في مطلع القرن الماضي و ظهور بوادر انهيار الأمبراطورية العثمانية أو كما يحلو للمؤرخين الغربيين تسميتها ” بالرجل المريض ” منذ القرن الثامن عشر وبعد تدخل الغرب بشكل مباشر في شؤون الشرق الأوسط تحت غطاء ما يسمى وقتئذ، بالمسألة الشرقية –The Eastern Question‘ ( 1 ) حيث كان وازعها الأوحد تقسيم تركة الدولة العثمانية.
وبعد مباحثات من خلال المؤتمرات والاتفاقيات الدولية على سبيل الذكر، سايكس بيكو 1916 و سان ريمو 1920 بين هذه الدول حول مصير المنطقة، إذ نرى بعد 1918 ولأول مرة منذ السيطرة الأجنبية لبلادنا بدءا بالفرس واليونان ومرورا بالرومان والعرب والعثمانيين ظهرت التسمية – ميزوبوتاميا- ( 2 ) أي بيث نهرين / بلاد الرافدين من جديد على مسرح السياسة العالمية .
لقد تشكلت هذه الدولة الحديثة وان لم تغط أرض بيث نهرين كما كانت قديما، ولكن الأهم أنها شملت مراكز الحضارة لبلادنا كلها والتي نشات على ايدي اجدادنا الأوائل في سومر، بابل، وآشور المتمثلة في العهد العثماني بالموصل/ نينوى ، بغداد والبصرة.
والآن لنلقي نظرة خاطفة حول بروز ” العراق ” كتسمية لبلادنا . من المعروف تاريخيا قد استخدمت التسمية هذه لأول مرة من قبل العرب المسلمين في مطلع القرن السابع الميلادي حينما أدخلوا بلادنا ضمن أمبراطوريتهم العربية الاسلامية. والجدير بالذكر أن التسمية هذه لم تكن تشمل وطننا كما هوعليه اليوم بل التسمية العراقية في البداية كانت تشمل كل المناطق على الخليج السومري/ العربي تبدأ من جنوب بغداد والآخرون يسمونه اليوم بالخليج الفارسي أي ضمنا منطقة الأهواز الإيرانية.
ومن المعروف أن مصدر التسمية لها تفسيرات عديدة وخصوصا عند العرب ومن أطرفها إذ يرجعوها الى ” عرق ، اعرق وعروقا ” وهي مبادرة لا بأس بها ولكن للأسف غير صحيحة والأكثر دقة أنها جاءت من إسم مدينة ” أوروك – Uruk/Erech ” وهي من مدن بيث نهرين الجنوبية القديمة وذات الشهرة الواسعة. وهكذا نجد أن التسمية تبعث من جديد إبان تنصيب فيصلا بن الشريف حسين في عام 1921 ملكا على العراق بعد أن خلعه الفرنسيون من العرش السوري في دمشق .
