23 ديسمبر، 2024 2:12 م

الوضع الأمني في العراق ليس كما يصفه السياسيون وتتناقله وسائل الإعلام

الوضع الأمني في العراق ليس كما يصفه السياسيون وتتناقله وسائل الإعلام

باتت عقدة الوضع الأمني المتردي في العراق مستعصية على الفهم والحلِّ معا ! ولا نسمع او نجد أحدا يشخّصها بدقة ويكشف ملابساتها, ولا احد يقترح الحلول لها . وكل ما تتناقله وسائل الإعلام من تحليلات ومقالات, وكل ما يصرح به السياسيون من جميع الجهات المختلفة والمتخالفة لا يعدوا ان يكون توظيفا وتوصيفا غبيا وتافها وسطحيا لهذه المشكلة وبعيدا عن الحقيقة , وكل ما تقوله الحكومة برئاسة نوري المالكي يندرج مع ما يقوله خصوم المالكي في عملية تسطيح المشكلة وتوظيفها لأهداف سياسية شخصية وحزبية , ولكن الأكيد ان بعض السياسيين العراقيين يعلمون عمق وحقيقة هذه المشكلة ويصمتون إزاءها في محاولة منهم لاستثمارها سياسيا, ان لم يكونوا هم أنفسهم وراءها او جزءا منها , والبعض الآخر من السياسيين عاجزين ومحكومين بمرجعيات المشكلة نفسها. والحقيقة ان المشكلة ليست تقصير امني او نقص خبرات في قوى الأمن العراقي, – مع اننا ندرك ضعف هذه القوى على المستويات كافة –
إذن, ما هي المشكلة الحقيقية في تردي الوضع الأمني الذي يخطف يوميا العشرات من أرواح العراقيين !؟ ولكي لا ندخل من باب تسطيح المشكلة كما يفعل البعض, علينا مراجعة التاريخ القريب في المنطقة والمشاريع التي طرحت قبيل وأبان احتلال العراق ومعاينة الواقع الراهن في محيط العراق او ما يسمى الشرق الأوسط او الدول العربية . وكلنا يتذكر مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رسمته تل ابيب وتبنته واشنطن كمنفذ وراع له, وكلنا شهدنا التغيير الدراماتيكي ألغرائبي الذي قلب الشعوب العربية من مستكينة الى ثائرة ودموية بعمياء مطلق كما هي الحال في ليبيا وسوريا واليمن وحتى في مصر وتونس . كل هذه الأحداث وما سبقها في العراق لم تكن عفوية او عشوائية او حدثت صدفة . من هنا نستطيع القول وبشكل اكيد ان الأمن في العراق هو جزء من المشروع الستراتيجي الإسرائيلي الأمريكي الذي يُنفذ في المنطقة . واعتقد ان ليس هذا القول بجديد ولكن الجديد فيه هو اعتقاد البعض ان احتلال العراق وتغيير نظامه وهدم بناه التحتية بالكامل ومن ثم انسحاب الجيش الأمريكي . مرحلة حققت كل أهدافها وانتهت , وان شراكة رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني مع الصهيوني دفيد ليفي في صناعة المجاميع الإرهابية من قبل في العراق قد انتهت هي ايضا .  نعم لقد تحققت الأهداف التكتيكية لمشروع الشرق الأوسط “الستراتيجي” الجديد في العراق, بانسحاب الجيش الأمريكي وتشكيل حكومة عراقية منتخبة وغيرها من الأهداف الأولية, ولكن الأهداف الستراتيجية  لمّا تزل غير متحققة ومنها تقسيم العراق واعلان دولة كردستان , وغيرها مما نعلمه ومما لا نعلمه . وما إعلان واشنطن بتوسيع جهدها المدني والمخابراتي في العراق, الا بداية الجزء الثاني من المشروع الستراتيجي للشرق الأوسط الجديد –  قسم العراق –  وفي هذا الجزء يعتمد المشروع على أدوات ومحاور عديدة ومختلفة . منها المحور السياسي المعرقل بل المدمر لبناء دولة العراق . وفي هذه المحور يعتمد المشروع على الساسة العراقيين الذين يعملون  كشركاء في هذا المشروع مثل مسعود برزاني, وآخرين لا يعلمون ولكن المشروع خطط لإيهامهم واحتوائهم وجعلهم يعملون فيه ومن اجل تحقيقه , وهؤلاء غالبية الساسة العراقيين . ومن خلال المحور السياسي تتداخل المحاور الأخرى , التي تدمر