قبل تفاقم الاحداث واحتدام الصراع العسكري في ست محافظات عراقية بين السلطة وانتفاضة هذه المناطق ، كانت المنظومة الصحية والطبية العراقية تعاني من تدهور وانهيار كبير بعد غزو العراق عام 2003 بسبب تعرضها لتفكيك مستمر في حلقاتها الإدارية والفنية والتخطيطية والخدمية ومخصصاتها المالية وما عانت منه من فساد وتخبط مالي وإداري وتخطيطي واستمرار موجات النزوح والتهجير للكوادر الطبية يشكل متزايد ، وذلك ما وثقته دراسات أكاديمية وعلمية ومهنية دولية عديدة كان آخرها ما نشره باحثون بضمنهم خبراء عراقيون من كلية الامبريل الطبيه البريطانية ومنظمة الصحة الدولية التي حذرت من مغبة هذا التدهور في القطاع الصحي العراقي ، والذي أدت كل الظروف والنزاعات والمتغيرات التي واكبت الاحتلال بضمنها حالة العنف وفقدان الأمن واستمرت لغاية اليوم الى نخر مضننً فيه .
اليوم ومنذ أكثر من ست أشهر ، وبعد ان تحول الصراع على السلطة الى صراعا عسكريا متفاقما واتخذ هذا الصراع أطراً أكبر من الصراع العسكري ليصبح ذريعة لدخول أطراف متطرفة وميليشيات مقاتلة و دول إقليمية ودولية توفر له الغطاء المادي والسلاح الجوي والعتاد الأكثر ضررا وتأثيراً ، وفي ظل فقدان حالة الحسم العسكري لهذا الصراع وتشابكه مع الوضع السياسي العراقي والدول المحيطة بالعراق وانسحاب قوات الاحتلال وانحصار الدور الامريكي وتخليه عن الدور المسئول لحل هذا الصراع كدولة احتلال بعد ان اصبحت إدارة اوباما تكرر الاعترافات والتصريحات بشأن خطأ الادارة الامريكية في حقبة بوش بقرارها لشن عملية غزو العراق ، ومحاولة تملصها من هذه المسئولية ، وبسبب طبيعة حالة الكر والفر والتقدم والانسحاب في طبيعة الصراع العسكري في مساحة قتال تقارب من نصف مساحة العراق ، بدا واضحا أن الوضع الصحي لما يقارب النصف من سكانه أصبح خطيرا ومتفاقما بما يشكل حالة إبادة إنسانية ودموية واضحة . تجاوزت اعداد النازحين العراقيين بعد الصراع الأخير الى ما يقارب مليوني شخص زيادة عما كانت عليه الأعداد السابقة بسبب حالة الوضع الأمني السيء التي اعقبت الاحتلال منذ حدوثه .
اليوم يقتل وينزح ويهجر ويحرق ويقصف وتصوب المدافع والبراميل المتفجرة والقصف العشوائي ، المدنيون من السكان والعوائل وطلاب المدارس واماكن العبادة ودوائر الخدمات والبنية التحتية والمقرات بسبب تواجد المنتفضين والمقاتلين داخل المدن والقصبات فتشكل هذه الصدامات والاشتباكات خسائر كبيرة بشرية ومادية وتسبب حالة روع نفسي ونزوح جماعي حفاظا على العوائل بشكل سريع بدون تجهيزات او غذاء او كساء او ماء باتجاهات متعددة للخلاص بالنفس فقط . وبسبب تعدد أطراف و واجهات الصراع واتخاذه سمة الصراع الطائفي وانهيارات الجيش المتكررة ، تكررت رحلات النزوح لنفس المهجرين الى أماكن متعددة بسبب مسك المدن وانهيار الخدمات البلدية والصحية والاروائية وحدوث عمليات إغراق وفياضانات سببها استهداف السدود والخزانات المائية ،كذلك تسبب هدم الجسور ومسك الطرق الرئيسية وتفخيخها الى قطع التجهيزات الطبية وتامين استلامها وحرق المستودعات الطبية وهدم والمراكز الطبية والمستشفيات عرضيا او استهدافا ونزوح الكوادر الطبية المحلية .
هذا الوضع مستمر بهذا الواقع منذ أشهرعديدة امتدت جذوره منذ سنوات ، نفذت فيه كل المستلزمات الطبية العلاجية والخدمية ونقص الكوادر بالرغم من ضخامة الخسائر البشرية وسوء الخدمات وفقدان امكانية توزيع الرواتب للموظفين والمتقاعدين والعوائل النازحة .
تصلني نداءات هاتفية ومقروءة من الموصل وتلعفر وسهل نينوى وصلاح الدين والفلوجة والانبار وديالى مدنا واقضية ونواحي واحياء وقصبات وقرى عن حالة مزرية من الفقر والحرمان وظروف الحر والجفاف الشديد وفقدان الدواء لا بل حجتى الماء والكساء والسكن لاعداد كبيرة من النازحين والمحاصرين العراقيين ، مرضى السكري والفشل الكلوي وامراض القلب والجرحى والحروق لا تتوفر ولا يمكن وصولها بسبب الحصارات العسكرية لداخل هذه المدن والمحافظات من مدن ومحافظات اخرى ولا تستطيع السلطات الحكومية المتبقية او المنتفضون المهيمنون على مراكز هذه المدن توفيرها او استيرادها حتى في حالة توفر المال لدى اطراف السلطة الحاكمة وهذه النداءات صدرت من اطباء واداريين واعضاء مجالس محليين وناشطين في منظمات انسانية وحقوق الانسان والكل يستغيث بتوفير غطاء انساني ودولي لمنظمات اغاثة عالمية توفر المستلزمات والادوية والمحاليل والضمادات الضرورية للحياة بنفس الاسلوب الذي توفر دول متحضرة عديدة استعداداتها اليوم لتجهيز العتاد والسلاح والطائرات للسلطة بذريعة مكافحة الارهاب وداعش وغيرها وحقيقة الآمر ان استمرار هذا الصراع العسكري بكل وسائل دعمه لن يحل الصراع دون توفر حالة وفاق وطني سياسي وان استمراره يعني المزيد من العنف وسفك الدماء وحرب الإبادة التي يذهب ضحيتها بشكل مكثف الانسان المدني والمواطن العراقي اما بشكل مباشر بسبب الصراع القائم او بشكل غير مباشر ولكنه جماعي بسبب الحرمان من الحياة الآمنة والسليمة التي تكفل الحياة بابسط مقوماتها .
بعيدا عن السياسة ودروبها وبعيدا عن طبيعة الصراع على السلطة وحروب النيابة في العراق والمنطقة واسبابها ونتائجها ، إن الوضع الصحي في العراق وبالذات لسكان مناطق الصراع والقتال والحصار الذي يمتد لأكثر من نصف مساحة العراق شمالا وغربا وحول العاصمة بغداد وحزامها أمر خطير يصل لحد الإبادة البشرية للإنسان والمواطن العراقي ، وهذا الخطاب هو بمثابة نداء لكل دول العالم بضمنها دول الغزو والاحتلال والدول الإقليمية عربية وإسلامية ودولية والمنظمات الإنسانية والصحية للإسهام من أجل إغاثة العراقيين وانقاذهم وهم يعانون من اكبر كارثة وأزمة إنسانية خطيرة ومهلكة .