بينما كنت اقرأ عن احد المواضيع المترجمة من اللغة الألمانية الى العربية ، استوقفني هذا الموضوع والذي هو عبارة عن فيلم سينمائي مدته ٢٤ ساعة يشرح فيها قصة تكون الأرض وكيف تشكلت القشرة الأرضية قبل ٤،٦ مليار سنة نشرته مجلة p.m perspective الالمانية ، وفي الحقيقة لا اعلم ان كان هذا الفيلم موجودا على الانترنت ام لا ، إذ أنني قرأته من خلال المقال المترجم من هذه المجلة الى اللغة العربية ، وموجزه هو :
· بعد ظهور الكرة الارضية لم تكن هناك اي حياة على سطحها ، فقط عواصف من غاز الهيليوم والهيدروجين تعبث في الارض ذهابا و ايابا و الارض تهتز والقمم البركانية تقذف حممها على الارض فتحولها الى جحيم الى ان جمدت القشرة الآرضية وتكونت الصخور وكان هذا قبل ٤،٥ مليار سنة .
· استمر الحال على ماهو عليه لمدة ٨٠٠ سنة بدون اي اثر للحياة ، لم يوجد الأوكسجين بعد ، وعند الساعة (٢:٤٥) صباحا اي قبل حوالي ٤ مليار سنة تشكل الأوكسجين وبذلك تشكل الماء وامتلأت البحار والمحيطات بالماء وتشكلت الجزيئات العضوية مثل السكر والاحماض الأمينية.
· في تمام الساعة (٥:٢٠) دقيقة صباحا تشكلت علي سواحل استراليا الجينات الأولية ( الكروموسومات التي تحوي الأحماض النووية) ، وهذا كان قبل ٣،٥ مليار سنة .
· انطلقت هنا رحلة الخلية بدون نواة واستمرت لمدة مليارين من السنين الى ان وصل الى الساعة (٨:١٠) ليلا إذ بدأت تتشكل الخلايا ذات النواة .
· في الساعة التاسعة اي بعد مرور ما يقارب ٣،٦ مليار سنة تبدأ الرخويات واللافقريات بالظهور في الماء ، اي قبل ٧٢٠ ملون سنة من الآن .
· وفي الساعة (٢١:٣٥) ليلا اي بعد مرور حوالي اربع مليارات سنة من تشكل الأرض تبدأ الحياة في تنوع محير وهو ما كشفت عنه الابحاث الباليونتولوجية.
· في تمام الساعة (٩:٥٧) اي بعد مرور ٤،١ مليار سنة تظهر النباتات والأشجار للوجود ولم يظهر بعد الأنسان .
· وفي الساعة (٢٢:٤٨) ليلا تبدأ الديناصورات تدب على الأرض باوزانها واطنانها واحجامها المهولة وعقولها المنقوصة ، وكان هذا قبل ٢٢٥ مليون سنة ولكنها اختفت من على وجه الأرض بلغز لم يتم التأكد منها حتى الآن ولكن بعض النظريات تشير الى ان هناك مذنبا ضرب الكرة الأرضية وسبب تغيير كبيرللظروف الحياتية للأرض وقضى على الديناصورات وحطمها ( وهذا دليل على نفي الاعتقادات التي تشير الى ان الأنسان عاصر الديناصورات او عاش معها بنفس الزمن كما تظهر بعض الافلام) اذ ان الانسان لم يعاصر الديناصورات نهائيا.
· يبدأ العصر الحجري وبداية الانسان قبل ان يختم الوقت بدقيقة واحدة ، اما اللبونات الكبرى فتظهر ضمن ما تبقى من هذه الدقيقة ، والاخطر في الموضوع ان الأنسان العاقل يظهر في (الثانية) الاخيرة من هذا الفيلم او هذا العرض او الشرح المثير .
قلت الانسان العاقل كما يسميه علم (الباليونتولوجيا) ، اي نحن وليس الانسان الذي سبقنا . اذ ان هناك نماذج انسانية عاشت قبلنا مثل الهومو ايريكتوس homoerectus ، و الهوموهابيليس homohabilis ، واخيرا نموذجنا الانسان العاقل العاقل ( homo sapienes sapienes ) ، وتشير الأبحاث الي ان جنسنا قد اجتمع مع انسان النيانديرتال والذي اعلن عنه لأول مرة في القرن العشرين حيث تم العثور على اول هيكل من هذا النوع من الانسان قرب مدينة ديسلدورف الالمانيه ومن ثم تم العثور على هياكل مثله في كافة ارجاء الأرض وقد عاش هذا الانسان قبل قرابة ٣٠ الف سنة وانقرض بلغز ايضا بعد ان اجتمع اسلافنا معه ولكن لم يصل العلم بعد لكشف سر اللغز الذي ادى الى انقراضه .
ان كنا لا نشكل سوى الثانيه الآخيرة من وقت الفيلم الكوني ، فهل على الانسان مسيرة مماثلة تضارع المسيرة التكوينية ؟ ام ان علينا السير والاعتقاد بما مكتوب في النصوص المقدسة فقط والتي لا تتعدى سبعة آلاف سنة ، فالاديان كلها اشارت الى هذا الرقم من ٥ آلاف الى ٧ آلاف سنة على نشأت الأنسان، ام ان علينا تصديق العلم والابحاث ؟؟ ولو نظرنا بعين الحقيقة فمن ذا الذي ممكن ان يكون الأقرب للعقل ، الدين أم العلم؟
فلو ذهبنا الى وجهة النظر الدارونية لرأيناها محقة وفقا لما هو مكتوب في السطور اعلاه ، أو أن الماركسية واعتقادها بل وايمانها بالنظرية الدارونية هو عين الصواب . فالارض تطورت مثلما الأنسان تطور والدليل على ذلك هوما شرحته لنا العلوم في تطور الانسان ومروره بكل مراحل التطور من نوع الى آخر. بالاضافة الي التحول في شكله من السيء الى الأفضل .. واخيرا تقدمه وتطوره فكريا شيئا فشيء.
هل ينبغي علينا هنا ان نعتقد بأن الكرة الأرضية لو لم يكتب لها الاصطدام بمذنب جديد بالمستقبل فسوف تستمر لمليارات السنين حتى تتكافئ بذلك كفتي الماضي والقادم من السنين ؟
على الرغم من ان الأنسان ظهر في الثانية الأخيرة من الفيلم الكوني الرائع الذي صور نشوء الكرة الآرضية بشكل وان كان مختصر إلا انه مقنع وصحيح ومستند الى الحقائق العلمية كما وأن كل هذا السير البشري الانسانوي على الأرض لم يشكل سوى ثانية واحدة ، فكم تشكل الأديان من هذه الثانية ؟ اليس بسؤال يستحق التأمل والتفكير ؟
هل نشكر مكتشف مادة بديل الكاربون او الآركون ؟؟أم نقدس علماء الدين الذين اشبعونا واشبعوا اخيلتنا بالغيبيات وبنفس الوقت اشبعوا مآربهم من خلال السيطرة على العقل البشري.
هذا السؤال المهم الذي ينبغي طرحه هنا بالذات ليكون الموضوع اكثر ترابط ، فإن مادة بديل الكربون او (C14 ) هي التي تثبت شيئين ، الأول انها تثبت علمية الفيلم الكوني والشيء الثاني أنها تثبت هزل العقلية البشرية ، فمادة بديل الكاربون هذه او الآركون هي بأختصار تحول البوتاسيوم الى آركون والتي يبلغ متوسط تحول الذرات فيها الى مليار وربع من السنين ، فلو وضعت تحت التجربة الف ذرة من البوتاسيوم فبعد مرور مليار وربع المليار سنة سيكون الناتج هو ٥٠٠ ذرة نظير البوتاسيوم و٥٠٠ ذرة آركون ، وهكذا بعد ٢،٥ مليار سنة سيكون الناتج ٢٥٠ ذرة نظير البوتاسيوم مقابل ٧٥٠ ذرة آركون ، وبعد ٣،٧٥ مليار سنة سيكون الناتج ١٢٥ ذرة نظير البوتاسيوم مقابل ٨٧٥ ذرة آركون ، وهكذا فكلما كان عدد ذرات الآركون اكثر دل ذلك على وجود زمن سحيق والعكس صحيح .
هنا بعد هذا الشرح الذي اثبت من خلاله علماء الباليونتولوجيا وعلم الانثروبولوجيا عمر الأنسان من خلال تحليلهم لعظام الجثث المكتشفه اثناء عمليات التنقيب ، فمثلا قصة الجثة او المومياء (lucy ) والتي اكتشفها كل من العالم الانثروبولوجي (( دونالد جوهانسون)) ومساعده ((توم كراي)) بالقرب من العاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، وبعد اسابيع من العمل تمكنوا من جمع ٤٠٪ من الهيكل العظمي هذا ونقلوه الى مركز كليفلاند لفحص عمر العظام و وجدوا انفسهم أمام اقدم هيكل عظمي انساني اذ وصلت نتيجة الفحص الى ٣،٢ مليون سنة ولم تكن هي الأقدم اذ وصل الرقم فيما بعد الى عشرات الملايين نتيجة تحليل عظام لهياكل عظمية اخرى. ولذلك وصفت الفيلم الكوني بالدقيق علميا لأنه استند الى العلم في تحليله . بينما الأديان لم تعطينا عمر البشر اكثر من سبعة آلاف سنة . فمفسري العهد القديم يذكرون ان الخليقة تمت في ٤٠٠٤ قبل الميلاد و علماء الأسلام يقولون وفقا للطبري بأن عمر الكون فقط سبعة آلاف سنة وباقي فلاسفة الأسلام كونهم لا دليل لهم فيقولون ان الكون ازلي وهذا جواب من لا دليل او علم لديه.
