19 ديسمبر، 2024 3:33 ص

(الوزكة) وعقوبة الاعدام

(الوزكة) وعقوبة الاعدام

الوزكة، مفهوم عشائري درجت عليه اغلب العشائر العراقية الأصيلة، وهي على انواع تنتهي جميعها حول استجلاب الحقوق بعيدا عن اللجوء للقانون، وعدم اللجوء هو لعدم وجود ما يثبت الادعاء، كضياع الورقة المثبتة للحق او موت الشهود، او لا هذا ولا ذاك، كأن يقترض الطرف الأول مبلغا من المال من الطرف الثاني لموعد محدد بدون ورقة او شهود وعند قدوم الموعد ينكر الطرف الأول فيقوم الطرف الثاني بخطف الاول والاحتفاظ به معززا مكرما مع ابلاغ اهله وعشيرته بانه يتحفظ عليه ويطالبهم تسديد المبلغ الذي بذمته..
تحديدا في سجن الحوت في محافظة الناصرية، هنالك العديد من القصص والحكايات التي استوقفتني عندما شرع احد النزلاء الذي اكمل المدة المقررة له وراح يحدثنا عن احكام، ليس من حقي البت فيها بالتأكيد، لانها تحتاج الى متخصص، ولكني احببت عرضها على الرأي العام لما لها من ردع وردة فعل تتجاوز الفعل بكثير…
بعثي تلطخت يده بدماء الابرياء، عاث في الارض فسادا تسبب بإلحاق الأذى لكثير من الابرياء ابان العهد الماضي، طالبه احد المتضررين بالاعتذار وطلب السماح منه لما سببه له من اذى انزله مدة طويلة في السجن، لم يأبه البعثي لطلبه، مما اضطر المتضرر الى اللجوء الى عشيرة البعثي واهله، ولكن دون جدوى ولم يهتموا كثيرا لما لحق به، فأراد ان يثأر لنفسه من هذا التجاهل وعدم التقدير والاحترام، فقام بخطف البعثي وابلاغ اهله وذويه بانه موجود في بيته معززا مكرما يأكل قبل ان نأكل وينام كما ننام وطالبهم بالاعتذار له ليخلي سبيله، قدم اهل البعثي، بعد ذلك شكوى ضد المتضرر ما دعى الى اقتحام رجال الأمن منزله واقتادوه الى السجن وواجه المحاكم الجنائية باعتباره مارس عملية الخطف وحكم بالاعدام!!!.
لست مختصا بالقانون، وسؤالي موجه للمختصين، كيف يعامل البريء الذي اراد الحصول على كرامته بنفس المجرم الذي يخطف من أجل الخطف، اما لغرض مادي او طائفي او تحقيقا لأجندة معينة، الأول مارس فعل الخطف وابلغ الجميع من اهله وعشيرته واصدقائه بذلك، والثاني اراد من عملية الخطف فعلا ارهابيا يستحق وصفه بالجريمة ليستحصل من خلاله على فائدة ما، فالمخطوف في الجزء الثاني بريء لم يرتكب ما يستفز الخاطف وهنا يستحق الاخير الاعدام، وبواعث الجريمة، ان صح وصفها بذلك، لم تكن بباعث سياسي او مادي، ولم تمس أمن الدولة لا داخليا ولا خارجيا، خصوصا وان من قام بالخطف ليس له سابقة في العود ولم يحرم المخطوف بل اطعمه وعامله بمنتهى الاحترام مع علم أهله وذويه، فنوع الجريمة يختلف جذريا ولا يلتقي الفعلان الا من حيث مطابقة الكلمة، الخطف، فعلى اقل تقدير يعاقب بجريمة الحبس او الغرامة ولا ينتهي به الأمر الى الاعدام اذا ما راعينا الفارق في سلوك المجرم، فالسلوك الاجرامي يختلف بين الحالتين وإن كانت الطريقة متشابهة من حيث الأسم كما بينا آنفا…
العرف العشائري اسهم في حل العديد من الخلافات، وهو قانون رديف، خصوصا وان الواقع اثبت حاجة المدينة الى القوانين العشائرية ولم يقتصر الأمر على الريف بعدما اتسعت رقعت النفوذ العشائري داخل المدن العراقية، ولا شك في ان هذا القانون يتحمل ما يتحمل من هفوات وضعف وعصبية قبلية، لكنه نتيجة لا محيص عنها لانها لب المجتمع العراقي الذي تشكل العشيرة نواته المهمة، وما الهدوء التام واستباب الأمن في المناطق الجنوبية الا نتيجة تفعيل دور العشيرة واشراكها كرادع لبعض الخروقات، وانا لست مع اصطباغ المجتمع بهذه الصبغة واسعى شخصيا الى الالتزام بالقانون العراقي والابتعاد قدر المستطاع عن اي شريك، لكن الواقع يقر بأن العراق لا ينسلخ بسهولة عن قيمه ومبادئه وعن واقعه الذي تشكل فيه العشيرة جزء كبيرا..
وبالعودة الى أصل الموضوع، الوزكة، حبذا ان يصار الى التفريق بين الأمرين فلا يتحمل الفكر ان يكون الخاطف في الحالتين مواجها لعقوبة الاعدام، وان يتساوى الجرم بين خاطف مع سبق الاصرار وهو يستحق ان يوصف بالقاتل، لانه مستعد لذلك، وبين خاطف تعامل مع القضية محاولة لاسترجاع حقه المعنوي او المادي مع مراعاة اخباره اهله وعشيرته بذلك…
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات