23 ديسمبر، 2024 10:57 ص

الوجه الأخر للسيد محمد سعيد الحبوبي

الوجه الأخر للسيد محمد سعيد الحبوبي

مرارا وتكرارا ارتجف القلم بين أناملي وانأ أخوض في سيرة علم من إعلام الشعر العربي ورمز وطني من رموز التحرر والمقاومة الشعبية .وأتناول الجانب الأخر للوجه المنير للشاعر والثائر محمد سعيد ألحبوبي .وكلما مررت بقرب تمثاله المهيب والذي يتوسط شارع ألحبوبي في مدينتي الناصرية . أحسست باني انطلق من تحت هذه العباءة التي كانت ملاذا للكثير من ممن هزهم الوجد والهيام من فراق أو غدر حبيب . فتغنى أو ترنم بشعر الشاعر  محمد سعيد ألحبوبي شاعر الوجد والحب والهيام. والذي شُغف الناس به  لرقة شعره وسمو معانية الذي أطربهم وشرح قلوبهم ونسوا الرجل الاخررجل  الدين المعمم الملتحي. ومن الظلم والإجحاف آن نتذكر ثورية ألحبوبي وننسى أنّ قلبه لم يكن من القلوب التي يدخلها الحبّ, وأنّ طبعه لم يكن يستجيب، في يوم من الأيام، لما في الحياة من متعة ولذة وجمال. وهو الذي يقول مترنما بصبية كرخية حلوة الشمائل سلبت لبه وذهبت بعقلة فخاطبها :

يا غزال الكرخ وا وجدي عليك   كـاد سـري فيـك أن  ينهتكا

هذه الصهباء والكأس لديــك      وغرامـي في هـواك احــتنكا

فاسقني كأساً, وخذ كأساً إلـيك     فلذيــذ العـيش أن نشـــتركا

لقد كان فطحل زمانه و عميدا لمدرسة شعرية تعتمد حلاوة الألفاظ ورقة المعاني، ولشعره سلطان على العواطف فيهزها وعلى المشاعر فيوقظها، أخذ من القديم التقليد في عمود الشعر وأساليبه، ومن الجديد أظرفه فبرع في صناعة الشعر بألوانه وأغراضه وبطرق مختلفة فمن موشحات إلى تخميس إلى مديح ورثاء ومراسلات. وفي كل ذلك تنساب عنده الألفاظ كالماء الزلال فيها العذوبة والرقة والإيقاع الموسيقي مكونة معزوفة تهز المشاعر والعواطف وتستهوي النفوس، فكثرت في شعره التشبيهات والاستعارات فنظم في الخمريات والغزل والحب رغم انه عاش في بيئة محافظة دينية تحرم الخمر ووصف الحبيبة. وهو يقول عن نفسه

 غير أني رمت نهج الظرفا            عفة النفس وفسق الألسن

 قالها وكأنه مهزوم أمام هذه العاطفة الجياشة التي لامناص من أن تحاورة الروح وتتجلى فيها الأحاسيس ورغم آن كلماته لا تحمل الفحش ولا الفسق. ويظن العض ظن السوء  بكبيرنا ألحبوبي فيعتقد انه كان سكيرا ماجنا  تعود على منادمة الر اح وشرب الأقداح .

حيث قال :

شمس الحمياّ تجلتْ في يد الساقي       فشعَّ ضوء سَناها بين آفاق

سترتها بفمي كي لا تنمّ بنا               فأججتْ شُعلة ً مابينَ آماقي

تشدو أباريقها بالسكب مفصحة   يشرى السليم فهذي رقية الراقي

خذها كواكب أكواب ٍيشعشعُها   ما يحتسي الطرف من أقداح أحداق

 

لكنة كان مفعما بالوصف والتشبيه فتارة يصفها بالقهوة وتارة يصفها بالسلسبيل بلا مخالطة والمنادمة فقال عن ذلك :

لقد وصفتها لكم عن عفة                         فلا رأت عين ولا ذاق فم

كيف لا وهو الذي نهل الأدب ومنابع اللغة العربية من (نحو، وصرف، وبلاغة) من مصاحبة خالة ومعلمة  الشاعر (الشيخ عباس الأعسم) الذي رأى علامات الموهبة باديةً على ابن أخته، فسرّ لذلك وتعهد أن يكون الراعي لهذا اليافع الألمعي . وحفظ السيد ألحبوبي هذا الصنيع بعدئذ لخاله فقال في مدحه:

 لي من مكارمه أبر أبوةٍ                   برّت, ولو قابلتها بعقـوق

 متذكرا شاكرا حنوه وعطفه علية :

مسددي للقصد إما رافعاً                  علماً, وإما مرشدي للطريق.

 

آسهم ألحبوبي أسهاما واضحا وجليا في حركة الشعر العربي العراقي، وكانت ذروة عطائه الشعري عندما بلغ الثلاثينات من عمره. وتُعَدّ موشحاته من أروع ما نظم  في الشعر، حيث غناها المحبون والمحبات وحفظت على القلوب. رغم انه  هجر الشعر في آخر أيامه بحادثة كان التطرف والتعصب سببا   .حيث عرضت قضية فقهية احتدم حولها الجدل والنقاش بين الحاضرين كان (محمد سعيد ألحبوبي) صريحا  فأصر على صحة رأيه. فما كان من احد الفقهاء أن قال له بلهجة الانتقاص والتعيير (أين أنت من هذا؟ إنّما أنت تحسن أن تقول (يا غزال الكرخ وا وجدي عليك). فتألم ألحبوبي من قوله واعتبره طعنة وازدراء, فصمم  ترك الشعر. لكنه لم يستطع شانه شان العاشق المولع المستهام بقوافيه وابياتة  فقال :

تركت نظم القوافي ثم عدت له        مؤدياً كل فرضاً كان محتوماً

ولا يلام من شب على قول القريض فعذل فترك ثم عاد ولا يلام ممن تشبب بالمرأة ووصف الخمرة كالحبوبي وهو رجل دين ورع بل مجتهد ومجاهد –  كما مر آنفا –  ومن المهم أن نستوعب فكرة ان للسيد ألحبوبي وجه أخر وجانبا منيرا ومشرقا وملهما للأجيال على مدى الدهور .