11 أبريل، 2024 4:10 م
Search
Close this search box.

الوضوح والشفافية أهم الركائز لمعالجة القضايا

Facebook
Twitter
LinkedIn

من الطبيعي ان الذي يعترض على قانون ما او تشريع ما فلا بد من تحديد موارد الاعتراض، او اسباب الاعتراض، والا فسيكون الاعتراض عبثا وليس له قيمة، لانه يعد خارج الموازين العقلية، وانما خاضع لاهواء وعقد نفسية او اجتماعية، او اسباب اخرى.

لا يخفى ان حديث الساعة يدور في الاروقة السياسية والاجتماعية والدينية حول اقرار القانون الجعفري، فهناك جهات سياسية تروج ضد اقرار القانون بدواعي انه دعاية انتخابية او انه خلاف ما يدعون له من اقامة دولة مدنية وغيرها، وبعضهم راح يزمر ويطبل محاولا اثارة ضجة اعلامية باستخدامهم حقوق المرأة والمطالبة بها، وغيرها.

اما الجهات الدينية واعني بعض المرجعيات فإن اعتراضها جاء بعد مدة من الزمن، بعد ان كان موقفها مختلفا في بادئ الامر، فكان جوابهم يختلف عندما عرضه عليهم وزير العدل، لكن بعد مدة تصل الى ثلاثة اشهر رأينا منهم موقفا يلحظ فيه محاولة دعم للمرجعية (العليا) ولا يعلم احد ما هو سبب اظهار دعمهم هذا ، هل هو بطلب من المرجعية (العليا) نفسها، ام تبرعا منهما، لانهم يرون ما لم يره الاخرين. وقد جاءت اعتراضاتهم بكلمات عمومية لا تمت الى الواقع بصلة ، كوجود الشطحات في القانون، او لا بد من اخذ رأي المرجعية (العليا) ، او يرسخ الطائفية في المجتمع العراقي. فالذي لديه اعتراض ما، فمن الاولى به ان يحدد الفقرات او المواد التي شخصت ويناقش فيها صاحب الشأن، اما الاطلاقات فهو ليس اسلوب عملي، وقد يدل على جهل في الموضوع.

كلنا يتذكر زمن كتابة الدستور وما رافقه من اعتراضات وتجاذبات، وبطبيعة الحال فليس الجميع كان مقتنعا تماما بكل المواد والبنود التي جاءت فيه، وكان المرجع اليعقوبي لديه اعتراضات واشكالات على بعض مواده، الا ان موقفه واسلوبه كان يدل على قائد يروم الاصلاح والارشاد، فكانت له عدة خطوات منها:

1.تهيئة اذهان المجتمع وتطبيعه لتقبل الاساليب الجديدة والحضارية للتعامل مع المتغيرات على الساحة العراقية، فقد صدر عنه خطاب 18 بعنوان (استطلاع وتثقيف الرأي العام حول فقرات في الدستور ونظام الحكم). وهو استطلاع للرأي العام وفي الوقت نفسه ايصال بعض مواد الدستور الى المجتمع ليطلع عليها، وكانت نتائجه ايجابية يعد كعينة للدراسات. (انظر، خطابات المرحلة، محمد اليعقوبي ج 3 ص 148.

وقد عرضت نتائج هذا الاستطلاع وتم ايصالها الى كل السياسيين بخطاب رقم 28 ليأخذوا ما ورد فيه بعين الاعتبار، واوضح لهم النتائج التي لم يكن احد من الساسة يتوقعها. (انظر، خطاب المرحلة، محمد اليعقوبي ، ج3 ص 199).

2. ثم عمل على الطريقة الثانية من الاصلاحات في الدستور، فجاءت بعدة خطابات تحت عنوان ثقافة دستورية، وهو تسليط الضوء على اهم الفقرات التي يجب مراعاتها عند اقرار الدستور، حتى يتضح الامر للسياسيين وللمجتمع في ان واحد. (انظر، خطابات المرحلة ، محمد اليعقوبي، ج4 ص 67. وثقافة دستورية (الحلقة الاولى ج4 ص 104، الحلقة الثانية ، ج4 ص 143)

3.النقد المباشر لبعض فقرات الدستور التي تم تسجيل الاعتراض عليها، وقد جاء على ذكرها بشكل واضح وصريح، يقول:

وبالنسبة لي فأني ارى وجوب تعديل اكثر من فقرة لاضفاء الالزام الشرعي على الصياغة المنشورة في الصحف الرسمية للدستور:

منها: الشراكة الكاملة التي حصلت عليها اقلية لا تزيد نسبتها عن 20% مع الاكثرية العربية التي تقرب من 80% في كل شيء، كما يظهر من المادة الثالثة وغيرها وتعويق عمل الاكثرية وفرض رأيها عليها بأشتراط عدم نقض ثلثي ثلاث محافظات في كثير من مواد الدستور، فالمفروض ان تتمدد كل فئة بحسب حجمها على الارض، وكان احد اسباب هذا التمدد الذي وصل حد الابتزاز القاح الفتنة بين السنة والشيعة وخلق الفجوة بينهما مما جعل كلا منهما يتوجه الى الطرف الثالث الذي يبتز كلا منهما وكان عليهما ان يعيا هذه الحالة.

ومنها: عدم وضع مادة واضحة تضمن تدفق تصاريف من المياه كافية لمتطلبات الحاجة البشرية والاقتصادية والبيئية.

ومنها: تعرفه العراقي في المادة الثامنة عشرة انه من ولد من اب عراقي او ام عراقية، ومنح الجنسية العراقية لمن ولد من ام عراقية على اطلاقه ليس صحيحا، اذ يمكن ان تأتي لنا النساء العراقيات المتسكعات في شوارع الغرب باولاد لا نعرف اصلهم وتطالب بمنحهم الجنسية العراقية وهم لا يحملون شيئا من خصائص الهوية العراقية، وليس بلدنا كبلاد الغرب بلا هوية ولا خصائص بل لنا اعرافنا وتقاليدنا وانماط حياتنا واخلاقنا التي تميزنا، فلا بد من تقييد الفقرة بأن يولد ـــ من كانت امه عراقية دون ابيه ــ في العراق ويعيش في العراق حتى بلوغ سن الرشد وان يكون ابوه مقيما في العراق قبل زواجه من العراقية سنوات على الاقل ونحوها من القيود.

ومنها: اغفال ذكر (الاكراد الفيليين) ضمن الاقليات العراقية في المادة (122) رغم ذكر من هم اقل عددا، اضافة الى ما تعرضت له هذه الشريحة من اضطهاد وظلم وتشريد وقتل، وسعة انتشارها في محافظات عديدة فعدم ذكرها يشعرنا بالقلق على مصيرها حيث يراد تذويبها في المنطقة الكردية أي اخضاعها لسلطة اكراد شمال العراق، رغم انتماءهم الديني الى مدرسة اهل البيت (ع) غالب على قوميتهم الكردية مما يعني تذويب هويتهم والغاء شخصيتهم وهذا ما لا يمكن قبوله.

اما هذه الاخطار لا استطيع ان اضفي الشرعية على هذه الصيغة فلا بد من اجراء التعديلات التي لا تضر بأحد لكن ابقاءها على ما هي عليه يضر بالاغلبية الساحقة، واود ممن يشاركني هذا القلق ان يضغط معي لاصلاح الحال ما دام في الوقت متسع بأعتبار ان التصويت عليه لم يحصل وان اجراء التعديل الان اسهل من محاولته بعد اقراره.

لكنني لكي لا اصادر جهود الذين كتبوا الدستور وتعبوا في صياغته ولكي لا اصادر ارادة الشعب في اختيار الوثيقة التي تنظم حياته ، فإني اترك الباب مفتوحا امامه للاستفتاء بـ (نعم) على الدستور. (خطاب المرحلة ، خطاب رقم 94 بتاريخ 24/9/2005 ، بعنوان : المرجعية تطالب بإصلاح بعض فقرات الدستور قبل ان نقول له (نعم)، ج4 ص 149

فأي نبل وتحضر يتعامل به هذا المرجع، ولاحظ كيف انه واضح امام الجميع ، ودقيق في تشخيصه، وكيف يضع لمسات الطبيب الحاذق، دون اللجوء الى اساليب مريبة غير واضحة لا تأتي بالنتائج المتوخاة، فان المصلح لا يكفي ان يشخص بل عليه ان يختار الاسلوب الامثل لاقناع الاخر بمشروعه، فهو لم يلغ جهود العاملين، ولم يصادر ارادة المجتمع ولم يبخس الناس اشيائها.

اما موقف المرجعية (العليا) اليوم من القانون الجعفري فهو محير بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في البداية اوصلت رفضها لمجلس الوزراء عن طريق وزير المرأة وهي بدورها اعلنتها على الجميع، وعلى اثره تأجل التصويت عليه، وبعد مدة من الزمن صوت مجلس الوزراء على القانون، والسؤال هو : هل وافقت المرجعية (العليا) عليه ليحصل هذا التغير؟ والكل يعلم ان الجلسة التي تم رفض اقرار القانون فيها ، اعلن انه لا بد من قبول المرجعية عليه. فالذي نعتقده انها اوعزت لمجلس الوزراء بموافقتها. لكن الغريب ان اخبارا وردتنا هذه الايام عن وجود حركة غريبة وغير مسبوقة ، وهي دعوة المرجعية (العليا) لشرائح كبيرة من المجتمع العراقي الى كربلاء وتحديدا في مدينة الزائرين على نفقة المرجعية (اجور النقل والطعام والاقامة والزيارة)، ويلتقي بهم السيد محمد حسين العميدي مسؤول وكلاء السيد السيستاني، ويتحدثون معهم عن القانون الجعفري وما هي نقاط ضعفه ـــ بحسب وجهة نظرهم ـــ ويملئون عقولهم ضد القانون الجعفري. فما هو المغزى اذا من الموافقة عليه امام مجلس الوزراء؟ ولماذا تصرف كل هذه الاموال من اموال الفقراء والمحتاجين للترويج ضد القانون؟ فإذا كنتم ترون ان القانون فيه هفوات او شطحات لم لا تعلنوا ذلك للناس جميعا وبوسائل الاعلام لكي يعلم الجميع بموقفكم؟ ام ان وراء الاكمة ما وراؤها…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب