23 ديسمبر، 2024 2:27 ص

الوجه الاخر لثورة 14 تموز ـ 1ـ .. أسرار مقتل الملك فيصل الثاني والعائلة المالكة..

الوجه الاخر لثورة 14 تموز ـ 1ـ .. أسرار مقتل الملك فيصل الثاني والعائلة المالكة..

بحثً أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار التي يرأسها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم مصير الثلاثة الكبار الذين يقودون البلاد.. وهم (الملك فيصل الثاني.. ملك العراق.. والأمير عبد الإله ولي العهد وخال الملك فيصل الثاني.. ونوري السعيد رئيس الوزراء).. وكان الاتفاق تاماُ حول التخلص من عبد الإله ونوري السعيد بمحاكمتهما أمام محكمة ثورية خاصة.. وكان المفهوم ضمناً إن الحكم سيصدر بإعدامهما.. أما مصير الملك فلم يبت فيه.. وقدم اقتراح بإجباره على التنازل عن العرش.. ثم نفيه خارج العراق.. وظل الأمر معلقاً ..
مع اقتراب إسقاط النظام أعلن عبد السلام محمد عارف رايهُ جهاراً في آخر مرة بحث فيها الموضوع قائلاً: (إن من الواجب قتل الثلاثة.. مستشهداً بالمثل الشعبي الدارج (كص راس.. موت خبر).. أي اقطعوا رؤوسهم واطمسوا خبرهم.. لئلا تكون هناك حجة محتملة لدول حلف بغداد والأردن بالتدخل العسكري.. وكان في ذهن عارف وآخرين ما حدث لقادة حركة مايس 1941 حين عاد عبد الإله إلى الحكم في العراق وأعدمهم ..(أي قطع الطريق على أنصار الملكية والبريطانيين).. لكي لا يتكرر ما حدث العام 1941..
وبهذا الصدد يروي الدكتور فاضل حسين في كتابه “سقوط النظام الملكي في العراق” ما ذكره له اللواء الركن مزهر الشاوي الذي كان معاوناً لرئيس أركان الجيش.. الذي قال: (إن عبد السلام عارف حضر عنده في وزارة الدفاع في اليوم الأول من تموز 1958.. وأخبره إن الجيش سيقوم بثورة وإنهم يريدون من مزهر تعاونه معهم.. ولما سأله عن مصير الملك مَررً بيده على رَقَبَته.. أي نَذبَحَه.. فرد عليه مزهر انه لن يكون شمر بن ذي الجوشن.. ويقتل العلويين.. نسبة إلى الإمام علي بن ابي طالب.. وقال مزهر: إن عبد السلام عارف خرجً من غرفته وتوجه الى غرفة رئيس الأركان رفيق عارف.. فتساءل الشاوي بينه وبين نفسه : كيف يطمئن الى عبد السلام صديق رفيق عارف ؟..
ويقال إن عبد الكريم قاسم.. لم يقتنع برأي عبد السلام عارف.. فاستشار زعماء الأحزاب المؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني عن طريق صديقه رشيد المطلك فأيد بعضهم إبقاء الملك وإجباره على تشكيل وزارة دستورية وإجراء انتخابات حرة.. ثم تقرر السلطة التشريعية نفي الملك وإعلان الجمهورية.. هذا هو رأي قيادة حزب الاستقلال ورئيسه الشيخ محمد مهدي كبة.. فيما أيد آخرون ومنهم كامل الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي قتل الملك فيصل الثاني أيضاً.. وبهذا الصدد يقول فاضل حسين (أحد كوادر الحزب الوطني الديمقراطي): سألني كامل الجادرجي : كم طلي (أي خروف) يذبح في بغداد في اليوم الواحد؟.. فقلتُ له: 45 ألفا.. فقال: (ليكن ما يذبح يوم الثورة 45 ألفا وواحد) ..
في حين أكد حسين جميل القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي بأنه خلال الاتصال الاول الذي تم بيني وبين الضباط الاحرار (عبد الكريم قاسم) عن طريق رشيد مطلك في تشرين الاول العام 1956 تم إبلاغي بأن الثورة ستتم بتصفية الثلاث الكبار (عبد الاله.. نوري.. فيصل).. كما ان الاتصالات الاخرى معي كانت تؤكد ذلك.. ومن ضمنها الطلب مني بالاتصال
بالرئيس جمال عبد الناصر ـ الذي تم في تموز 1957ـ حيث طلب مني ابلاغه بأن الثورة ستتم بقتل الثلاث الكبار) ..
ويبرئ الزعيم عبد الكريم قاسم نفسه من قتل الملك.. فخلال زيارة قاسم لأخته في بيتها في اليوم الخامس للثورة.. وعندما شاهدته أخذت تذرف دموعها.. فاعتقد قاسم أنها دموع الفرح.. لكنها سألته: (ليش.. ليش.. كريم تقتلون هذا الطفل المسكين إلي ما عنده ذنب).. عرف الزعيم قاسم: بأنها تشير إلى قتل الملك فيصل الثاني.. فردً عليها: (اقسم بالله العظيم.. لم يكن في خلدي قتل الملك أبداً.. وأنا بريء من دمه) !!
وما يؤكد إصرار وحماس عبد السلام لقتل الثلاثة (الملك فيصل الثاني.. والأمير عبد الإله.. ونوري السعيد).. ان عبد السلام عارف استقبل قاتل العائلة المالكة بالاحضان والقبل .. وقال له (عفارم .. زين سويت.. أنت بطل) ..
ـ بقيت حقيقة ماثلة للعيان.. وهي : ان ثورة 14 تموز 1958 سبقتها ستة محاولات لإسقاط النظام الملكي.. قام بها تنظيم الضباط الاحرار خلال الفترة 1956 ـ 1958.. كان هدف القائمين عليها القضاء على (الثلاثة الكبار.. أي الامير عبد الاله ..ونوري السعيد والملك فيصل الثاني).. بل ان المحاولة الرابعة التي كان من المقرر تنفيذها في احتفالية ذكرى تأسيس الجيش في 6 كانون الثان1956.. التي تقام في معسكر الرشيد.. من قبل القطعات المشاركة في هذه الاحتفالات التي كان يقودها الضباط الاحرار وهي: اللواء التاسع عشر الذي آمره الزعيم الركن عبد الكم قاسم .. وكتيبة المدفعية الثقيلة التي آمرها العقيد الركن محسن حسين الحبيب.. والفوج الثاني الذي آمره العقيد محمود عبد الرزاق.. وكانت خطة الزعيم عبد الكريم قاسم: تقوم دبابتان عند مرورهما أمام منصة التحية فتفتح النار على (الكبار الثلاثة) والقضاء عليهم.. ثم يقوم الضباط الاحرار باعتقال المسؤولين والسيطرة على الوحدات العسكرية الاخرى والزحف على بغداد.. غير ان اللجنة العليا للضباط الاحرار لم توافق على الخطة خوفاً من وقوع ضحايا بريئة.. فضلاً عن احتمال اصابة عدد من الضباط الاحرار الحاضرين في الاحتفال.. ووفاة الملك فيصل الثاني الذي تقرر عدم قتله في المناقشات السابقة.. فتخلت اللجنة عن هذه الخطة.. بالرغم من تحمس عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف لها ..
السفر المؤجل :
كان مقرراً أن يغادر الثلاثة الكبار(فيصل.. وعبد الإله.. ونوري السعيد) بغداد صباح يوم 14 تموز 1958 الى تركيا لحضور اجتماعات المجلس الأعلى لميثاق بغداد.. وكان الملك فيصل الثاني شديد الرغبة في لقاء خطيبته الأميرة فاضلة المقيمة في تركيا.. وإتمام مراسيم الزواج.. وعدم التأخر دقيقة واحدة.. لكن كما يقال: (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن).. حيث يذكر توفيق السويدي (الذي كان وزير خارجية الاتحاد العربي بين العراق والأردن) في مذكراته: إن وزير مالية الاتحاد العربي الهاشمي جاء إليه واخبره بان قانون الخدمة الخارجية وقانون توحيد النقد الاتحادي والبنك المركزي في الاتحاد قد أنجز.. ولم يبق على
نشره سوى يومين.. وهو يتمنى أن يتوجهما الملك بتوقيعه.. وقد سبق أن توجه إلى الملك ورجاه أن يؤجل سفره بعض الوقت ليتم التوقيع عليهما.. لكن الملك رفض تأجيل سفره..
وعدً توفيق السويدي وزير مالية الاتحاد عبد الكريم ألأزري خيراً.. وبعد ساعتين من لقائهما كان في طريقة إلى البلاط الملكي.. وقص في أثناء مقابلته للملك.. وبعد تململ طفيف للملك قال: طيب سأتأخر إلى يوم 9 تموز.. وفي 8 تموز وردت برقية الى الجهات المعنية في حلف بغداد من شاه إيران محمد رضا بهلوي.. الذي كان في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية.. يذكر الشاه في البرقية انه قابل الرئيس الأمريكي ايزنهاور.. ولديه بعض المعلومات التي يرغب بإبلاغها إلى مجلس الحلف.. ولما كان مروره بتركيا وهو في طريقه الى طهران سوف يكون يوم 14 تموز.. لذا يطلب في برقيته تأجيل اجتماعات مجلس الحلف من 9 تموز الى 14 تموز .. وهذا ما تم.. وتأجل أيضا سفر الملك فيصل الثاني الى اليوم المذكور.. وهكذا كان فيصل والنظام الملكي في العراق مع القدر فكانت نهايته في صبيحة ذلك اليوم وقبل ساعتين من سفره، وبالتالي لم يلتق بخطيبته ولم يتم الزواج ..
اليوم الدامي :
استيقظ الملك فيصل الثاني صباح يوم 14 تموز مبكراً.. وإذا بأحد الخدم يسرع إليه راكضاً ليخبره بأنه سمع الراديو يعلن عن قيام ثورة.. فاتخذ الملك طريقه الى خاله (عبد الإله) الذي كان يحلق وجهه ورن جرس (الهاتف) في مقر لواء الحرس الملكي.. وكان المتكلم النقيب (عبد الرحمن محمد صالح الدباغ) فاخبر رئيس الخفر بوقوف بعض سيارات الجيش على الشارع العام أمام القصر.. ونزول بعض الجنود منها وامتدادهم على الشارع والرصيف متخذين وضع الرمي.. وتم إخبار من في القصر أيضاٌ بذلك هاتفياً بواسطة الملازم (فالح زكي حنظل) احد ضباط الحرس الملكي ..
وفي غضون ذلك اتصل الشريف حسين زوج الأميرة (بديعة) شقيقة عبد الإله الذي كانت داره مجاورة لقصر الرحاب بالملك فيصل الثاني بواسطة خط هاتفي خاص بعد أن سمع إطلاق نار واخبره بأنهم غدوا محاصرين.. وقال له: إن كنت ترغب فسوف ابعث إليك ببعض من حرسي ..
روحوا شوفوا :
وارتد الأمير عبد الاله نحو الهاتف وجرت محاولات للاتصال بالأركان ثم برئاسة الوزراء.. لكن دون جواب .. وهنا اخذ الرصاص ينهال من الخارج باتجاه القصر على غير هدى.. فيضيع أكثره طائشاً في الحديقة.. وكان بعض رجال الحرس يردون بطلقات متقطعة.. وفي البهو وقف الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله يتبادلان الرأي.. وحولهما الملكة (نفيسة) والأميرة عابديه والأميرة هيام ووقف على مقربة منهم خدم القصر المقربون.. وقال الأمير عبد الاله: (إذا كانوا ما يريدونا.. إحنا ما نبقى) ..
وخرج الأمير من غرفته يحمل ورقة بيضاء ناولها للملك ثم نزل الاثنان على السلم إلى الطابق الأرضي.. وفي أسفل السلم وجدا الرئيس (النقيب) ثابت يونس مرافق الملك في انتظارهما.. فسأله الملك : ماذا تعرف ؟
فأجاب: سيدي شاهدتُ بعض الدوريات واقفة في آخر الطريق.. وبعض الجنود يطلقون النار.. واقدر عددهم بخمسين جندياً.. واعتقد إننا قادرون بكل سهولة على سحقهم ..
