18 ديسمبر، 2024 7:49 م

الوداع .. امتحان الانسان الاكبر

الوداع .. امتحان الانسان الاكبر

الوداع .. كلمة لا يحبذها معظم الناس بل يرغبون باستبدالها بكلمة اكثر تفاؤلا الا وهي الى اللقاء .. لماذا ؟ الجواب هو ان الانسان بطبيعته التكوينية لا يميل الى فقدان من اعتاد على ان يكونوا جزءا من محيطه المجتمعي لان هؤلاء ليس مجرد شخصيات اعتادت العين على رؤيتهم او العقل على رسمهم كجزء من منظومته الحياتية بل هناك اسرارا كامنة نرغب في مقالنا هذا سرد الاهم منها ايجازا لمعرفة السبل الكفيلة بمساعدة الانسان على استيعاب اي صدمة تتعلق بفقدان احد اركان حياته سواء كان انسانا او شيئا اخر لا يسعنا ذكره احتراما لقيمة الانسان الذي كرمه الله تعالى غير اننا جميعا نعلم ان الاشياء القيمة ليس بالضرورة ان تكون احد المقربين بل ربما تكون شيئا ثمينا ذات قيمة عالية لدى المعني .

وحتى لا نغوص في المقدمات حيث اعتدنا ان ندخل في المضامين استثمارا للزمان وحجم المقال نرغب بايضاح بعض الجوانب التي من شأنها مساعدة الشخص في استقبال اي حالة فراق يواجهها في حياته دون ان تؤثر عليه الى درجة احداث تغييرات سايكولوجية بشخصيته ربما تقوده الى انهيار نفسي والى مرحلة يصعب حينها استعادة توازنه الانساني ، ومن بين هذه الجوانب التي نرى ضرورة في ان تكون حاضرة لدى اي انسان هي الايمان المطلق بنظرية المتضادات التي تشير الى وجود نقيض لاي شيء خلقه الباري جل وعلا وكما هو معلوم فأن الحياة لم تقم بالاساس الا على هذه النظرية ولا بأس ان نذكر بعض الامثلة على هذه النظرية اي ان كل خير يقابله شر وكل ايمان يقابله كفر وكل شجاعة تقابلها الجبن وكل ذكي يقابله غبي والامثلة كثيرة بهذا الصدد بمعنى كل ما هو مصنف على انه ايجابي يقابله شيء يصنف على انه سلبي ، وعلى هذا الاساس فأن كل لقاء يقابله فراق سواء كان مؤقتا ام دائميا فلكل بداية هناك نهاية غير ان العاطفة التي تعد احدى سمات الانسان تغلب عليه في كثير من الاحيان  طابعا من الالم غير ان هذا الالم لا بد ان يكون مصحوبا بتفكير قويم ينصب على ادراك حقيقة واقعة الا وهي ان ما نفقده الان سنمر به قريبا على ذاتنا اي بمعنى ان فراق احد الاشخاص او احد العناصر المهمة في حياتنا سيعقبه فراق الاخرين لنا ويمستقبل قريب ليس بالبعيد ، وعليه فأننا لا بد من ادراك امر في غاية الاهمية وهو ان سر وجودنا في هذه الدنيا ليس لجمعنا معا سواء في اسرة او في عمل او بلد او اي مجتمع اخر بل لغاية كونية سامية كبيرة وهي كيفية التعامل مع محيطنا بالشكل الذي يجعل رسالتنا على تنوعها الانساني ذات مدلولات ايجابية وصولا الى حالة الكمال الانساني الذي ارادنا الخالق تباركت قدرته ان نكون عليه وهو ما يمثل القيمة الحقيقية للانسان الذي ارتقى عند الخالق الى درجات ومستويات فاقت حتى الملائكة وجميع الخلق وبالتالي فأن العاطفة هي سبب رئيس لارتقاء الانسان في التعامل الذي اشرنا اليه سلفا فدونها يتحول الانسان الى وحش لا يعتبر لاي اعتبار ولا يستطيع التعايش ضمن منظومة مجتمعية مثالية وبالتالي فأن الوسيلة لا يمكن ان تكون الاساس اي بمعنى ان كل ما نشعر به هو وسيلة لبلوغ غاية الهدف المنشود وحتى تكون الفكرة اكثر وضوحا لا بأس من ذكر بعض الامثلة على المقصود حيث اننا لا نحب والدينا حتى نخلد بين احضانهم بل اننا نحبهم للوصول الى السمو الاخلاقي المتمثل برد جميلهم الذي يتجسد بدورهم في نشوء كياننا وايضا لا نحب ابناءنا  ليبقوا بكنفنا حتى فنائنا بل لانهم امتداد لشجرة اوجدتنا ثم تفرعوا منها لنقل الامانة المتمثلة بالتطور الذي لا بد ان نكون عليه وعلى الصعد الدنيوية كافة سواء في المجالات الدينية او الخلقية او العلمية اي المفاهيم الانسانية التي خلقنا لاجلها وبالتأكيد فأن ذلك ينطبق على الزوجة او الزوج وهما شركاء الامتداد الانساني الذي لا يمكن له النجاح الا بالوصول الى حالة الانصهار العاطفي ولعل الامثلة كثيرة وواضحة فيما يتعلق بالاخوة الذين يمثلون السمو الانساني في الايثار والتضحية وايضا رفقاء الدرب من اقارب وصلة ارحام واصدقاء الى اخره ولعلنا اوصلنا القصد بما نستطيع ضمن ما ذكرناه .

ووفقا لما تقدم نرغب بايصال نتيجة محددة وهي ان كون الانسان قريبا من اداء رسالته بنجاح مع محيطه فهو سيملك الطاقة اللازمة لاستيعاب الصدمات لانه سيكون مقتنعا ان اللقاء سيتكرر قريبا في عالم اخر لعله الاصل وذلك لانه سيكون مدركا للهدف الاساس لوجوده اما كون الانسان بعيدا عن ذلك الهدف فان حياته ستكون قريبة من مفهوم ( تقديس الوسائل ) لانه لا يدرك غيرها ونرى ذلك جليا بمن يقدسون الوسائل الدينية دون معرفة حقيقة واصل الدين وبالتالي يبقون اسرى ما يحيط بهم من افكار وطروحات ربما الكثير منها بعيدا كل البعد عن الحقيقة وان هذا النوع من البشر سيفقدون انفسهم قبل الاخرين .. والله من وراء القصد .