مايجري من أحداث دراماتيكية مأساوية في العراق الان ينذر بحدوث كوارث لايعلم الا الله مدى ماتجره على البلد من ويلات ومآس ومستقبل مظلم، ويزيد في تفاقم اوضاعه هو هذه اللامبالاة الاميركية والدولية وحتى العربية أزاء ما يجري في العراق أحداث كارثية !!
أجل..فالمشهد السياسي العراقي يموج تحت نيران الطائفية المستعرة، التي يؤجج فصولها قادة الاحزاب الطائفية ومن يخلفهم في ركوب الموجة ، حتى الان ، ولم تشبع من كؤوسها المترعة بالدم ، لأن هناك جوعا قديما ، يؤكد ان شهيتها الى القتل والدمار واستباحة الحرمات لم تنته فصولها بعد!!
مايجري من تداعيات أمنية الان في العراق يكاد يحرق الأخضر واليابس ، ويحول هذا البلد الى بركان، قد يصعب السيطرة على انهياراته، اذا ما تم تصعيد (الاسطوانة الطائفية ) الى أقصاها بفعل قوى تجد في هذه ( الاسطوانة المشروخة ) فرصتها لتكون هي المسيطرة على المشهد الطائفي الذي تغلي براكينه الان ، ولا أحد بمقدوره أن يتنبأ الى أي مصير يمكن ان يؤول اليه هذا المشهد من تداعيات، سوى القول ان الوضع مأساوي للغاية ويدعو للرثاء والأسى، وعامة الناس وبخاصة في العاصمة بغداد قلقون على أحوالهم وعلى ما ستضمره لهم الأيام الحبلى من مفاجآت غير سارة بالتأكيد !!
المشهد السياسي العراقي الان خارج عن كل الحسابات، وفوق مستوى قدرة المحللين السياسيين على التنبؤ بمجرياته ، فالحكومة مشتتة القوى وتائهة ولا تملك القدرة على السيطرة على الوضع ، كما أن القوى الخارجية ودكاكين الشعارات الطائفية التي ازدهرت هذه الايام هي من تتحكم في مسارات هذا المشهد التراجيدي، أما اهل العراق الحقيقيون فهم خارج دائرة الحضور في تداعيات هذا المشهد، وهناك ساسة وجماعات مسلحة متعددة الولاءات وتتصارع فيما بينها ومع الاخرين وهي من تهيمن على هذا المشهد وتصب الزيت على النار ليزداد إشتعالا!!
اما الولايات المتحدة فمنشغلة هذه الايام بحفلات الترويح لمرشحي رئاستها ، وما يجري في العراق لايهمهم كما يبدو من قريب او بعيد ، ان لم يجدوا في تداعيات هذا المشهد فرصتهم في ان أفضل طريق يخلصهم من معاناة هذا البلد ووجع الراس هو في الاكتفاء باعلان بعض البيانات الخجولة لادانة تداعيات هذا المشهد والاكتفاء بمراقبة تطورته عن بعد ، وكل ما يجري من تصارع قوى وتفجيرات وانهيارات أمنية ، يقدم خدمة جليلة للولايات المتحدة في انها كانت تتمنى ان يصل العراق وحتى بعض دول المنطقة ومنها سوريا الى هذا الوضع.