فقال الأمير عبد الاله: (ما نريد سحق احد.. إذا كانوا ما يريدونا.. نحن حاضرين نروح).. فاعترض الرئيس ثابت وأبدى شكوكه في تقدير الأمير للموقف.. وطلب إصدار الأمر الى لواء الحرس الملكي بالتأهب.. واحتلال مواقعه فرفض عبد الإله.. ولما ألحً ثابت هتف الأمير قائلاُ:(اسكت.. اسكت.. هم ما راحوا يقتلونا.. ونحن حاضرين نروح.. ونترك لهم كل شيء.. أما اذا جرت مقاومة فقد يحدث الأسوأ.. الأفضل إذن ان لا نقاوم وان لا نعطيهم حجة)..
ودار البحث أكثر من مرة في الهرب من القصر.. ما دامت الطرق حوله ما تزال مفتوحة من جهتين.. وتردد اقتراح بتهريب الملك في الأقل.. لكن الأمير عبدالاله قال: (ماكو لزوم.. ما راح يقتلونا.. وإحنا نروح ونتركهم).. ودخل الملك والأمير الى الصالون الكبير في الطابق الأرضي.. وهو المكان الذي اعتاد الأمير آن يستقبل فيه زائريه.. وقال: انا اعترف إذا بقيت الأمور على هذه الحال فسيدخلون علينا الى هنا.. ويقتلوننا ها هنا ..
ولما سمع الأمير الطلقة الأولى ذلك الصباح عقد العزم على الذهاب وترك البلاد.. بدلاً من الثبات والمقاومة .. أما الملك فيصل الثاني فلم يكن له رأي بوجود خاله الى جانبه ..
الهجوم والمقاومة :
وفيما كان الأمير عبد الإله يتوقع ان يفسح الثوار الطريق للأسرة المالكة كي تذهب الى المطار بعد أن قاربت الساعة السادسة صباحاً.. بداْ الهجوم على قصر الرحاب.. بعد أن صدرت الأوامر من العقيد الركن عبد السلام عارف إلى الرائد منذر سليم.. آمر السرية المكلف بهذه المهمة ..
يقول الرائد منذر سليم: (أخذت السرية مواقعها بالقرب من القصر وحوله.. وقطعت المرور من والى بغداد.. ووضعت حراسة مشددة على جسر الخر والطريق المؤدية إلى قصر الزهور .. أما بقية جنود السرية والبالغة 40 جندياً.. فقد امتدت على طول رصيف الشارع المحاذي للقصر وصوبت بنادقها نحو القصر.. ووضع رشاش برن أمام الباب النظامي).. ومع استمرار إطلاق النار حضر العقيد (طه البامرني) آمر فوج الحرس الملكي ودخل عليهما وهما في الصالون الكبير ومعهما مرافقان.. وبعد مقدمة: أمر الأمير عبد الاله بالاستعداد.. وعدم إطلاق النار إلا بأمري ..
تأزم الموقف :
اتصل الرائد منذر سليم هاتفياً بالعقيد الركن عبد السلام محمد عارف.. الذي اتخذ من مقر الإذاعة العراقية في الصالحية مقراً مؤقتاً له.. وشرح له الموقف طالباً نجدة.. فما كان من
العقيد عارف إلا أن اخذ يحث الجماهير العراقية من خلال المذياع للتوجه الى قصر الرحاب وسحق الهجوم والقضاء على عبد الإله ..