و المؤسف قوله أن العروبيين ( لا العرب ) يحاولون جاهدين أن يكون بلدنا هذا ضمن اطار ما يسمى ب ” الوطن العربي ” هذا الوطن الذي ليس له حدود. ففي تعليق للدكتور يوسف الصايغ والمطبوع في كتاب باللغة الانكليزية ”
Opec &Future Energy Markets 1981 ( 3 ) يقول المحاضر الصايغ:
هناك خطط طموحة، حيث قمت بمسح الخطط هذه لعشرين دولة عربية بدون – جيبوتي في منطقة ( القرن الافريقي) التي اعتبرت حديثا لتكون عربية حيث الحاضرين عندها طفقوا ضاحكين!” ( 4 ) وآخرون كالكرد يحاولون بدورهم ان يحولوه الى كردستان الوطن الذي لا وجود له الا في مخيلتهم. و حجة العرب أن العراق يعتبر عربي منذ البداية ولكن لو تفحصنا عن كثب، نرى أن وجود العرب في بلادنا اذا قورن بتاريخه الطويل 8000 عام ، لا أهمية له اطلاقا لقصرالفترة، اذ هناك محتلون آخرون قد حكموه ايضا على سبيل الذكر الأتراك ولكن ليس هناك لهم أية نية بالحاق بلادنا أو اعتباره تركيا، وقد يكون هناك من يقول أن الشعب العراقي اليوم يتكلم اللغة العربية ويدين بالاسلام، نرد عليهم قائلين إن لغة هذا البلد أصلا لم تكن عربية ولا دينه كان الاسلام سابقا. واذ كان نتيجة سيطرة العرب على وطننا أدى الى ذلك وفق ما قاله الاخ الدكتور ماجد خدوري ( 5 ) وهو عراقي بنفسه في كتاب له باللغة الانكليزية ” حرب الخليج Gulf War -1988 The, صفحة 3 ,4 ” إن هوية العراق تقريبا قد اختفت وشعبها انصهر ثقافيا وقد تبنى لغة الحكام العرب .” وفي نفس المصدر يقول ” العراق قد طور حضارة (البابلية والاشورية) ونظام اداري متقدم جدا وبزمن طويل قبل ظهور بلاد فارس ” اذا حان الأوان للعراقي الشهم ان يعود إلى جذوره الاصيلة ولا اعتقد أن هناك شعبا ينكر هويته الحقيقية وخصوصا كشعبنا ذي حضارة لا مثيل لها تقريبا حيث تبعث الفخر والاعتزاز نظرا للرصيد الحضاري الكبير.
إن الكاتب الاميركيPfaff William يقول في كتابه ” غيظ الامم ” ( 6 ) عندما يتحدث حول تكوين الامم يقول:
” ليس هناك قومية عربية وان التجربة التاريخية للمنطقة لا تدل على وجود أمة كهذه بل كل ما هنالك مذهب / ديانة ، مجتمع، أمبراطورية وخلافة… ” و يستطرد ويقول عندما يتحدث عن الدول الحديثة في المنطقة بعد 1918 منها – العراق وحده الذي يملك كل المقومات الضرورية لأن يكون أمة… والعراق وحده يملك الادعاء بالهوية القومية لأن هذه الدولة الحديثة لها استمرارية تاريخية بارزة ومدهشة والتي تعود إلى البابليين والآشوريين القدامى ” .
هدفي من هذه المقدمة ليس الذم اوالتعيير بالعروبة وغير العروبيين – لا سمح الله – ليس هذا مأربنا، ولكن الهدف من ورائه ليس الا التشدد والتشبث على الوطنية، الوطنية العراقية/ بيث نهرينية التي تجمع مصيرنا، واضعين جانبا العروبة والاسلام وكذلك هذه القوميات الدخيلة وفي طليعتها الكردية والعمل معا لبناء صرح هذا الوطن من الانهماك في قضايا دينية أو اثنية التي من المؤكد كانت في الماضي وكذلك في الحاضر العائق الوحيد في طريقنا للم شملنا واحلال السلام والأمان في ربوع عراقنا الحبيب .
ليس هناك من ينكر العروبة ووجودها، إنما الذي ننشده هو تبيان الحقيقة بأننا لا ننكر وجود العروبة أو العروبة الامبراطورية تحديدا التي موطنها هوالجزيرة العربية. وليعلم القارئ المحترم أن العرب الذين عرفهم للعالم كانوا من ورائه أجدادنا وأجدادكم الآشوريين ولن نقف ضدهم اطلاقا، اي ضد الوحدة العربية في بلاد العرب – الجزيرة العربية – بل نشجع كل الدول ذات العلاقة باحرازها ولكن العراق ليس بعربي مهما حاول البعض فرض العروبة عليه، إن المنطق لا يتطلب أن تحذف تاريخ كامل وطويل بآلاف السنين لهذا الوطن بأسره وتعويضه بتاريخ المحتل العربي الذي لا شأن له ولا جاه بنا ، ورب قائل يقول أن العرب كان لهم حضارة زاهية وزاهرة ولكن بالحقيقة العرب لم يكن لهم تلك الحضارة بمعناها الصحيح ( 7 ) بل ورثوها من الشعوب التي رزخت لنيرهم واولهم كان شعبنا الآشوري البابلي ليس الا ! واذا كان لهم حضارة ما، فتلك الحضارة ليست سوى ما هو موجود في الجزيرة العربية موطن العرب الاصلي .
وكما قلنا العروبة الحقيقية هي في الجزيرة العربية وهي اليوم عبارة عن دويلات عدة وإلى اليوم ليست مقسمة فحسب بل حتى وحدة اليمنين اليوم قاب قوسين من جراء الحرب الدائرة بين السلطات الحكومية والثوار الحوثيين . أضف إلى ذلك أن تجارب الوحدة التي حصلت في أواسط القرن الماضي بين ما يسمى الاقليم المصري والسوري من جهة أو تلك بين الأردن والعراق من جهة أخرى كانت مخيبة جدا للآمال العربية الوهمية، حيث سقطت وإلى الأبد وهذا أكبر شاهد على ذلك على لسان كاتب لبناني بارع ألا وهو ” حازم صاغية ” في كتابه ” وداع العروبة ” من منشورات دار الساقي 1999 حيث يقول : منذ سنوات لم يعد المرء يسمع ب” الوحدة العربية ” فمن مات مات ومن فات فات ، بحسب الخطبة الجاهلية الشهيرة ! هكذا إذن، غدا الشعار الذي لطالما تصدر أعمال الأحزاب ونشاطات الدعاة ، وبإسمه حدثت الإنقلابات العسكرية ، وخوفا منه تشكلت الأحلاف بين الدول ، نسيا منسيا .
وأما بخصوص الاكراد وباقي الاثنيات / جنسيات من أصول غير عراقية فنحن نرحب بهم أجمل ترحيب ولكن بالمقابل يجب أن يحترموا قوانين الوطن ووحدته، أما في حال تحقيق طموحات قومية التي تخص بهم فليس هناك مانع من جانبنا ولكن يجب أن يدركوا أن لا مكان لطموحاتهم في وطننا العراقي اطلاقا. اذا بالنسبة للاكراد ليس عليهم إلا العودة الى ايران الذي هو موطنهم ووفق ما يدعون به أنفسهم وفي ادبياتهم لبعث قوميتهم من أنهم أحفاد الماديين.
إننا نطلب ونحض المواطن العراقي احترام كل الاديان سواء الدخيلة منها كاليهودية ، المسيحية، و الاسلامية أو المحلية – الصابئة المندائية أوالإزيدية – ولكن شريطة ألاّ تتدخل في القضايا والشؤون السياسية. ومن المعروف أن الديانات عموما لم تظهر الا لخير البشرية وأما اذا كانت هذه الديانات مصدرا للفرقة والانقسام والأنكى من ذلك أن تكون مصدرا لهدر الدماء البريئة عندها – كما يحصل يوميا في العراق – مع الأسف تغدو مخالفة للقواعد والمبادئ لا الدينية التي جاءت من أجلها فحسب، بل حتى وفق العرف الانساني أيضا .
وحري برجال الدين أي دين أن يتحلوا بالأخلاق الرفيعة السامية والعمل الدؤوب لاحلال السلام العادل وبدون انحياز لجانب ضد آخر ومطلوب من رجال الدين المسلمين خاصة أن يكفوا باصدار فتاوى بهدر الدماء، بل لتكن فتاواهم لحقن الدماء واحقاق الحق بين العامة .
والخلاصة أقترح هذه الخطوات للشعب وللحكومة العراقية :
– وحدة البلاد الجغرافية غير قابلة للتجزئة .