اما الآن وبما اننا أوضحنا اعمار الأنسان والذي شكل من اول ظهور لأول جنس بشري في فيلم الكون فقط الثانية الأخيرة من هذا الفيلم فماذا بالنسبة للأديان والتي هي ضمن الثانية الأخيرة؟ وماذا للعلوم والتي هي في مؤخرة الثانية الأخيرة ؟ او لنقل ماذا بالنسبة للعلوم التي تعتبر اجزاء اجزاء اجزاء الثانية الأخيرة ، فمثلا الأنترنت قبل عقدين من الزمن والمفاعل النووي السلمي قبل ثلاثة عقود من الزمن وهكذا الى ان نصل الى الكتابة والتي هي ام العلوم واقدمها وعمرها خمسة آلاف سنة ، فما بالك لو مضى الزمن وصار نصيب العلوم ثانية واحدة مثلما كان نصيب الظهور البشري ثانية واحدة ايضا ؟ وما سيكون عليه الحال بعد كذا مليار سنة واصبح نصيب العمر العلمي دقيقة في فيلم الكون ؟؟ كم سنبتعد في حينها عن تراكمات وتعاليم الأديان التي انشغلت في الغيبيات والأساطير ولم يفكر رجالاتها بالعلم والتطور الى ان تمكنوا من قيادة البشر كل حسب اتباعه وحولوهم الى جماهيرمهطعة من المغفلين المصدقين بلا وعي لما يسمعوا منهم ، فمن هو الأصعب مثلا الكلام عن حياة البرزخ وعذاب القبر وسؤآل منكر ونكير ، أم تحليل العظام ومعرفة عمرها ؟؟ هل لنا ان نعتبر في هذه الحالة معهد ال الكاربون ١٤ قبلة جديدة أو كعبة بديلة ام ماذا ؟ فالدين يكلمنا عن اشياء غيبية كما ذكرت ولكن تجد باب الريب مشرعاً على مصراعيه في الشك بمصداقية تلك الأشياء، فمثلا من ذا الذي مات وتمكن من معرفة حياة البرزخ ثم قام من القبر من جديد وسرد ما رآه في البرزخ ؟ او من ذا الذي مات ورآى عذاب القبر وبعد بعثه من جديد قص للعامة قصة وعذابات القبر؟ في حين أن العلم اثبت لنا عمرنا وتأريخنا . قد يتهمني البعض من القراء بالالحاد فأقول نعم انا ملحد بالتخندق في غياهب الدين وملحد ضد الدين الذي يبقيني بلا يقين بغيبياته ، واخيرا اود القول بأن الكرة الأرضية بسنينها المليارية سارت وهاهي مستمرة في السير ولم تتأثر كل الأشياء فوق سطحها بغضب هذا الدين او ذاك او تبريكات هذا النبي او ذاك ، فعلى الانسان ان يفهم بأن العلم فوق الدين وان الانسان وكل ما تعلمه لايزال غير موجود او لا شيء تجاه عمر الأرض ، كما وأنه لايزال غير موجود تجاه الثانيه الأخيرة وهو وقت ظهوره.لو أن الدين أيٍ كان ، قد استند للعلوم اكثر من استناده للغيبيات والوعود والثواب والعقاب وترك تلك الأمور الى المجتمع نفسه كي يعتبرها اموراً صالحة أو طالحة لأصبح الدين حينها هو أكثر الأمور الحياتية قبولا وترحيبا ، ولصار الأنسان وخصوصاً المسلم هو اكثر ابناء الأديان تمسكاً وحباً وتفاخراً بدينه . ولكن لشديد الأسف مانراه اليوم من سلوك المسلمين علماداً وعامةً هو خلاف ذلك وكله بسبب البعد الكبير عن العلوم والتمسك بلا وعي بما يقوله اصحاب الدين من علماء وشيوخ.