لقد كانت نداءات عبد السلام عارف الإذاعية حماسية مرتجلة.. ومما قاله: (أن الجيش يقتحم قصور الطغيان.. وها هو برصاصه وزئيره وقنابله المنصبة على قصر عبد الإله وقصر نوري السعيد.. اخرجوا إلى الشارع.. اخرجوا لتروا جثث عبد الإله وسيده في الطريق.. إن أبناء الشعب يجرون هذه الجثث الى الشارع جر الكلاب.. لقد انتفض الجيش العراقي الباسل.. ليقضي على أسياد هذه القصور.. ويقضي على طغيانهم ومفاسدهم.. وليحرر الشعب.. لقد أرادوا إرسال جيشكم إلى لبنان لمقاتلة الشعب اللبناني الشقيق.. لكن هذا الجيش أطاح بهم وقضى عليهم هم.. أيها الشعب العراقي لقد تحررت ولم يبق جلالة ولا فخامة ولا قصور ولا استعمار) ..
كما أجرى عبد السلام عارف اتصالاً بأخيه العقيد عبد الرحمن عارف ـ الذي كان آنذاك آمر كتيبة مدرعات فيصل في معسكر الوشاش القريب من القصر الملكي طالباً منه إرسال النجدات.. فيما بادر عدد من ضباط من دورة المشاة في المعسكر بالالتحاق لنجدة رفاقهم.. ومعهم كميات من الذخيرة والسلاح بما في ذلك مدفع وضاد للدروع عيار 106.. وحوالي 6 ضباط صف ..
(وهنا لابد أن نسجل للحقيقة والتاريخ كباحث وكشاهد عيان (أنا كاتب هذه الدراسة) : إن خطاب عبد السلام عارف.. ودعوته هذه كانت في وقت اشتداد مقاومة الحرس الملكي.. ولم تقتل أو تستسلم العائلة المالكة آنذاك.. إن تلك الخطب والكلمات لعارف دفعت الجماهير القريبة من قصور نوري السعيد والقصور الملكية والسفارة البريطانية.. مهاجمة تلك القصور ودمرتها ونهبت محتوياتها) ..
ولما اشتدت نيران المهاجمين أمر عبد الإله آمر الحرس الملكي إيقاف الرمي.. فيما دخلً الضابطان محمد علي سعيد وعبد الحميد السراج وعدد من ضباط الصف المهاجمين حديقة القصر من بابه الجانبي.. وأطلق الرئيس عبد الستار سبع ألعبوسي (احد ضباط دورة المشاة) ثلاثة قنابل من مدفعه باتجاه القصر.. فاندلعت النار في الطابق العلوي منه.. وكان الرئيس ثابت يونس مرافق الملك قد وضع حظيرة من جنوده في مدخل المطبخ.. وأمرهم برمي الضباط المهاجمين عند دخولهم القصر للتفاوض.. لكن المهاجمين لم يدخلوا.. بل طلبوا منهم أن يخرج الملك وولي العهد ليسلما نفسيهما.. فاخبروهم بان الملك والأمير عبد الإله غير موجودين في القصر ..
المجزرة :
شهادة أحد المهاجمين ..
يتحدث أحد العسكريين المهاجمين وهو: عبد الرزاق حميد حاجم (عريف مهذب في مدرسة الأسلحة الخفيفة الكائنة مقابل قصر الرحاب الملكي ضمن مجموعة معلمين في تلك المدرسة العسكرية بإمرة الرئيس الثاني (أي النقيب) ستار سبع ألعبوسي).. حيث يقول: قبل طلوع فجر
يوم الرابع عشر من تموز أيقظنا النقيب ستار من نومنا نحن مجموعة ضباط الصف.. وقرر أن نكسر باب مخزن السلاح.. ونأخذ اطلاقتي مدفع عيار 106 ملم حيث كان هذا السلاح يُنصًبْ على سيارة عسكرية مكشوفة.. وتوجهنا صوب القصر الملكي حيث الدبابات التي أحاطت بالمنطقة.. وعلى امتداد الشارع المؤدي إلى قصر الرحاب.. مكونة طوقاً عسكرياً حوله) ..
وأضاف العريف عبد الرزاق قائلاً: (عند وصولنا وجّه النقيب ستار المدفع صوب القصر ورمى إحدى الاطلاقتين.. وكانت هذه أول إطلاقة مدفع في تلك الليلة.. دون أن يكون هناك رد من قبل حرس القصر سوى بإطلاقات من رشاشات خفيفة.. بعدها بلحظات بدأ إطلاق النار صوب القصر حتى بدأت ألسنة النار والدخان تخرج من نوافذ القصر الملكي).. وأردف ضابط الصف قائلاً: (دخلنا إلى حدائق القصر.. وخرج احد الحرس الملكي الرائد ثابت وهو يصرخ على الثوار بقوله: ألا تخجلون.. إنكم تنتهكون حرمة ملك البلاد.. وهذا غير مسموح به!.. فجاءته إطلاقة فأردته قتيلاً.. ليكون أول ضابط يقتل في تلك الثورة.. بعدها بدأ خروج موظفي القصر وهم يلوحون بمناديلهم البيض دلالة على استسلامهم.. فتمً حجز الموظفين في إحدى حدائق القصر ..
وتابع سرد الاحداث قائلاً: (في هذه اللحظات خرجً الملك فيصل الثاني.. والى جانبه خاله الوصي عبد الإله.. والى جانبه الآخر جدته والدة الوصي عبد الاله وهم يحملون المصاحف.. وعند نزولهم درجات السلم باتجاهنا.. خرجً من بيننا النقيب ستار ألعبوسي.. وهو يوجه سلاحه سترلنك أمريكي الصنع صوب العائلة.. وهو يصرخ ويقول بأعلى صوته وبهستريا: لا تدعوهم يخدعونكم مطلقاً.. ثم بدأت إطلاقات سلاح ألعبوسي تتوجه صوب العائلة.. فسقطوا على الأرض وقضوا نحبهم.. فكانت هولاً عظيما بالنسبة ليً فتوجهتُ ساعتها صوب الملك الشاب.. فإذا قطرات دمع تنزل من عينيه)..
القاتل يروي الحدث :
لنترك الرئيس عبد الستار ألعبوسي (قاتل العائلة المالكة) يروي ما حدث في تلك اللحظات في تقريره الذي قدمه الى قيادة الثورة.. بدأه بالقسم بان كل كلمة فيه هي الصدق وليس غير الصدق: (… في هذا الأثناء شاهدتُ مدرعتين تتقدمان على الشارع المحاذي للسور باتجاه الباب.. فطلبتُ من إحدى المدرعتين أن تدخل من باب السور وتقوم بالرمي.. ثم تتقدم بغية الاستتار خلفها.. وعند وصول المدرعة الى الباب الخلفية تأكدنا بان الرمي قد انقطع من الداخل.. فتقدمتُ الى الباب الداخلية وشاهدتُ الرئيس ثابت يونس وسألتهٌ عن الملك وعبد الإله فأقسم ليً بأنه لا يعلم شيئاً عنهما.. وكنتُ متأكداً بأنه كاذب في قسمه..
وفي هذا الأثناء شاهدتُ الرئيس سامي مجيد وآخرين.. وكان لوجودهم في القصر اثر كبير في تقوية معنوياتنا.. وقد عدتُ الى الباب الرئيسة.. لأنيُ اشعر بوجود خدعة تدبر ضدنا.. وبينما كنتُ أسير وإذا بأحدهم يصيح (جو .. جو .. جو) فالتفتُ فجأة الى الخلف فشاهدتُ عبد الإله.. والى يساره امرأة عجوز تلبس نظارة.. والى يسارها الملك.. وكان على يمين عبد الإله والى خلفه امرأة تلبس فستانا اخضر.. وكانت بيضاء تميل الى السمرة وشعرها اصفر.. وكان خلفهم عدداً من حاشيتهم وخلفهم بعض الضباط ..
ويضيف ألعبوسي قائلاً: (وبينما تقربوا مني سمعتُ إطلاقات نارية باتجاهي.. فأجبتُ عليها بالمثل بصورة غير إرادية.. وفي اثر ذلك سقط عبد الإله والملك والمرأة العجوز على الأرض).. وهكذا أفرغً ألعبوسي رشاشته في صدور العائلة المالكة وهي مستسلمة.. وانطلق الرمي من كل الجهات.. ليكملوا اكبر مجزرة بشرية بحق النساء والخدم ..