– الدستور العراقي وجب تعديله مجددا لأن كاتبه والمشرف عليه صهيوني ولأنه لا يتناسب مع الدولة العصرية بمعناها الصحيح أيضا .
– الدستور الجديد للعراق يجب أن يكون عصريا مدنيا بكل معنى الكلمة واولها عدم اقحام الدين في شؤون الدولة كما قلنا اعلاه.
– منح المرأة او بالأحرى – الأم او الأخت العراقية بكامل حقوقها مساوية للرجل تماما اذ هي النصف الآخر من النسيج العراقي وكذلك العمل بمنع تعدد الزوجات !
– بناء جيش قوي للعراق الذي يكون ممثلا لكل الأطياف بدون تفرقة كما لا يسمح اطلاقا بتكوين ما يسمى بالجيش الشعبي أو بالميليشيات المحلية واذا وجدت وجب حلها على الفور.
– العمل في تحقيق وحدة الهلال الخصيب على شكل – فيدرالية أو كونفدرالية – شيئا حققه أجدادنا / أجدادكم الآشوريون في الماضي في مشروعهم التاريخي الذي عرفه المؤرخون بالسلام الآشوري/ PAX ASSYRIACA
وهذا غيض من فيض، وما أتيت به بهذه العجالة من المؤكد ليس الا كبداية لوضع اللبنة الأولى في صرح عراقنا الجديد القديم وأنا لي ثقة أن في شعبنا كثير من المثقفين الذين بوسعهم وضع خطة شاملة وكاملة لانتشال وطننا من الوضع المأساوي المزري للأسف الشديد الذي فيه اليوم.
اللهم أتقدم اليك بتواضع وخشوع لتبارك شعبنا وأطلب منك انقاذه من المحنة التي هي فيها كما أطلب أن تغرس في نفوسهم المحبة والالفة والمغفرة لخدمتك أولا ومن ثم لخدمة الوطن والشعب – عاش العراق وشعبه موحدا معززا الى الأبد ولك إلهي الشكر والحمد الى دهر الداهرين.
………………
المصادر:
( 1 ) George Lenczowski, The Middle Eastern World Affairs – Fourth Edition , Cornell University Press , Ithaca and London 1980 , 76 -77 , 81 -88 , 102 , 314
) 2 ) في بداية القرن العشرين كل الأدبيات الغربية وقتئذ كانت تشير الى العراق الحالي ب ميسوبوتاميا أي بلاد الرافدين.
( 3 ) OPEC & Future Energy Markets , St. Martin’s Press 1981 page 183
( 4 ) أطرف ما حصل هو أن هناك جزيرة نائية في المحيط الهندي والمسماة ” جزيرة القمر.
أولا الاسم لا يعني القمر ولغة الشعب ليست عربية ولكنهم مسلمون وقدموا طلبا للعضوية في الجامعة العربية وهنا احتار ذوي الأمر ولكن تفتقت عبقريتهم ووجدوا الحل وهو بما أنهم مسلمون وهذا يكفي بقبولها !
( 5 ) Majid Khadduri , The Gulf War , Oxford University Press 1988, New York, page ( 6 ) William Pfaff , The Wrath of – A Touchstone Book by Simon & Schuster- 1993 – pages 109 -122
(7 ) . Montgomery Watt, The Majesty that was Islam, Sidgwick & Jackson , London 1976 – page 2
تنويه:
إن الشيوخ والملالي عادة يصدرون الفتاوى لهدر الدماء ويأمرون لتدريب الانتحاريين وكل ذلك باسم الدين وشخصيا لم أسمع يوما أن أحد هؤلاء – الشيوخ واالملالي – أمر بتدريب إبنه للقيام بهكذا مهمة كما لم أسمع أن عملية إنتحارية قادها أولاد الآيات الله من إيران ولا شيوخ الاسلام في دولة الأعراب في السعودية !