ومن وجهة نظر مراقبين فأن تصريحات مرشحي الادارة الامريكية ستبقى تتخذ مما يجري في العراق فرصة لكي يتبوأ آخرون سدة الحكم في البيت الأبيض، ويبدو ان حظ هيلاري كلينتون هو في تصاعد ، أما ورقة اوباما فقد احترقت ، بعد ان اظهر الرجل لامبالاة ازاء مصالح أمريكا الكبرى وعرض سمعتها لمخاطر جمة ابرزها خنوع الادارة الامريكية وتوجسها المستمر ، وتخوفها من تبعات ماعانته في العراق بعد الاحتلال ، وما تلقي عليهم تداعيات الاوضاع في العراق من انتقادات حادة لأساليب حربهم الكارثية ضده ، وتقديم خسائر باهضة من الارواح والأموال ما كان على الولايات المتحدة ان تضطر لتقديمها من اجل احتلال العراق ، وهي من اوصلته الى هذه الحالة التي لاتحسد عليها ، حتى تراجع دور الولايات المتحدة وانكفأت الى الداخل الاميركي مرة أخرى، وما صاحبه من موجة انتقادات لهذه السياسة حتى راحت موسكو وايران تلعب بذيلها لتواجه امريكا وتتسبب لها بمتاعب على أكثر من صعيد !!
ويجد بعض العراقيين في تسلق كلينتون لسلم الرئاسة الامريكية لتعتلي عرش البيت الأبيض هذه المرة وخبرتها في التعامل مع الملف العراقي وتواصلها مع بعض قياداته ، انها يمكن ان تعيد تصحيح معادلة الوضع العراقي لكي يشهد حالات تحقيق من الامن والاستقرار، لأن مايجري في العراق من أساليب تعامل حكم يكاد يشكل بالنسبة لكلينتون ( هما ) ينبغي ان لايستمر هكذا في العراق، وان الولايات المتحدة من وجهة نظرها لابد وان تعيد تصحيح ما ارتكبته من اخطاء كارثية في العراق في وقوفها المنحاز لجماعات محددة ، وضعتهم على سدة السلطة وهم من اوصلوا البلد الى هذه الحالة المأساوية ، وهي لديها ( حسابات ) متعارضة تماما مع هذا التوجه، وبإمكان اللوبي العربي والخليجي ،على وجه التحديد ،ان يساعد كلينتون في رفع درجة التأييد لها وزيادة شعبيتها داخل الولايات المتحدة، ان احسنت التعامل مع حملتها الانتخابية، فهي على خلاف أغلب مرشحي الرئاسة الامريكية لديها وجهات نظر أقرب الى الواقعية ، أزاء التعامل مع الملف العراقي ، وبإمكانها ان تعيد تصحيح المشهد العراقي، حسبما تحاول ان تؤكده في تصريحاتها، بأنها أعلنت أكثر من مرة ان اختلال توزيع السلطة في العراق ، وترجيح كفة على أخرى كان احد أسباب وصول العراق الى كل هذه التداعيات المأساوية..!!
والعراقيون بعد كل هذه المآسي المترعة بالدم والخراب ينتظرون ما اذا كانت لدى كلينتون الفرصة في ان يجدوا فيها ما يحقق لهم بعض أحلامهم في الأمن والاسلام والاستقرار الحقيقي ، ويعطى لأهل العراق حقهم في ان يكونون هم الاوصياء على بلدهم وهم من يديرون دفة الحكم، ويتم دفع التدخلات الأقليمية بعيدا ، كي يتخلص العراق من أوبئتها الكارثية، التي أوصلت هذا البلد الى كل هذا التصارع الرهيب والخراب والدمار الذي أصبح السمة الغالبة على مدنه، حتى ان بغداد تحولت الى ما يشبه قرية مهجورة في احد مدن الدنيا الخربة، تئن حتى الحيوانات على ما وصلت اليه اوضاعها من أحوال!!
والعراقيون في كل الأحوال، لم يعد لديهم بصيص أمل ينقذهم من أهوال بلد يسير بالمجمل الى المجهول ، فبركان الموت لاتخمد ثوراته وهياج بعض السياسيين وتعطشهم للدم لن يتوقف كما يبدو، وان استمرار مسلسل الرعب والدمار لايشجع على ان يكون هناك ضوء في نهاية النفق بإمكان العراقيين أن يخلصهم من ظلامه الدامس، ولم يتبق سوى رحمة رب السموات،وعنايته الآلهية ، فهي الوحيدة التي بإمكانها ان تحول هذا الحلم الى حقيقة!!