المهم بعد مدة قصيرة حضر العقيد نوري الراوي آمر اللواء الجديد.. الذي عينته الثورة.. وسلم ألعبوسي له المفاتيح والفوج ورجع إلى مدرسة المشاة.. التي جاء منها لقتل العائلة المالكة.. بعدها انطلق ألعبوسي إلى دار الإذاعة في الصالحية.. حيث يقول: (التقيتُ العقيد الركن عبد السلام عارف.. وأخبرته بتفصيلات ما حدث فأجابني (عفارم .. زين سويت !!) ..
وضعت جثث أفراد العائلة المالكة في سيارة تابعة للقصر لنقلها إلى وزارة الدفاع.. لكن الجماهير الثائرة اعترضت السيارة.. وسحبت منها جثة عبد الإله .. في شوارع منطقة الكرخ.. ثم علقت الجثة أولاً على شرفة بناية تطل على جسر الشهداء.. ثم سحبت من هناك سحلاَ لتعلق على باب وزارة الدفاع في منطقة الميدان.. ثأراً لشهداء حركة العام 1941 الذين علقت جثثهم في المكان نفسه..
بينما دفنتْ جثة الملك في المقبرة الملكية.. وتم نقل الأميرة هيام (زوجة عبد الإله) والخادمة الى المستشفى الجمهور.. حيث أعطيتا العلاج وتم إنقاذهما.. أما الشريف حسين بن علي.. وهو من أبناء الأسرة الهاشمية فكان يسكن في قصر الأميرة راجحة المجاور لقصر الرحاب في شارع الأميرات مع زوجته الأميرة بديعة شقيقة عبد الإله وأولاده الثلاثة.. وقد تم نقلهم بمساعدة جار لهم الى السفارة السعودية.. حيث تم نقلهم الى القاهرة لاحقاً ..
انتحار قاتل العائلة المالكة :
لم يستطع الرئيس عبد الستار سبع ألعبوسي (قاتل العائلة المالكة) من أن ينام منذ اليوم الأول لمقتل العائلة.. وظل يرى يوميا الكوابيس.. ويظل ساهراً.. حيث يقول: (انه يرى يومياً الملك فيصل ينظر إليه.. ويرى عبد الإله وهو يقول له لماذا قتلتني ؟!!.. حتى وصل به الأمر الى الكآبة الشديدة.. وحالات الأرق وترك الخدمة.. وانزوى في بيته لكن ذلك لم يرح نفسه .. وبرغم من المراجعات والمعالجات الطبية.. لم يجد ألعبوسي طريقة لإراحة نفسه وضميره.. الى أن سحب مسدسه وانتحر .. وأنهى حياته ليرتاح من الكوابيس !!
(المصادر : شهادات .. ضمت هذه المقالة شهادات كل من : 1- الزعيم الركن عبد الكريم قاسم (قائد ثورة 14 تموز 1958) .. 2- العقيد الركن عبد السلام محمد عارف .. (الرجل الثاني في ثورة تموز) .. 3- توفيق السويدي (رئيس وزراء في العهد الملكي) .. 4- طه البامرني (آمر الحرس الملكي) .. 5- النقيب عبد الستار سبع ألعبوسي (قاتل العائلة المالكة) .. 6- المقدم صبيح غالب (احد الضباط الأحرار) .. 7- الرائد منذر سليم (آمر القوة المكلفة باحتلال قصر الرحاب) .. 8- الملازم فالح زكي حنظل (احد ضباط الحرس الملكي) .. 9- د . فاضل حسين (احد كوادر الحزب الوطني الديمقراطي.. 10ـ حسين جميل (أحد قياديي الحزب الوطني الديمقراطي) .. 11ـ عبد الرزاق حميد حاجم (نائب ضابطـ أحد المهاجمين) ..
(ملاحظة) : انتظرونا في مقالتنا المقبلة : (الوجه الاخر لثورة 14 تموز ـ2ـ .. اختفاء نوري السعيد .. وحقيقة مصرعه) ..