23 ديسمبر، 2024 8:11 ص

الورطـــة أم التوريــــط ؟؟

الورطـــة أم التوريــــط ؟؟

منذ ما يسمى بقيام الدولة العراقية الحديثة ما بعد سنة 1918 والعراقيون يتفرجون ويعايشون الأحداث السياسية المختلفة التي تعصف بهم ، ولم تترك لهم مستقرا أو تصنع لهم دولة مؤسسات تعمل على إدارة البلاد بغض النظر عن المتغيرات السياسية بالحكم وكراسي الحكام ، وذلك يرجع لعدة أسباب ، منها توالي المستعمرين بصفحات وأشكال متعددة ، وحينما ينسحب المحتل مضطرا نتيجة لظروفه استعماره وما يدفعه من تكلفة بشرية أو مادية ، أو لحصول مقاومة لذلك المستعمر كما حصل بثورة العشرين المجيدة ، أو ما حصل بعد سنة 2003 بفترات متقطعة وخلال تلك الحقبة من الزمن ابتداء بالاحتلال البريطاني للعراق ، وما سبقه احتلال وسيطرة الدولة العثمانية أو ما كان يسمى بعهد ( العصملي ) ووصولا إلى الاحتلال الأمريكي وحلفائه الغربيين دفع الشعب العراقي فاتورة بشرية ومادية ليس لها مثيل ، ولم يحصد أي شيء يذكر !

ولو قارنا الاحتلال البريطاني للهند الذي أستمر مائة وخمسون سنة ، أو الاحتلال البريطاني لشبة جزيرة هونك كونك الصينية مع احتلاله لبلادنا لوجدنا أن ذلك الاحتلال المقيت مثلما أخذ من تلك البلدان ، قد قدم لها شيئا ولو يسيرا من منافع ثقافية أو على مستوى بناء المؤسسات أو وضع قاعدة علمية أو صناعية ، ولكنه لم يقدم للعراق أي شيء ، سوى الموت والدمار ، وسرقات آثاره ونقلها إلى متاحف الغرب وسرقة نفطه ، وخيرة شبابه .

وهذا الأمر ينطبق على الاحتلال الأمريكي للعراق مقارنة بما فعله نفس الاحتلال نتيجة قيادته للحرب العالمية الثانية على ألمانيا ، وإعتدائاته على فيتنام أو اليابان حتى قيامه باستخدام القنابل الذرية وتدمير مدن بأكملها وإبادة ألاف البشر ، ولكنه حاول التكفير عن ذنوبه تلك بأن رجع وقُدم المساعدة الواضحة ، في دعم الصناعة وتقوية الموارد البشرية ودعمها علميا واقتصاديا ، ولكن ماذا فعل بالعراق وأهله ؟ لم يفعل شيء ، سوى القتل والخراب وتدمير ما تبقى من المؤسسات وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي تكاد تكون المؤسسة الوحيدة التي أثبتت بصمتها وحرفُيتها ، فتم تدميرها بحجة سخيفة على أنها مؤسسة من صنع النظام السابق ! وقد صفق المرتجفون من سياسي الصدفة ومرتزقة الأحزاب الوافدة والمصنوعة في دوائر لندن وواشنطن ، وبعض الدول الإقليمية .

السؤال الذي يطرح نفسه أمام أي عاقل يحب العراق ويشعر بحق بانتمائه لأرضه ومائه وهوائه ، هل تأييد هؤلاء لقرار بول بريمر كان صدفة ؟ أم عن جهل ؟ أم هو بقصد ؟ هل ما وصل أليه العراق من ( ورطة ) هي كانت نتيجة لتوريطهم بقرار لم يكن يدركون نتائجه ؟ أم أنهم شركاء أصلاء بتلك الورطة وكانوا يعيُون ما فعلوا وما سيترتب من نتائج اتجاه قرارهم القاتل ؟

لو كانت المؤسسة العسكرية قد حُميت مثلما حُميت وزارة النفط ولو يصبها الضرر ، هل كنا وصلنا إلى ما وصلنا أليه الآن ؟

وهل يُعقل بوجود ألاف من جنود الاحتلال الأمريكان والأسبان والطليان واليابانيين وغيرهم من الشركاء بحملة الاستعمار الجديد مع ما يملكونه من معدات في البر والبحر والجو أن يخافون من ردة فعل المؤسسة العسكرية المنهكة نتيجة ثلاثة عشر سنة من الحصار والتجويع أن تقوم هذه المؤسسة بانقلاب أو حركة عسكرية ضد الواقع الجديد ؟ بالتأكيد لا .

ولكن الأجندة التي جاء بها الأمريكان والمؤيدة من بعض شركاء المحتل من السياسيين والأحزاب التي دخلت بظل المحتل كانت تستدعي حل وإلغاء العقيدة العسكرية العراقية من الجذور ، والجميع يدرك والأيام قد أثبتت ذلك أن تأثير النظام السابق بالمؤسسة العسكرية سرعان ما سينتهي ، بمجرد القيام بتغير بعض القيادات العسكرية وإضافة بعض التعديلات وفي مقدمتها تحسين الوضع المادي للقوات المسلحة وإعادتها تشكيلها وتربيتها ليكون ولائها للعراق فقط بطريقة مدروسة وذكية ، ينتهي كل شيء ، ويظل العراق بعيدا عن متناول التفجيرات واعتداء بلدان الجوار على أرضه ومياهه ونفطه .

حتى لا نعمم ولن نكون ظالمين بتحديد المشكلة ، فأن القلة القليلة جدا من بعض السياسيين كانوا رافضين لقرار بريمر ، ولكن الغالبية العظمى كان مؤيدا ومناصرا ، لذلك القرار الخطير ، والذي كان الهدف من ورائه تدمير العراق وقتل شبابه ، ومن أوائل المتحمسين لذلك القرار كانت القيادات التي تقود المالكي حينما كان هو بالخط الثاني من حزبه السياسي ، وكان تأيدهم مبني على إضغان وحقد على تلك المؤسسة الأصيلة ، وحينما تقلد المالكي مقاليد الحكم بغفلة من الزمن ، أوغل بالاستمرار في هذا الفعل المشين نتيجة عقليته الطائفية والحزبية المدعومة من أطراف خارجية معروفة ، فكان يسعى ويلهث لبناء جيشا ( مالكيا ) وليس جيشا عراقيا وطنيا وما صرفه من مليارات الدولارات بحجة تأسيس جيش جديد أصبح يتدرب بعض منتسبيه في دول مثل الأردن والأمارات ويدفع مقابل ذلك ملايين الدولارات لأجل التدريب ، تلك الدول التي كانت تتعلم الأبجدية العسكرية العراقية

على مدار عقود أصبح جيشنا الجديد ، تلميذ صغير يتعلم في مدارسهم ، أنها مهزلة حزينة ومكشوفة ، وكنا قد أشرنا إلى هذا الأمر منذ سنين ونبهنا منه ولكن لا حياة لمن تنادي حتى خرجت علينا عصابات داعش لتطرد قوات المالكي بساعات ، ومن الملفت أن يخرج المالكي عبر التلفاز ليدعو بنفسه لتشكيل قوات من المتطوعين للدفاع عن أرض العراق ، ويصبح الجيش والمليارات في خبر كان ؟؟

فهل هو في ورطة أم هو متورط نتيجة غبائه السياسي وقلة خبرته ، ولأنه وصل إلى موقع لم يكن يحلم بأدنى منه بعشرات السنين الضوئية ؟

من يحاكم المذنبين ؟ ومن ينٌزل القصاص بالمجرمين بحق شعب العراق وشبابه ؟ يوميا تستقبل مدننا عشرات الجثامين من الشباب المغرر بهم أو اللذين دفعتهم الحاجة والظروف للتطوع بجيش لا يملك عقيدة ، أو خبرة ، أو كفائه ، لأنه لم يبنى على أسس وطنية حقيقية ، ومهنية بعيدا عن ألاعيب السياسة القذرة وخباياها ، لابد من اتخاذ القرار الشجاع بأن تكون المؤسسة العسكرية بعيدة كل البعد عن الوضع السياسي للبلاد ، وأن يُحٌرم ويمنع على منتسبين المؤسسة العسكرية الاشتراك أو المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو أي انتخابات تجري إلا من يكون خارج هذه المؤسسة قانونيا ، وعلى المنتسب لتلك المؤسسة أن يمنع من الترشح إلا بعد تقديم الاستقالة ، ولا يُشمل بالتصويت والإدلاء بصوته ، لكي نحافظ على حيادية مؤسستنا العسكرية ، وهذا القرار سيبعد النفس والتوجه الطائفي حتى لا يتغلغل بها ونقوم حينها ببنائها بناء عقائديا حقيقيا ، لتعود تحمي العراق من عاديات الزمن ونرجع نفتخر بها ، وقبل ذلك لابد أن تكون البداية بتحديد رموز الورطة والتوريط لأنهم سبب ما جرى وحل من كوارث .