21 مايو، 2024 7:02 م
Search
Close this search box.

الورقة تتكلم

Facebook
Twitter
LinkedIn

فرهاد نعمت كان زميل دراستي الجامعية في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة صلاح الدين والتي مقرها في مدينة أربيل. كان من العوائل المعروفة الثرية في المدينة وكان يشتهر فرهاد بالكرم والعطاء ومساعدة المحتاجين من الطلبة وهم يعملون في تجارة الذهب ولهم محل صياغة في قيصرية أربيل. كان من القومية التركمانية ويجيد الكردية ويتحدث العربية، وهذه الصفة أكسبته الكثير من حب الأخرين له الذين كانوا ينادونه بالشيخ فرهاد.

إلاّ أنه لم يكن يهتم بالدراسة وحضور المحاضرات وكانت درجاته غير جيدة. إذا نجح في إحدى الدروس كان ينجح بدرجة النجاح فقط اي الخمسون لا غير. إلاّ في إحدى الأيام من عام 1992 ونحن في المرحلة الثانية من الدراسة الجامعية كان قد حصل على درجة عالية في إحدى الدروس، مما جذب إنتباه جميع أقرانه من الطلبة. بعد ان وزعت أستاذة المادة الأوراق الإمتحانية جاءت إلى فرهاد الذي يجلس بالقرب مني وقالت له:

الأستاذة: أنا متأكدة أنك قمت بالغش أليس كذلك؟

فرهاد: وكيف تثبتين ذلك؟

الأستاذة: أنت لا تستطيع على هكذا إجابة وأنا اعلم بسمتواك العلمي، ومن المؤكد أنك قد نقلت الجواب من مكان ما.

فرهاد: هل شاهدتي ذلك بأم عينك؟ وهل شاهدني أحد عند الغش ونقل الأجوبة؟

الأستاذة: لا طبعاً وإلاّ كنت أخرجك من القاعة الإمتحانية.

فرهاد: إذن.. الورقة تتلكم.

كانت إجابة فرهاد شافية كافية. فإن إدعاء الأستاذة إذا لم تقارن بأدلة دامغة فليس له أي معنى. وإن إثبات الغش يحتاج إلى ما يعزز الإدعاء، وإلاّ فإن الأمر يكون محض إفتراء لا غير. لذا قصد فرهاد بجوابه هذا بأنكم إذا لم تكونوا قد أثبتم عليّ الغش فإن أجوبتي على الورقة الإمتحانية هي الفيصل في الأمر والورقة تجيزني في الحصول على هذه الدرجة العالية. ومن يدعي غير ذلك عني فعليه إثبات الأمر. كل هذا الكلام أوجزه فرهاد بكلمتين أثنتين عندما قال (الورقة تتكلم).

فبالرغم من كون الجميع يشكك في إجابة فرهاد، إلاّ أن ليس لأحد إثبات ذلك. الورقة التي أشار اليها فرهاد تحمل اسئلة وعليها الأجوبة الشافية وقد كتبت الأجوبة في قاعة إمتحانية وأمام المراقبين وفي جو إمتحاني رسمي لا أحد يستطيع التشكيك بها. إذن الأجوبة التي تحملها ورقة فرهاد صحيحة ومعترف بها في كل مكان. فورقة فرهاد كفيلة بالرد على الجميع ودرء أي شبهات عن نفسه.

الأمر لا يختلف عن الوضع العراقي هذا اليوم. حيث يجهز المواطن بالكهرباء لعدة ساعات فقط وفي عداد الإنعدام، لكن ليس لأحد ان يقول بأن الكهرباء معدومة فهي تجهز وان كانت لساعات قليلة. القطاع الصحي منهار، إلاّ أن المستشفيات موجودة والجميع يعمل فليس لك أن تقول بأن المستشفيات مقصرة. التعليم في الهاوية تماماً لكن المدارس موجودة والكليات تعمل والكليات الأهلية قائمة على قدم وساق، فليس لأحد ان يشتكي من شيء. الطرق في حالة يرثى لها لكن السيارات تمشي والحياة مستمرة فليس من عتب على الحكومة. الكل يعلم أن نسبة العطالة في البلد بلغت مبلغاً عظيماً تهدد السلم المجتمعي المدني، لكن الدولة تستشهد بعدد المتعينين والرواتب العالية وليس لك أن تثبت أي شيء خلاف ذلك. وبإمكان الدولة ان تبرز مئات الأوراق التي تحمل عليها الاف المشاريع الخدميّة المقامة وإن لم تكن هذه المشاريع منجزة ولم تدخل الخدمة ولكنها مقامة.

الورقة الموجودة ليس فيها خلل، وما مدون يشير إلى وجود عمل مكثف وأن المواطن مرتاح وإن كانت هناك ضائقة ما، فإنها لا تتجاوز بعض المشاكل البسيطة والتي تعمل الدولة على تجاوزها كما في كل دول العالم.

إذن كل الأوراق تمام التمام وليس فيها نقص والدولة قائمة بواجباتها بحسب ما يرام، وكل الأوراق سليمة رغم عدم وجود الكهرباء في البلد النفطي. إلاّ أن الأمر في الأوراق كما أشار الشيخ فرهاد عندما قال (الورقة تتكلم).

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب