19 ديسمبر، 2024 12:04 م

في  محاضرة له في  جامعة جورج تاون في الدوحة ، اشار الكاتب الصحفي المعروف  محمد حسنين  هيكل  الى  ما يظهر ما  تداعيات الانسلاخ الزماني في المشرق العربي ، ان هناك  من يعرف  كيف يتوضأ بالدم  ولكنه لا يعرف كيف يصلي جماعة .
ومع هذه الاستعارة  الصحفية بامتياز لهيكل ، الصحفي المعروف  بلغته السلسة ، يبدو من الممكن القول ان  هذا  المثال يمكن ان ينطبق على اكثر  من مفصل في  المشرق العربي، ويبدأ  ذلك في  تحليل  مفهوم الجهاد   في الفقه  الاسلامي  مقارنة بمفهومه  في  الاسلام السياسي، لان  كلا الحالين  منفصلين بالكامل ، فما يذكر في الفقه الاسلامي  ليس بالضرورة يتطابق نصا وروحا مع  ما يذهب اليه دعاة  الاسلام السياسي  .
مشكلة اليوم  ما بين من  يدعو الى الوضوء بالدم  ولا يعرف كيف يصلي  جماعة ،ان الفكر السياسي للإسلام المعاصر  بدأ منذ  ايام  سيد  قطب  في الدعوة  للنهضة الاسلامية المبنية على اشكال  من الدعوة، فيما  مضت هذه الدعوة  بتدرجاتها الفقهية  المسيسة  ما بين  دار  الاسلام  ودار العداء وما فيهما لبس  في  تطبيقات الفقه الاسلامي  على  مفهوم  الجهاد بظهور  جماعات التكفير المنشقة  من  الاحزاب الاسلامية  التي اتخذت  الدعوة  نموذجا  لنشاطها السياسي  .
كل  ذلك جعل  الوضوء بالدم  حالة مقبولة  ليس بدم  من  دخل  دار  الاسلام  بالغزو  والاحتلال ا فوجب الجهاد عليه ، في  وقت اعتبرت هذه الفريضة الغائبة في الكثير من الفتاوى الدينية مقابل  فتاوى سياسية بمقاومة المحتل  لأسباب تتعلق بسلطة المؤسسة الدينية على الدولة ما دامت تفصل ما بين انموذج ادارتها  بالطريقة العلمانية وبين  ادارتها عبر المؤسسة الدينية ذاتها  وهذا ما حصل في  تطبيقات تعرف ب” التقية ” منذ غزو المغول التتار  لبغداد  واسقاط  الخلافة العباسية  وصولا الى الاحتلال الاميركي لها عام 2003  ، وهذا الغياب لفريضة الجهاد  بفتوى  مباشرة لا يجعل  المؤسسة  الدينية  ترفض فكرة الجهاد  او المقاومة من قبل  الاحزاب السياسية  والموازنة ما بين  الاعلان  الصريح  وبين  المناصرة الخلفية  للمجاهدين  ، هي التي  تجعل  مراكز اصدار الفتوى  لا ترفض كليا  اعمال  تنظيم القاعدة او ترفض  مواقف  الجماعات المسلحة في العراق  حصرا ، لكن  الواضح  ان هذا الصراع  انتقل  من  مجاله الزمني  والمعرفي الى  نموذجه الطائفي ، فالذي يناصر القاعدة جهرا  او بالخفاء ، يرفض النفوذ الايراني في العراق ، فيما  ترفض  هذه الجماعات المسلحة المدعومة  من ايران  الافكار  والممارسات التي  تنطلق من  الجماعات  السنية  وان  كانت اصلا  مقاومة  للاحتلال الاميركي ، واستعادة ما نشره بول بريمر في  كاتبه ” عامي في العراق”  يدلل  على ان  الكثير من القيادات الدينية ، سنية  وشيعية ، كانت في اسلامها السياسي  اقرب الى  رفض فكرة المقاومة المسلحة للاحتلال  الاميركي ، ولكنها  كانت اكثر قبولا  بفكرة فرض  نفوذها  وتواجدها على ارض العراق  باستغلال  فرضيات الوجود الاميركي عليه .
وهكذا انتقل الوضوء  بالدم  الاجنبي المحتل  لأرض الاسلام  الى  حالة  طائفية للوضوء بالدم المسلم  من قبل  مسلم اخر ، فالكل حين ينفذ  اوامر القاضي الشرعي  بأحكام الاعدام ، يكبر  باسم الله ، جل  جلاله ،  وهو  يقتل  في احكام  القانوني الوضعي ، لأنه ينفذ احكاما  لا علاقة لها بالقانون  السائد في  ادارة الدولة ،  وهكذا يتوضأ بالدم  المسلم  وهو  يجده السبيل  نحو  رضا الله  والجنة  والخلود  حتى اذا  فجر نفسه  بجمع  من المسلمين  وهذا ما يحصل في عراق اليوم  .
  هل الخطأ في الفكر الاسلامي الجديد، وهو يكفر المسلم الاخر، مهما  كانت طائفته  ومهما كانت افكاره ، وحتى مهما كان نوع ظلمه حاكما مستبدا ،هل  الفكر الاسلامي يجيز  قتل السلطان الظالم  ؟؟  ام التغيير  يكون من خلال  الدعوة بالتي  هي احسن؟؟
  هذا ما يحصل في عراق اليوم  تحديدا ، ربما سعى هيكل في  محاضرته الى طرح رؤياه المستقبلية  عن المشرق العربي ، من دون ان يستذكر  كتابه “مدافع آيات الله” الذي  انتقد فيه الخطاب  السياسي للأمام الخميني  وتهديده للمشرق العربي ، لكن الحقيقة الاكيدة  ان هذه المدافع  قد اضيف لها  نموذج القاعدة  التكفيري بمعنى  كلمة  مدافع  لهدم  معالم  حضارة المشرق العربي الاسلامية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات