذا العمر… مثل حصان تكسرت قوادمه في معركة خاسره منذ البيان رقم واحد لكنه يحلم بكربلاء أخرى عراقية مثل هانوي خالصة تصحح تهمة التاريخ يكون فيها عدد الشرفاء اقل بقليل من جيش الشامي والبدوي اللقيط.. ماذا كان سيحصل لو لم يغدر الغادرون وينكث المبايعون وينتصر سيف الحق على عرش الباطل وتتحق وصية النبي الذي اتهم بالجنون…. يا الهي اي سقائف نصبت للتأمر على اهلي ووطني.. الأتي منها اكبر من كل التهاويل والمجازر.

؟؟؟
اكتشفت في اليوم التالي من نزق البراءة من الخديعة- الوديعة – الوطن ان ما فعلته كان معادلا لجنون داخل خلايا جسدي سكنها منذ الولادة واني فقط استطعت حقن رغباتي (ببنج) مؤقت سرعان ما زال مفعولة مع نشرة الإخبار… مجرد كبح جماح رغبتي بان لا اترك كل شي خلفي هنا… الأمان و عملي وأسرتي وأطفالي وكرامتي وإنسانيتي وجواز سفري الذي اعبر به كل الحدود دون ان ينظر الي احد او يستوقفني حاجز… سأنسل متوجها الى المطار فجرا دون ان واقض احد قاصدا ارض العذابات والحروب والسواد الازلي بلا حقيبة لأرتمي بين يديك يا أمي أتشم عطر عباءتك وأنام مثل طفل صغير عاد بعد سته وعشرون عاما تاه فيها بين المواني والمطارات.. ثم اسير حافيا صوب امير الشهداء ونبراس الحق وسيد الحرية ابا عبد الله احمل بيرغ الوعد الحق

ولياتي بعدها الطوفان

او رصاصة الغدر

او الحزام الناسف.

سجل انا عراقي حيا
و ميتا.

بوخارست( المنفى حتى اليوم الموعود)

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب