18 ديسمبر، 2024 5:58 م

الوحدة قوة والفرقة ضعف وتشتت

الوحدة قوة والفرقة ضعف وتشتت

مااحوجنا اليوم لنكون متوحدين في مواجهة واقعنا المتعب الغير صحيح والذي ابتلينا به بسبب عدم توحد كلمتنا بل وانشغالنا بالمصالح الدنيوية على حساب مسيرة حياتنا السليمة ,واليوم نرى نتاج التشتت والاحتراب الداخلي وقد اخذت مداها الواسع في تمزيق الامة واعلاء شان اعداءها فهل من وقفة نستعيد انفاسنا بها ونرجع الى الصواب ام نبقى على غينا ونضيع كل ارثنا وتاريخنا لاسماء سميناها واخطانا بها دعوة للوحدة والتاخي نوجهها الى الجميع وننقل بالنص خطابا صريحا من ولي امر الامة الشيخ محمد اليعقوبي لرص الصفوف والوحدة بصورة عامة

وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا (1) درس في الالفة والاخوّة من البعثة النبوية المباركة

قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 46] .

الآية تنهى المؤمنين عن التنازع والتخاصم فيما بينهم وتحذرهم، بأن عاقبة هذا التنازع هو الفشل والضعف والانهزام لأنهم سينشغلون بهذا الصراع الداخلي عن الاستعداد لمواجهة الأعداء وسينهك قواهم وسيفقدهم الثقة بأنفسهم ويحطّم شخصياتهم ويذهب بحرمتهم وكرامتهم لأن كلاً من الطرفين المتنازعين يريد أن يتغلب على الآخر بأي ثمن فيبذل طاقته في تسقيط الآخر والبحث عن عيوبه ونقائصه وإظهارها للأخرين لكي يثبت أحقيته وغلبته، فيسقط الجميع بهذا الانتقاص المتبادل ويفشلون.

ويؤدي الفشل الى ذهاب ريحهم أي عزّتهم وقوتهم وغلبتهم وتسير الامور على غير ما يريدون، وفي التعبير عن القوة بالريح رمزية وكناية دقيقة عن هذا المعنى لأن الريح هي التي ترفع الأشرعة وتعطي القدرة لاندفاع السفن في البحار فإذا توقفت الريح فإن السفن تعجز عن الحركة ولم يتحقق الوصول الى الهدف المطلوب، كذلك فإن الريح تجعل الأعلام والألوية ترفرف مرتفعة في ساحة الحرب فتشعر بالقوة فإذا ذهبت الريح انتكست الأعلام وخارت القوى.

هذه واحدة من الحقائق القرآنية التي تؤسس لنظرية سياسية واجتماعية لأنها تشخص سبب أنهيار الدول وتفكك المجتمعات والشواهد التاريخية كثيرة في كل العصور ولعل أوضحها هزيمة المسلمين في الاندلس وانحسار دولة الإسلام عن تلك الأرض الاوربية بعد سلطة دامت حوالي ثمانمائة عام حينما انقسم المسلمون تبعاً للامراء وملوك الطوائف وتنازعوا وأصبح بعضهم يتآمر على بعض ويستقوي بالأعداء على اخوته .

ولا يختص الفشل وذهاب الريح والقوة بالجانب المادي وما يتعلق بالدنيا، بل تذهب القوة المعنوية أي روح الايمان وطمأنة القلب أيضاً, فتخسر الامة ريحها ورُوحها ورَوْحها لان التنازع يوقع صاحبه في الكبائر من اجل تحقيق الغلبة فيتورط في الغيبة والكذب والبهتان والافتراء والتجسس على خصمه ليضعفه وهذه كلها من الكبائر الموبقة، ويبرّر لنفسه المداهنة والسكوت عن الباطل عند من يريد الاستقواء به على خصمه وينشغل تفكيره بالمجادلات والمنازعات عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وهو من فعل الشيطان بهم وهكذا يذهب في منزلق خطير نحو الهاوية.

وهذه الامور مجرّبة ومعروفة في كل المنازعات مهما صغرت دائرتها او اتسعت كالخلاف بين الزوجين أو بين العائلة الواحدة على الميراث مثلا او النزاع بين عشيرتين أو حزبين سياسيين أو بين جماعتين أو بين مقلدي المرجعيات الدينية المتعددة، او بين طائفتين وغير ذلك، وهكذا يستهلك المجتمع الواحد قوته وامكانياته في هذه النزاعات ويفسح المجال واسعا لخصمه ليستحوذ على حقوقه التي فرّط فيها .

روى الامام الباقر ع عن آبائه ع عن رسول الله ص قال (من لاحى – اي خاصم ونازع – الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته، ثم قال ص لم يزل جبرائيل ينهاني عن ملاحات الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الاوثان ) وروي عنه ص قوله ( لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقا) و عنه ص قال (من ترك المراء وهو محق بُني له بيت في اعلى الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بُني له بيت في رَبَض الجنة) – اي ما حولها خارج عنها – وعن الامام الصادق ع قال (اياك والمراء فانه يحبط عملك، واياك والجدال فانه يوبقك، واياك وكثرة الخصومات فانها تبعدك عن الله ) وعن الامام الهادي ع قال (المراء يفسد الصداقة القديمة ويحلل العقدة الوثيقة -كالعلقة الزوجية او القرابة-، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة، والمغالبة اُسً اسباب القطيعة) .

وبالعودة الى الآية الكريمة فإنها تعطي الحل لحسم النزاع وانهائه وهما أمران كفيلان بازالة اسباب النزاع ومنعه من أصله، وبتركهما يحصل التنازع وهما :

1- التحاكم الى علماء الشريعة في كل اختلاف والتسليم والاذعان لحكمها سواء كان لمصلحته أو على خلافها، ولذا ابتدأت الآية بالأمر بطاعة الله تعالى ورسوله (ص وطاعة القيادة الحقة التي جعلها الله تعالى حجة على عباده، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } [النساء : 59]فالالتزام بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآلة وسلم) والرجوع الى القيادة الحقة هما الضمان من وقوع التنازع او الانجرار اليه بسبب الاختلافات فالآية تشير الى سبيل تحقيق وحدة المسلمين ومنع تشرذمهم وهو ما عبرت عنه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ع بقولها (وجعل امامتنا نظام للملة وامانا من الفرقة ).

وبتعبير آخر إن الخلاف بين الناس يمكن أن يحصل بسبب اختلاف الفهم أو النوايا او بسبب تدخل الاخرين والعوامل الخارجية ونحو ذلك، وهو بهذا المقدار يبقى ضمن الاطار الطبيعي مادام المختلفون عازمين على أن يعودوا الى حكم الشريعة وحاكمها والقيادة الشرعية الرسالية ليفصل بينهم وعليهم التسليم له وان يكون مبتغاهم دائما معرفة الحق واتباعه، فالتنازع المذموم انما يقع من نقطة الابتعاد عن حكم الشريعة وأوامر القيادة الرسالية الحقّة والتشكيك فيها والتمرد عليها، ومن نقطة اتباع الاهواء والانانيات والتعصب بحيث يجعل هواه وارادته هي المتبعة والحاكمة في الاختلاف وحينئذ يقترن به الشيطان ويسوّل له ان الرضوخ للحق هو هزيمة واهانة واذلال بينما الصحيح هو ان الحق احق ان يتبع وطالبه هو الغالب دائما .

2- الالتزام بالصبر لأن الاحتكام الى الشرع والعمل بالتوجيهات الشرعية على خلاف هوى النفس يحتاج الى مجاهدة ومصابرة فيامرنا الله تعالى بالصبر ويعدنا باحسن الجزاء وهو{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} معهم مطلقاً أي في كل الأحوال وفي الدنيا والاخرة، وكفى بهذه المعية حافزاً ودافعاً للصبر على القيام بما يريده الله تبارك وتعالى.

والآية صريحة بان التنازع يؤدي الى الفشل، لكن المستفاد من غير موضع عكس ذلك أي أن الفشل هو سبب التنازع ، قال تعالى فيما يتعلق بواقعة اُحُد {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } [آل عمران : 152] وقال تعالى في معركة بدر {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ } [الأنفال : 43] فالعلاقة بين الفشل والتنازع جدلية تلازمية حيث يؤدي كل منهما الى الاخر بمرتبة من المراتب، وقد اتضحت صورة اداء التنازع الى الفشل .

اما ان الفشل يؤدّي الى التنازع فواضح ايضاً لسببين على الاقل :

1- ان التنازع لم يحصل الا عندما استسلم كل شخص لهواه واطماعه وفشل في مجاهدة نفسه والالتزام بما يريده الله تبارك وتعالى كالذي حصل في معركة اُحُد حينما اتبعوا أهواءهم وعصوا وصايا رسول الله ص وتركوا مواقعهم لكي يشاركوا إخوانهم في جمع الغنائم (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّون) فحصل الفشل ثم التنازع كما في آية سورة آل عمران المتقدمة .

2- إن الفاشل لا يريد أن يعترف بفشله ولا يحمل نفسه المسؤولية حتى يعالج الاسباب وانما يلتجأ الى التنازع ليغطي فشله بالتخاصم والتنازع مع الآخرين واظهار انهم فاشلون، اي انه بدل ان يرتقي الى مستوى الناجحين يعمل الى انزال الناجحين الى مستواه الفاشل، وأتذكر هنا مثالاً طريفاً من الواقع فحينما كَّنا صبياناً وكان بعض أصدقائنا يلعبون كرة القدم فإذا فاز فريقهم عادوا فرحين مستبشرين، وإن خسروا رجعوا يتلاومون ويُحمّل بعضهم الآخر مسؤولية الخسارة ويبحث كل واحد عن خطا وتقصير الآخرين .

وهكذا في كل المجالات واسوء مثال لهذه الحال السياسيون المتصدرون للمشهد فانهم بسبب فشلهم الذريع في اداء مسؤلياتهم امام الشعب وانشغالهم بمصالحهم الشخصية وسرقة قوت الشعب فانهم يغّطون على فشلهم بالمخاصمات والجدل العقيم وتبادل الاتهامات من دون ان يحلّوا اي مشكلة ، ويؤدي بهم هذا التنازع الى فشل جديد وهكذا.

فالأزمة في العراق اليوم ليست ازمة مالية كما يعلنون لان مدخولات العراق الحالية تناهز 50 مليار دولار أو أكثر وهي كافية لمثل سكان العراق، ولا أن سببها وجود الاجندات الخارجية ولا غيرها وان كان لكل منها شيء من التأثير، وانما سبب خراب العراق وانهيار الدولة حتى اصبحت نهباً للعابثين والطامعين والحاقدين هو فشل المتصدين وسوء ادارتهم وتنازعهم فيما بينهم على تحقيق مآربهم الشخصية والفئوية، فغطّوا فشلهم بالتنازع وادّى تنازعهم الى الفشل.

ولدى التأمل فان قوله تعالى {فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} يكشف بالعلاقة العكسية ومن بعض الوجوه عن أن المجتمع والبلد الذي يعاني من التنازع وذهاب القوة والمنعة تحكمه قيادات فاشلة لا تستحق منح الثقة بها .

إن من أعظم النعم التي منّ الله تعالى بها على الامة بالبعثة النبوية الشريفة هو التاليف بين القلوب ونبذ الخلافات والنزاعات قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران : 103) وقال تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 62 / 63).

فلنستذكر هذه النعمة العظيمة ولنحرص عليها كما أمرنا الله تبارك وتعالى، ولنتعاهد في هذا اليوم المبارك على عدم الوقوع في التنازع والتقاطع والتخاصم قدر الامكان بفضل الله تبارك وتعالى.
اذن هي دعوة صادقة للوحدة والتلازم الاخوي المؤمن بحتمية العيش بوحدة وقوة وتراص صفوف فاسمعوا وانتبهوا وخذوا بقول العارفين الذين لم ينفكوا ان ينصحوا الامة للصحيح .