23 ديسمبر، 2024 4:16 ص

الوحدة هي مسعى الصلحاء

الوحدة هي مسعى الصلحاء

قد عاش البشر منذ بدء ظهوره على هذه الأرض فرداً وحيداً كما هو شأن سائر الأحياء ، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى حصل للبشرية تقدم حضاري فتكونت الأسرة ، ثم تكونت القبيلة ، ثم الدولة . وبالرغم من هذا التقدم المضطرد ما يزال الإنسان يعيش منذ عهد بعيد والى اليوم مرحلة سابقة لمرحلة الوحدة المبدئية ، وما يزال يعيش حالة الطفولة فيما يرتبط بتلك الوحدة ، وبناء على ذلك فإننا بحاجة إلى ان نرفع مستوى الوعي لدى البشرية لتصل الى مستوى الوحدة على أساس المبدأ . فالقرآن الكريم انما نزل من اجل خلق هذا المستوى ، والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده سعوا بكل ما في وسعهم من اجل توحيد هذه الأمة ، والحيلولة دون تمزقها وتفرقها ، ومع ذلك فان الإنسان لم يع هذه الضرورة ، ضرورة الوحدة ، وكان يهيمن عليه التفكير السلبي المتخلف مما أوحى اليه بأنه اذا أراد ان يحيا حياة حرة كريمة فما عليه إلاّ ان يدع الآخرين يعيشون مثلما يعيش هو ، واذا بالمصالح تتقولب حسب الآراء المختلفة ، ان الاختلاف في الرأي سيبقى مادام الاختلاف في المستويات لدى الانسان قائماً ؛ فكما ان أصابع اليد الواحدة لا يمكن ان تتساوى وتتماثل ، فان البشر ايضاً لا يمكن ان يولدوا بمستوى واحد من العلم والفهم والوعي ، لان التنوع يمثل طبيعة بشرية ،  وعلى هذا فان كل شيء يتغير ويختلف عند الإنسان ، وهذا الاختلاف انما تمليه عليه غريزة حب التنوع فيه والتي تتغير بدورها تبعا لنموه ، وحسب الظروف المحيطة به ، وطبقا لمعلوماته وارادته واهوائه وعشرات العوامل المؤثرة فيه .

ان المشكلة القائمة اليوم لا تكمن في الاختلاف ذاته ، او الاختلاف المبدئي والفكري ، وليست كامنة في الإستراتيجية والرؤية ، ولكن في طريقة التعامل مع هذا الاختلاف الأمر الذي أدى تلقائياً الى حدوث التفرقة والتفكك والتناحر .

وعلى سبيل المثال فقد نجد في الأسرة الواحدة اختلافاً ، ولكن طريقة التعامل مع هذا الاختلاف تتباين من أسرة الى أخرى ؛ فمنهم من يفضه بالطلاق ، ومنهم من يفضه بالمشاجرات ، ومنهم من يحله من خلال التفاوض . . . وبصورة عامة فان كل أسرة من تلك الاسر تحل الاختلاف بطريقتها المفضلة ، وهكذا كان حال البشرية التي كانت كثيرا ما تتوسل بالحر وب لتحل خلافاتها . وللأسف فان الجاهلية ما زالت متأصلة بالبشرية حيث تنفق اليوم آلاف الملايين من الدولارات على صناعة الأسلحة ، وحتى إذا فرضنا أن البشرية لا تريد استخدام هذه الأسلحة الفتاكة إلاّ ان صناعتها تمتص الخيرات والثروات كلها ، حيث نرى الفقر منتشرا في جميع ارجاء العالم وخصوصاً في بلدان العالم الثالث ؛ اما اذا أرادت استخدامها فان المصيبة ستكون اعظم ، وستنشب حينئذ الحروب النووية التي ستدمر العالم بأجمعه .

ومن اجل ان نحافظ على الوحدة لا بد ان يقوم كل واحد منا بدور المصلح ، وليحاول ان يقوم بدوره الذي كلفه الله سبحانه به ، كما يؤكد على ذلك في قوله الكريم : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فيجب ـ إذن ـ ان نقوم بدور الاصلاح سواء خسرنا أم ربحنا ، على ان القرآن يعدنا بالفلاح ان قمنا بهذا الدور ﴿ … وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ . فليس من الصحيح ان نعطل دور الإصلاح فنقول : نحن بانتظار نمو القوة السياسية الفلانية لنكون معها ، لان الحسابات السياسية عادة ما تكون فاشلة ، فروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال لبعض أصحابه : ” كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى في ليله ،

فلنحاول ان لا نكون ممن يصطادون في الماء العكر ، ويحبون الصعود مع القوى السياسية الصاعدة فنكون انتهازيين ، بل لنسع من اجل ان نكون مصلحين ، ونبحث عن الحق أنّى كان . فأولئك الذين يدخلون في الصراعات ، ستكون تجارتهم خاسرة  ولا ربح فيها ، والذين يأثروا بأنفسهم لأجل الغير ستكون تجارتهم هي الرابحة ويكون النجاح حليفهم ، وهذا شعار من يدعوا إلى لم الشمل والوحدة الوطنية في بلد تعايش أبناءه لقرون من الزمن فيما بينهم ، ولا يسعى للتفريق والانفصال حتى يصبح الجميع ضعفاء يسهل اختراقهم من قبل أعدائهم  وقال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) .