يقول الأكاديمي سليم الحص: (عرفت المحترف السياسي ذات مرة بالقول: إنه ذاك الذي يسعى للوصـول إلى السلطة، وإذا وجد داخل السلطة فهو يسعى للبقاء فيها، وإذا خرج أو أخرج من السلطة فهو يسعى إلى العودة إليها )
باتت الوصولية من مباحات السياسة العراقية التي اوجدتها مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام البعث المقبور والتي يشار إلى كونها بُنيت بناء معوجاً كان أساسه المحاصصة المذهبية والتي أوجدت بدورها حالة من الا إستقرار على الصعيدين السياسي والأمني ما يزال يدفع ثمنه المواطن العراقي إلى اليوم .
إلا إن ما بات يُميز تلك الوصولية التي شاعت في الأوساط السياسية العراقية هو قدرتها على التحول لصدمة تذهب بذهنية المواطن صوب الإستغراب بل الخيبة في أحيان كثيرة ، فالوصولية التي إنتقلت بمن كان في دائرة الإرهاب والمطلوبية إلى حيز البطولة الشعبية والقيادة الوطنية ، هي ذاتها الوصولية التي جمعت بين السيد (صادق الموسوي) وبين شاتمه (مشعان الجبوري) في حضن واحد . فاصدقاء اليوم هم أعداء الغد ، والعكس أصح ، في ظل تلك الوصولية .
ومن جانب أخر ، فالوصولية مسعى مباح ، بل طبيعي ، لكل شخصية تزاول السياسة وأروقتها المليئة بالتصادمات والتناحرات ، ما دامت تنتقل بالفرد إنتقالاً عامودياً ، وترتقي به محافظة على معتقداته وأرائه ومواقفه ، إلا إن الوصولية الأفقية التي تفشت في السياسة العراقية ، وما يتخللها من تقلب بل تناقض بالمواقف والأراء والولاءات ، تستدعي التوقف والتنبه وشيئاً من التفصيل . وهذا ما يجعلني أضع السيد (صادق الموسوي) كشخصية سياسية عراقية تحت هذا التفصيل كأنموذج جدير بالتوقف ، وليس من باب التجريح الشخصي أو النيل الفردي ، فالمهم عندي هو تحديد النموذج لنستطيع من خلاله الخروج بتعميمات مفيدة .
يبدو إن المسببات التي أدت لتلاشي أحلام الوصولية لدى السيد (صادق) في حياة المرحوم (احمد الجلبي) وذروة عمل المؤتمر الوطني العراقي ما تزال وإلى اليوم تقف سداً منيعاً أمامه ، فتلك الحلقة (الكردية) المحيطة بـ(الجلبي) والتي عملت ونجحت فعلاً على إضعاف بل وتحجيم دور سيد (صادق) و (انتفاض) وغيرهما في المؤتمر ، ما تزال وإلى اليوم متربصة بهما وكأنها تقول ( لم تذوقوا الوصول بحياة الجلبي .. ولم تنالوها بعد وفاته ) ، وهذا ما يبدو إنه قد تأكد لـسيد (صادق) فجعلته يبتعد عن دائرة الضوء والتصدي لمسؤولية المؤتمر ، والبحث عن بيئة حاضنة يستطيع من خلالها ترجمه أحلامه الوصولية إلى واقع ملموس .
واليوم ، يتضح إن بوصلة سيد (صادق) قد جعلته أمام خيار صعب ، و خطوة تستحق بذل الخطى ، وتوغل أفقي يتيح له الخروج من حيز التأثر للتأثير ، ومثل هكذا خطوة لن تكون خطوة روتينية نمطية في حياة رجل السياسة ، فكثيراً ما تلازمها إسقاطات وتمهيدات ضرورية لإمتصاص صدمة الشارع المتابع ؛ لا سيما الذين تعودوا على لغة وسقف خطاب واضح ، والمتابع الجيد ، يقف على جملة تمهيدات بات يمارسها سيد (صادق) في السر والعلن ، يعلن عن بعضها ، ويكشف زلل القلم واللسان عن بعض أخر ، إلا إن المهم هو وجودها فعلاً وهذا ما سنسلط الضوء عليه في قادم الحلقات .