الإنسان العراقي ماديا ومعنويا لتحقق أهدافها . كمحور الخدمات عامة, والكهرباء خاصة , اذ يدفع تردي الخدمات وانعدام الكهرباء إلى نقمة شعبية مستدامة على الحكومة لا تُعرف نهايتها, ما يدفع الشعب الى طلب تقسيم العراق باسم الأقاليم الفدرالية , خاصة وان إقليم كردستان قد اعده وجعله المشروع الإسرائيلي الأمريكي أنموذجا لتشجيع العراقيين على الانفصال بأقاليم , خاصة مع الفشل المستمر للحكومة المركزية, وقد شهدنا مؤخرا كيف يعمل محافظ الموصل اثيل النجيفي مع مسعود برزاني من اجل فصل الموصل عن حكومة المركز . وقبلها دعوات الأقاليم في الوسط والجنوب . والى جانب محور الخدمات اعتمد مشروع الشرق الأوسط – قسم العراق – على المحور الاقتصادي وخاصة المالي . ونلاحظ اليوم كيف يعيش الشعب العراقي سطوا مشرعنا على مقدراته ومدخراته المالية من خلال الفساد والبضائع الرديئة والفاسدة التي يغرق فيها السوق المحلي , ولكن يظل المحور الأخطر هو المحور الأمني , وهذا المحور تديره شبكة مخابرات متخصصة من إسرائيل وأمريكا ودول متعاونة معهما ناهيك عن بعض الساسة والمتنفذين في الوسط السياسي العراقي وهذه الشبكة هي اقوى بكثير من كل الجهد الأمني والاستخباراتي والعسكري العراقي . وهي لا تدير العمليات الإرهابية بصيغة واحدة او من قبل جهة واحدة , فمرة تديرها بشكل مباشر ومرة بشكل غير مباشر من خلال عملاء ومتعاونين ومرة ثالثة من خلال التبني غير المرئي للجماعات الإرهابية . ولكي لا نذهب بعيدا لنعمل مقاربة بين الوضع في سوريا والوضع في العراق . اذ ان الإرهاب والقتل في سوريا ليس جهدا شعبيا , فالشعب قد يتظاهر ويعتصم ويشكل عصيانا مدنيا وقد يخرب وينهب ولكنه ابدا غير قادر على إدارة معركة بأسلحة حديثة وفتاكة كما في سوريا . انها مجاميع جرى إعدادها وتدريبها وتسليحها ودعمها لوجستيا وإعلاميا من قبل دول كبرى وعظمى كأمريكا وفرنسا وغيرهما . واذا كان مشروع الشرق الأوسط الجديد قد هيأ ووفر كل هذا الجهد الإجرامي المسلح في سوريا, فانه لا يعدم توفيره في العراق خاصة وان العراق فيه حكومة ضعيفة ومخترقة من الداخل والخارج وليست كحكومة سوريا , والعراق مستباح منذ العام 2003 وان قدرة أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد على ضرب نظام قوي ومتماسك ويمتلك قاعدة شعبية واسعة كما في سوريا , لا يصعب عليهم ان يغذوا ويديموا وينموا الإرهاب في العراق . وخلاصة القول ان العراق لمّا يزل مستهدفا وعليه دفع الكثير من أمنه ووحدته ووجوده , والحال هذه فان النظام السياسي العراقي الراهن ( برلماني اتحادي ديمقراطي) هو الاساس والبوابة التي يدخل منها اعداء العراق والمنطقة لتنفيذ مشروعهم . فالنظام البرلماني وفق التركيبة الديمغرافية العراقية لن يسمح بوصول حكومة قوية او حتى حزب وطني عراقي يمثل كل العراقيين او غالبيتهم العظمى , ما يعني بقاء البلاد في صراع سياسي ابدّي متكافئ, تحجم فيه الأطراف السياسية بعضها البعض والكاسب الوحيد هو مشروع الشرق الأوسط الجديد والساسة الانفصاليون الفيدراليون والطائفيون والقوميون – وليس شرائح الشعب التي يمثلونها – اما الديمقراطية وحقوق الإنسان , فستكون ليس لصالح الشعب بقدر استخدامها كاداة لمحاربة اية حكومة قوية قد تنشأ في العراق وتسعى الى توحيد شعبه وحماية مصالحه . ومع هذه الحال لن نشهد جهاز مخابرات فاعل او جيش وشرطة  قويين , لأنهما سيكونان مخترقين دائما من قبل أعداء العراق , ومن خلال الساسة العراقيين الشركاء في الحكومة والشركاء أصلا في مشروع الشرق الأوسط الجديد .