لم يتبقى إلا أشهر قليلة وتنطلق الحملة الانتخابية الكبرى لاختيار الحكومة التنفيذية والتشريعية الجديدة . وما بين ما تبقى وما بين ما يجري تظهر سلسلة التوقعات التي قد تصيب هنا أو تخيب هناك رغم كون تلك التوقعات حالة لا يمكن الاعتداد بها ما لم تبرر بمنطق تحليلي مقنع .
ولكن من خلال ما نستقرأه من أحداث الساحة السياسية الآن نجد إن التحركات الكتلوية والحزبية قد بدأت استعداداتها منذ وقت مبكر رغم عدم ظهور ذلك للعلن.
وما يجري خلف الكواليس سيظهر للعلن أثناء الانتخابات أو بعدها ، ولعل ما سيظهر سوف يشكل مفاجأة أو امرا مستبعدا لم يدخل في توقعات وحسابات المحللين والمتابعين .
وأكثر ما يلفت النظر ألان هو التحركات المكوكية للكتل والأحزاب للدول التي تساندها وتدعمها رغم إن هذه الزيارات تجري بسرية تامة أو بالعلن تحت حجج وأعذار بروتوكولية معتادة.
فاللاعبون الكبار في الساحة السياسية هم من سيطالهم التغيير، أما بتفتيت تحالفاتهم وقوائمهم أو باندماجهم مع كتل وأحزاب أخرى لتكوين قائمة جديدة خصوصا وان (سانت ليغو ) الانتخابات قد يحدث شأنا للكتل الصغيرة ويجعلها رقما مؤثرا في تحديد النتائج الانتخابية وتوجه التحالفات الجديدة .
فتحالف دولة القانون قد يشهد تغييرا جوهريا بدخول كتل وأحزاب وشخصيات جديدة تتوافق تماما مع منهاجه وتشكل عامل قوة لإرباك طموحات وتطلعات الكتل الأخرى وقد يحدث خروج كتل أخرى ، حيث ما زال السيد المالكي يمثل الثقل الأكبر في أي تجمع او تحالف يقوده .
ولعل كتلة مستقلون للسيد الشهرستاني هي احد الكتل المرشحة للانسحاب من دولة القانون وربما يتبعها كتلة منظمة بدر التي يرأسها السيد هادي العامري التي يبدو إنها تريد أن تدخل الانتخابات بصورة مستقلة أو تعود للاندماج مع المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة السيد عمار الحكيم .
أما كتلة المواطن التي يتزعمها القيادي في المجلس الأعلى السيد باقر جبر صولاغ الزبيدي والتي حققت نجاحات غير متوقعة في الانتخابات المحلية ربما يغري هذا النجاح بعض الكتل للانضمام إليها وخصوصا كتلتي الشهرستاني والعامري فتشكل قوة لا يستهان بها في الانتخابات القادمة .
أما الكتلة الصدرية فهي من اعتمدت سياسة المناكفة مع حكومة المالكي وحاولت بكل السبل تسقيطها من خلال الضخ الإعلامي المضاد تارة ومن خلال التحالف واستغلال مواقف الطائفة الأخرى وإعلامها تارة أخرى .
ولذلك فان التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر لا يمكن بأي حال أن يتوافقوا مع المالكي خصوصا بعد أن وصلت الأمور إلى نقطة القطيعة ولكنها ليست القطيعة النهائية .
فالصدر راهن على ولاءات ربما تكون خاطئة من خلال اعتقاده بإمكانية استمالة السّنة نحوه ،
أو على الأقل خطب ودهم لأسباب قد تبدو مغايرة لمنهج التحالف بصورة عامة والتيار بصورة خاصة تتمثل بعدم إعطاء الفرصة لأي كتلة أو شخص من السّنة للتحالف مع المالكي بقصد حصر تحالفاته وهذه استيراتيجية خاطئة أيضا لان المالكي يمتلك الكثير من الأوراق التي سوف لا يكشفها إلا بالوقت المناسب من خلال تحالفات خارج نطاق التوقع وستكون من نفس الجهات التي راهن عليها السيد مقتدى .
بالإضافة إلى إن السيد المالكي يمتلك فسحة كبيرة من المناورة بين المحافظات تتيح له حصد الكثير من الأصوات ناهيك عن المؤسسات الأمنية التي ستشكل رقما مهما لصالح المالكي .
والواضح إن السيد الصدر يرغب بالتحالف مع المجلس الأعلى وهذا ما صرح به وهذا التحالف قد يسبب مشاكل عدة له أولها انفراط عقد التحالف الوطني بحكم عدم توافق التيار الصدري مع دولة القانون وخروج دولة القانون من التحالف يضعفه بحكم الثقل الجماهيري الذي يتمتع به.
وهذا الواقع قد يضع المجلس الأعلى بين المطرقة والسندان بالإضافة إلى كونه يسبب إحراجا لأطراف أخرى لعل في مقدمتها تيار السيد الجعفري وحزب الفضيلة والدعوة تنظيم الداخل الذين سيكون مع المالكي دون غيره من اجل الحفاظ على قوة التحالف .
فيما ستجرى محاولات عدة لإعادة ترتيب بيت التحالف الشيعي من خلال عدة مسالك أولها دخول جمهورية إيران الإسلامية للوساطة وتهدئة الأوضاع بين الكتل الشيعية وخصوصا التيار الصدري الذي لا يبدو إن إيران تنسجم مع تطلعاته.
والثاني دخول السيد جعفر محمد باقر الصدر على الخط للقيام بوساطة بين الصدر والمالكي لإعادة المياه إلى مجاريها أو ترطيبها على اقل تقدير مستغلا الاحترام والتقدير الذي يكنه له السيد مقتدى الصدر والتيار الصدري بحكم القرابة التي تربطهما أولا وموقف السيد جعفر الأخير الداعم للصدر.
بالإضافة إلى احترام المالكي الشديد للسيد جعفر لكونه نجل مؤسس حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه المالكي ويشغل منصب الأمين العام له .
ولو نجحت تلك الوساطة في التقريب بين المالكي والصدر لحدث انقلاب في موازين القوى بالعملية السياسية حيث سينضم وبصورة تلقائية المجلس الأعلى ومكوناته إليهما فيما ستلتحق بقية الكتل والتيارات الشيعية بركب التحالف ليشكل قوة كبيرة تسيطر بشكل كامل على السلطتين التنفيذية والتشريعية إذا ما توافقت الكتل المنضوية بالتحالف على أسس وضوابط يلتزم بها الجميع وليس كما يحصل ألان .
أما متحدون وهو الثقل الأكبر للسّنة فإنها ستكون الفرس الرابح لطائفتها وستحظى بأغلب أصواتها خصوصا بعد أن أثبتت تماسكها في الانتخابات المحلية وحققت نجاحات لا يمكن نكرانها أو تجاهلها .
وهي مرشحة لان تفقد بعض الأصوات في الانتخابات القادمة ما لم يتم تسوية قضية رافع العيساوي قانونيا وحكوميا خصوصا وان العيساوي لا يحظى بمقبولية في بقية المحافظات السنية باستثناء الأنبار ولعل قادة متحدون يدركون ذلك وسيتعاملون مع الأمر بعقلانية ومنطقية .
وتسعى متحدون برئاسة السيد أسامة النجيفي إلى سحب البساط من قائمة علاوي التي ستشكل مشكلة بالنسبة لها حيث سيسعى علاوي إلى لم شتات قائمته من خلال الترغيب والإغراء بالامتيازات والمناصب فيسلك احد المسلكين أما إقناع بعض المنضوين تحت خيمة متحدون لتركها، أو العمل على النيل منها إعلاميا لإرباكها وتفتيت قياداتها رغم قناعتنا إن المسلكين سوف يفشلان خصوصا إذا ما بقي المطلك والعيساوي وأبو ريشة والحزب الإسلامي مع متحدون .
أما القائمة العراقية التي ستغير اسمها حتما فسيسعى زعيمها السيد أياد علاوي إلى انتهاج أساليب قد لا تجعله يقع في نفس الفخ الذي وقع فيه بالانتخابات الماضية عندما حصد الكثير من الأصوات إن لم اقل اغلبها ولكنه خدع بمطالبة البعض للتمسك بعناد بمنصب رئاسة الوزراء .
وقاموا بعد أن استغلوا تمسكه بالحصول على ذلك المنصب بتوزيع المناصب العليا فيما بينهم دون أن يمنحوه شيئا ، فخرج خالي الوفاض ، فشعر بأنه خدع وأصبح كمن وضع في فمه موسا فهو لا يستطيع ابتلاعه ولا يستطيع إخراجه.
وأصر رغم ذلك بمعاداة ومحاربة حكومة المالكي بدل أن يحارب من خدعوه ، ولعل في هذه المرة سوف لا يخدع علاوي ولربما سيتوجه إلى السيد المالكي لضرب متحدون من جهة ولاستغلال ثقله مع ثقل المالكي لتوجيه ضربة لعصفورين( متحدون والتيار الصدري ) بحجر واحد وان كان مثل هذا التوجه لا يحتل إلا المرتبة الأخيرة في تفكير كلا الطرفين إن لم اقل لم يفكرا به الآن على الأقل .
ورغم إن حظوظ علاوي في الانتخابات القادمة يستحيل أن تكون مقاربة لحظوظه في الانتخابات السابقة لعدة أسباب منها إن علاوي خذل جماهيره وابتعد عن مشروعه ولم يتخذ أي منهج في تعامله وتعاطيه مع العملية السياسية.
وفشل في كل مساعيه الرامية لعرقلة العملية السياسية بعد أن استطاع المالكي من التصدي لكل محاولات علاوي التي وصفت من قبل المحللين بـ( البائسة ) .
أما الأكراد فسيكونون ليس بالمستوى الذي كانوا عليه في انتخابات عام 2010 بسبب تشظي المواقف بين الأكراد واختلافها بشدة أكثر من ما شهدته انتخابات 2010.
وسيترك الرئيس الغائب الحاضر جلال طلباني فراغا قد يستغله جماعة البارزاني لتحقيق مكاسب إضافية خصوصا مع حالة الإرباك التي تسود حزب الطالباني بسبب غيابه .
بل قد يعمد جماعة البارزاني إلى تأجيج صراع خلافه الطالباني بين حزبه ليكسبوا الوقت للضغط باتجاه تحقيق مكاسب حزبية لهم على حساب حزب الطالباني رغم ما يعانوه من مشاكل مع حركة التغيير والحزب الإسلامي الكردستاني اللذان حققا مكاسب فاقت توقعات الحزبين الكرديين .
ولربما يفقد الأكراد بعض تأثيرهم على السلطتين ببغداد فيعمدوا إلى زرع الخلافات بين السنة والشيعة ليكونوا بيضة ألقبان التي يسعى الجميع للحصول عليها كما فعلوا في الانتخابات السابقة.
ولعل منصب رئيس الوزراء سيكون هو المنصب الذي يشعل لهيب المنافسة رغم إن التكهنات الكثيرة تؤشر لاتجاه المالكي نحو ولاية ثالثة رغم كل ما يبذله فرقائه وأنداده من جهود سياسية وإعلامية للإطاحة به ،
إلا إن المؤشرات تدل على وجود شخصية كبيرة ومؤثرة ستحسم نزاع رئاسة الوزراء لصالح المالكي وهذه الشخصية هي من الداخل وليست من الخارج لكي لا يساء الظن .
أما مرشحي المجلس الأعلى فهما باقر جبر صولاغ وعادل عبد المهدي فهما أطرافا ليست مرغوبة من السنة الذين يفضلون المالكي على هؤلاء بسبب موقف الأول عندما استوزر الداخلية وإطلاق لقب ( أبو الدريل ) عليه والثاني بسبب فضيحته بخصوص سرقة مصرف الزوية في الكرادة .
أما مرشحي الصدر فاغلبهم لا يتمتعون بالمقبولية باستثناء قصي السهيل والذي لا يمكن للسيد الصدر أن يرشحه بسبب مواقف السهيل من بعض الأمور التي لا تتناسب وتطلعات الصدر وتصرفاته وهو ما دفع السهيل لتقديم استقالته التي قبلها الصدر ولكنه تراجع عنها بعد أن لاحظ مقبولية السهيل من قبل السياسيين ،.
ولذلك فان السهيل مستبعد أوتوماتيكيا ولم يلحظ أي مؤشر أو تنويه لشخصية مرشحة لهذا المنصب رغم صعوبة أن يناله الصدريون .
ويبقى لتدخل دول الجوار وأمريكا دورا كبيرا في العملية السياسية الأمر الذي ينذر بنسف كل التوقعات ويشكل مفاجأة مدوية إذا لم اقل بأنه سينسف العملية الانتخابية ونتائجها برمتها .