مفهوم الوطنية هو الولاء للوطن والدفاع عن أرضهِ وسمائهِ ومائهِ وكل خيراته, وكل القرارات المُتخذة من قبل المواطن لابد أن تُراعى فيها مصلحة الوطن, وهذا ليس إلا نتيجة الفضل الذي تفضل بهِ الوطن عليه, حيث منحه المأوى والأنتماء والهوية, كذلك وجود مقدساتهِ وعلاقاته الأجتماعية, فأجتماع جميع مقومات التعلق والحب في الوطن, تؤدي الى صعوبة أنسلاخ الفرد من كل تلك المتعلقاتِ, ويبيعها بثمناً بخس لا يساوي كف شبرٍ من أرض الوطن, ليشتري رضا دولةٍ متسلطة أو ودَ حاكمٍ متنفذ.
كانت نظرة شهيد المحراب “قدس” الى الوطن, ليس بمجرد نظرة مكانٍ للسكن ومسقط الرأس, بقدر ما هي نظرة وجود المقدسات الأسلامية والديانات الأخرى, لذا الأهتمام بهذه المقدسات يعني الأهتمام بالأمم, الأمم التي لها الأمتداد في بقية البلدان التي تربطها مع الشعب العراقي الرابط القومي والديني, كذلك وجود المرجعية الدينية والحوزة العلمية, التي تمثل العمق المذهبي لأتباع أهل البيت “ع”, فالحوزة العلمية أذا ما تخلصت من القيود, ونشرت ثقافتها ثقافة الأسلام, سيكون لها الأثر الكبير في أحلال الأمن والسلام في العالم, وكذا أحترام المرجعية الموجودة على رأس الحوزة العلمية, أحترام للأمة الأسلامية لأنها من أعمدة ومرتكزاتها.
في المشاهد التأريخية دور العراق يبدوا جلياً لكل متتبع وباحث تأريخي, فالأهتمام بالعراق يعني الأهتمام بشؤون المنطقة, لما للعراق من دور قيادي ومؤثر بصوره مباشرة أو غير مباشرة في محيطه, وهذا نتيجة موقعه الجغرافي وقوته الأقتصادية وعلم وفكر أبنائهِ وتعدد أطياف مجتمعه, فموقع العراق شمال شرق الخارطة العربية يعني بوابة العالم العربي, لذلك كان مدخل العالم الخارجي بالقوافل التجارية عن طريقه, كما وجود الخزائن النفطية وخصوبة آرضه ومرور نهري دجلة والفرات ومحاذاته للخليج العربي, من أهم عوامل الأقتصاد التي كانت تفتقد أجتماعها في أغلب الدول, كما الأفكار والأدبيات والنظريات تجد منبعها من العراقيون, فالعقل العراقي المتميز له بصمات واضحة وباهرة في الدول المتقدمة, والضغوط والحروب التي مورست ضده ما هي إلا لدثر تلك الأدمغة المعطائه, كذا تعدد أطياف مجتمعه تعطي روابط مع مختلف البلدان العربية والأسلامية مما يسهل عملية التواصل بينه وبين الشعوب.
هذه العوامل والمعطيات لم تكن خافية عن شهيد المحراب “قدس” آنذاك, كيف لها أن تكون خافية وهو أبن مدرسة لطالما, عرفت قيمة العراق حتى أعطت دماء مؤسسيها ثمنٌ لتلك القيمة, وإلا ماذا يعني وجود قبور نصف أئمة أهل البيت “ع” في العراق, هل هي صدفة ؟؟ وماذا تعني أول عاصمة لدولتهم الكوفة وستكون هي الأخيرة, هل كانت صدفة ؟؟ وأختيار الله لأرض صحراء كربلاء لتكون مضجعاً لدماء سيد الشهداء, وهل كانت أيضاً صدفة ؟؟ فشهيد المحراب كان يعي ويعرف جيداً ما كانت تلك الحوادث الإلهية بصدفة, بل هي نتيجة أهمية يجهلها البسطاء ويعلمها أولوا الألباب, وإلا كان يستطيع الشهيد “قدس” أن يسلك طريق أسلافه ويلزم الدرس, وينأى بنفسه عن مخاطر وأشواك الطريق, إلا أن تكليفه الشرعي كان يلزمه بالتصدي لأنقاذ الأمة وتأسيس مشروع الدولة العادلة يُمارس الجميع فيها نشاطاته بكل حرية.