لا يختلف اثنان على أن واحدة من أهم أسباب مشكلة العراق هي طائفية بامتياز، وليس من الحكمة تعميق هذه المشكلة وترسيخها من خلال الإصرار على تولي إدارة الشؤون السياسية فيه من قبل عناوين دينية.
لهذا نعتقد أن من الحكمة اعتزال السياسة من قبل رجال الدين وعدم تصدر مشهدها، لأن الممارسات السياسية ومتطلباتها تطعن في الورع المطلوب في رجل الدين، وتقلل من تأثيره الوطني العام.
وعلينا أن نطبق ذلك على بقية العناوين، فعلينا رفع كافة صور القادة من رجال الدين التي بدأت تعطي انطباعاً عكسياً للغرض الذي وضعت من أجله، وكذلك لابد من ترسيخ القيم الوطنية وذلك عبر تقديم الوطني على كل ما عداه، ونطالب الحشد الشعبي أن يرفع علم العراق فقط في الممارسات الوطنية العامة، وخاصة في ساحات المنازلة الكبرى في ساحات القتال، وإذا كان لابد من هذه الأعلام فيجب أن يقتصر تواجدها في المقرات الإدارية فقط بجانب العلم العراقي.
فهذه جارتنا إيران وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين نظام الحكم فيها وبين نظام الحكم في العراق حيث نظامها يعتمد ولاية الفقيه، لكننا لا نجد في ساحات إيران وشوارعها ومؤسساتها الحكومية ما نجده في العراق من إصرار على إبراز الشعار الديني على الشعار الوطني، وفي أعظم مناسبة للإيرانيين مثلاً هي مناسبة وفاة الإمام الخميني(قدس) يكتفون في رفع صوره في بعض الأماكن المحدودة وليوم واحد فقط، وفي اليوم الثاني يتم رفعها.
هذه صراحة مؤلمة، ومستهجنة من قبل قطاعات واسعة من العراقيين ولكن ليس كل شائع محلل وعكسه محرم، فتجربة العراق السياسية بعد سقوط النظام السابق أثبتت أن جزءاً كبيراً من أسباب الفشل هو تواجد العناوين الدينية في الحكومة والبرلمان، وانعكاس فشلهم لم يكن فقط على ترسيخ السياسة الطائفية، بل كان سبب في تراجع عقائدي مخيف بين أوساط الشباب العراقي، الذي سيكون هو المتصدي لقيادة العراق بعد سنوات قليلة، وكان سبباً في تراجع الشعور الوطني، وسبباً في نزيف الدم، وسبباً في اشتعال النيران الطائفية منذ اثني عشر عاماً مضت. كل ذلك
مهما كان عزيزاً يهون أمام الدماء التي تسيل يومياً من العراقيين وتطبع حاضرهم ومستقبلهم.