تحدثتُ في سلسلة المقالات السابقة عن إزدواجية المعايير لدى طبقة الملالي المتربعين على كرسي الحكم في إيران في تعاملهم مع الولايات المتحدة الأمريكية (التي يصفونها بالشيطان الأكبر) وإسرائيل والغرب بشكل عام أو ما اعتاد الملالي وحلفاؤهم في المنطقة أن يسمونه بقوى الاستكبار .
واليوم نتطرق الى الإتفاق النووي المبرم بين حكومة طهران من جهة والإدارة الأمريكية والدول الست من جهة اخرى، والذي ينص على رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن نظام الملالي بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تحترم التزاماتها، ويمكن إعادة العمل بالعقوبات في حال عدم تطبيقه.
إن أزمة الملف النووي الإيراني استمرت أكثر من اثني عشر عاماً دون التوصل الى حل، وطيلة السنوات التي قام فيها الملالي باستعراض عضلاتهم أمام الدول العربية وتهديدها بالسلاح النووي بهدف جعلها تضطر الى التزام الصمت تجاه قيامهم بتمرير أجنداتهم التخريبية، تعرضت إيران الى عقوبات اقتصادية مُهينة كادت أن تؤدي الى انهيار اقتصادها بالكامل ليرافقه انهيار النظام السياسي وسط حالة من التذمر والسخط الشعبي تجاه سياسات هذا النظام الأحمق المصر على امتلاك قنبلة نووية.
وفي نهاية المطاف باتت حكومة طهران مرغمة على إبرام الاتفاق النووي والقبول بشروطه بعد خسائر فادحة قيمتها تفوق 175 مليار دولار سنوياً بسبب الحظر والعقوبات التي أنهكتها، وفجأة تحول الشيطان الأكبر الى حليف ستراتيجي وتبخرت شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، كما ان الإعلام الإيراني غيّر نبرة خطابه الحادة تجاه أمريكا بسرعة البرق وبات يتحدث عنها بكل احترام وتبجيل .
وإزاء هذه الحالة المقرفة من النفاق السياسي قد يقول قائل بأن السياسة لادين لها، لكننا نقول : بل ملالي إيران لادين لهم ولا كرامة ولا هيبة ولا خجل لديهم، بل إنهم أناس بلا أخلاق..!
لقد كانت سياساتهم المناوئة لأمريكا تنطلق – ولو ظاهرياً – من منطلق ديني باعتبار أمريكا وإسرائيل عدوّتين افتراضيتين للإسلام والمسلمين، فأي دين هو دين الملالي الذي يتغير 180 درجة تجاه ما يصفونه بالشيطان الأكبر بمجرد توقيع الاتفاق النووي؟ أين التوجهات العامة لهذا النظام التي طالما أضفى عليها الولي الفقيه هالة من القدسية باعتباره نصب نفسه وكيلاً عن الذات الإلهية على الأرض؟ أين زمجرة الخميني وخطبه المسجلة والمليئة بالسباب والشتائم الموجهة الى أمريكا ودول الاستكبار؟!
لأكثر من 37 عاماً كان نظام الولي الفقيه ينظم مسيرات جماهيرية حاشدة في طهران والمحافظات احتجاجاً على سياسات أمريكا والغرب، وفجأة يتحول الأعداء الى أصدقاء؟! فبأي حق يقوم الملالي بالاستخفاف بالجماهير والضحك على عقولهم والكذب عليهم بمسرحية قوى الاستكبار العالمي؟ يبدو أن هذا النظام لايحترم شعبه أساساً !
لكن من يعرف حقيقة النظام الإيراني الانتهازي سيدرك جيداً أن هذا النظام منذ تأسيسه يعاني أزمة أخلاق، فهو بالحقيقة على أتم الاستعداد للتحالف مع الشيطان نفسه للحفاظ على ديمومته .