كثر الحديث عن الزمن الجميل “زمن الحكم الملكي في العراق”.. اليوم نقدم بالوقائع والحقائق الموثقة.. الوجه الآخر.. والصورة الحقيقية للحكم الملكي.
أولاً: التخلف:
ـ عندما سقط النظام الملكي.. بعد ٣٧ سنة من قيامه..كانت:
ـ نسبة الأمية 80% .. (جمهورية الخوف ص ١٤٠).
ـ فحتى ثلاثينيات القرن الماضي لم يكن في العراق أية جامعة.. أو كلية.. أو حتى معهد يعتد به.. إذا ما استثنينا كليتي الطب والحقوق.. وكانت كل من هاتين الكليتين تابعة الى إحدى الوزارات.. ولم تتأسس جامعة بغداد إلا العام ١٩٥٧.
ـ عدد المتعلمين بشكل عام لا يتجاوز أل 7 % من مجموع سكان العراق.. وعدد المدارس محدوداً.. وأبنيتها دور مستأجرة.. فيما عدا بعض المدارس.. التي بقيت من العهد العثماني.. وهي قليلة جداً.
ـ أما الموظفون.. فكان غالبيتهم لا يملك الشهادة الثانوية.. وقد يقرأ ويكتب فقط.
ـ حتى الأكثرية الساحقة من النواب في المجالس النيابية كانت من الأميين أو أشباه الأميين.. فعلى سبيل المثال: كانت نسبة الأميين في المجلس النيابي لدورته العام 1930 (73% ).
ـ أما الذين يحسنون القراءة والكتابة في تلك الدورة فكانت (8 %).. وفي دورته العام 1935 كانت نسبة الأمية (60 %).. والذين يحسنون القراءة والكتابة (15 %).
ثانياً: الوضع الصحي والمعاشي:
ـ كان معدل عمر الفرد العراقي لا يتجاوز 28 ـ 30 سنة.. ولولا ارتفاع معدلات الولادة.. لانقرض الشعب العراقي.. (ليث الزبيدي.. ثورة 14 تموز.. ط2.. ص 29).. ويقول لونكريك (العراق الحديث ص ٦٣٨ ): كان معدل وفيات الأطفال ما يزال مرتفعا بشكل يدعو الى الأسى.
ـ كان عدد سكان العراق 3 ملايين وفق إحصاء 1934.. و 7 ملايين نسمة وفق إحصاء 1957.
ـ عندما سقط الحكم الملكي.. كان أربعة أخماس عائلات العراق بلا أية أملاك.. لا سكن.. ولا غيرها.. (بطاطوـ العراق الكتاب الأول ص ٤٢٩).
– التباين الطبقي كبير.. والفقر مدقع لغالبية الشعب.. واستئثار عوائل بالمناصب العالية والمقربة من العائلة الملكية بالامتيازات.. أشار لذلك السفير البريطاني في بغداد في إحدى رسائله الى الحكومة البريطانية.
ثالثاً: الفساد:
ـ وصفت المخابرات البريطانية الطبقة الحاكمة في العراق الملكي باللصوصية.. أو حرفياً: قلة متحكمة من مبتزي المال.. (بطاطو ص ٣٨٣).. أمثلة على ذلك:
– عدم اكتراث الملك فيصل الأول لنصائح الانكليز في عدم حاجةً العراق لتشكيل جيش كبير من أربع فرق ومن غير عقيدة واضحة.
ـ نتيجة هذه السياسة تم إنفاق مبالغ طائلة من إيرادات الدولة على الجيش وقوى الأمن على حساب محاربة الفقر والعيش الكريم.
ـ رشيد علي الكيلاني.. رئيس الوزراء 1933 ـ 1941.. استغل وجود ثغرات في قانون العقارات والأراضي الأميرية ليستحوذ على مزارع وارضي زراعية شاسعة في عدة محافظات.. إضافة الى استحواذه على مناطق راقية في بغداد والأعظمية.. وقد ثبتها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه “تاريخ الوزارات العراقية”.. ولم يستطع نوري السعيد رئيس الوزراء من إعادتها الى الدولة.. بعد فشل حركة رشيد علي الكيلاني في العام 1941.. لان الكيلاني استطاع تسجيلها بشكل أصولي مستغلا منصبه.
ـ استولى ياسين الهاشمي.. رئيس وزراء العراق 1925.. على أراضي الحكومة .. وصارا هو والكيلاني من كبار الإقطاعيين ـ (عبد المجيد حسيب القيسي..التاريخ يكتب غدا ص ٧٠ .. ومير بصري ـ أعلام السياسة ص ١٨٢ ).. كذلك رؤساء الوزراء الآخرون.. (بطاطو ص ٣٩٤ و٢١٢ ـ ٢١٨ ).
ـ جعفر العسكري.. رئيس الوزراء 1923 ـ 1936.. استحوذ على مناطق واسعة من منطقة العطيفية “أرقى مناطق بغداد” من دون وجه قانوني.. حتى إن السفير البريطاني في العراق رفع مذكرة الى الملك فيصل الأول يشير فيها.. الى إن جعفر العسكري استحوذ على هذه الأراضي من دون سند قانوني.. وحتى لم يدفع الرسوم البسيطة لتسجيلها.. (عبد الرزاق الحسني.. تاريخ الوزارات العراقية في العهد الملكي.. الجزء الرابع).
ـ أرشد العمري.. رئيس الوزراء 1946 ـ 1954.. استغل منصبه كأمين العاصمة ـ بغداد.. في العام 1941.. ليستحوذ على مناطق وأراضي في أرقى مناطق بغداد.. في منطقة بارك السعدون.. دون أن يدفع فلساً واحداً.. كصاحبه رشيد عالي الكيلاني.
ـ نوري السعيد أخذ رشوة من شركة نفط العراق.. ( بطاطو ص ٣٩٢ ).. واستخدم ميزانية الدولة لأغراضه الشخصية.. (القيسي ص ١٧٢).. فكان السعيد عندما يرشح لرئاسة الوزارة يشترط أن يكون وزيراً للدفاع أيضاً.. حتى يستطيع إقامة الدعوات والحفلات وغيرها.. فمخصصات هذه الوزارة مفتوحة.. فضلا عن فساد ابنه صباح.. (بطاطو ص ٣٩٢).
ـ كان علي حجازي مدير الشرطة العام يضع مراكز الشرطة بالمزايدة.. ويمنحها لأكثر الدافعين من المفوضين والمعاونين (القيسي ص ٥٣٥).
ـ بلغ من فساد الشرطة أن جرى إعدام أبرياء ـ في قضايا جنائية ـ بدلاً من المجرمين الحقيقيين.. (الهلالي ـ قال لي هؤلاء ص ١٨٨ ـ ١٨٩).
– شبهات الفساد في تنفيذ مشاريع الأعمار.. كما ورد في أحد تقارير المخابرات الأمريكية.. علما بان أولويات مشاريع الأعمار لم تكن تصب في مصلحة الشعب العراقي.. قدر ما كانت تصب في صالح المصالح المتصارعة الأمريكية والبريطانية لحلب الإيرادات المتزايدة من تزايد صادرات النفط.. حيث كان لكلا الطرفين تمثيل في مجلس الأعمار.
انظر: الصراع الأمريكي البريطاني في مجلس الأعمار:
https://www.facebook.com/100000905946129/…/2027335440639968/
http://almadasupplements.com/news.php…
ـ ترك الفساد أخطاراً جسيمة على مستقبل العراق.. فناجي الأصيل وزير الخارجية ذهب الى إيران.. للتفاوض بشأن الحدود وشط العرب.. ووقع اتفاقية العام 1937 تساهلً في ذلك.. ورفضها مجلس النواب ( بصري ص ٨٦ ).. وكان عبد الله بن سعيد وزير خارجية نجد (السعودية) قد وقع اتفاقية الحدود مع العراق.. ثم أصبح بعدها وبقرار من نوري السعيد وزيرا لخارجية العراق.. وصار اسمه عبد الله الدملوجي.. ومكلفا بملف الحدود مع السعودية (بصري.. ص ٦٤).
ـ عندما هاجر اليهود من العراق.. قامت شركة يملكها توفيق السويدي.. التي سنت وزارته الثالثة قانون إسقاط الجنسية.. الذي ساعد اليهود على الخروج من العراق الى إسرائيل وتهريب أموالهم لدعم الكيان الصهيوني بالمال والنفوس.
وأوضحت محكمة الشعب إن المتهم توفيق السويدي وأعوانه كانوا يستوفون (10) دنانير عن كل يهودي..! لتسفيرهم الى إسرائيل.. كذلك: (الإزري ص ٣٦٥).. ولما مسكوا رئيس التنظيم الصهيوني.. هربوه خارج العراق.. ووضعوا محله مجنونا يهودياً.. (مذكرات بهاء الدين نوري ص ١١٨ـ ١١٩).
ـ عندما كان الجيش العراقي يقاتل إسرائيل العام ١٩٤٨.. كان عدد من المسؤولين العراقيين وأقاربهم يهربون البنزين الى إسرائيل.. (روفائيل بطي ـ ذاكرة عراقية الجزء الثاني ـ ص ١٤٠).
– المشاركة في حرب فلسطين ثم انسحاب الجيش المفاجئ! والرضوخ لقرار التقسيم الذي اعتبر خيانة كبرى.
رابعاً: مهزلة الانتخابات النيابية.. والإحكام العرفية:
ـ ضرب العديد من فقرات دستور المملكة فيما يخص الحريات والانتخابات.
ـ كانت الانتخابات النيابية في العهد الملكي مهازل حقيقية.. يقول النائب والوزير عبد الكريم الإزري بان قريباً له اتصل به يخبره بان الإذاعة أعلنت قبل قليل فوزه في الانتخابات نائباً عن محافظة العمارة.. رغم انه لم يرشح ولا يعلم بترشيحه. ولم يكن راغباً بذلك.. (الإزري.. ص ١٦).
ـ هناك روايات مماثلة كثيرة.. الغريب إن المجالس النيابية.. التي كان يتم تشكيلها بهذه الطريقة.. كان يتم حلها بعد أسابيع أو أشهر من ذلك.. ما خلا مجلس واحد أكمل مدته.. لكنه شهد أسوأ المهازل الدستورية.. فهو الذي عزل عبد الإله عن العرش.. في مايس ١٩٤١ـ بإجماع الحاضرين.. وهو الذي أعاد عبد الإله بعد شهر من ذلك بإجماع الحاضرين أنفسهم أيضا.
ـ إحدى هذه المهازل.. أن نوري السعيد ألغى البرلمان في إحدى دوراته العام 1954 بعد يوم واحد فقط من افتتاحه.. لفوز أحد عشر نائباً فقط من المعارضة من مجموع 130 نائباً.. رغم محاولات السلطة الملكية لتزييف تلك الانتخابات.. إن العبرة ليس بوجود دستور ديمقراطي وبرلمان.. بل المهم هو دور الدستور والبرلمان في الحكم وحياة الشعب.
لقد كان الدستور حبراً على ورق.. والبرلمان جسماً بلا روح.. لذلك وصف الشاعر معروف الرصافي ذلك العهد بقوله:
علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
إن دام هذا في البلاد فإنه بدوامه لسيوفنا مسترعف
كم من نواص للعدى سنجزها ولحى بأيدي الثائرين ستنتف
خامساً: الطائفية:
ـ يقول كامل الجادرجي.. رئيس الحزب الوطني الديمقراطي: إن نوري السعيد كان يريد أن يجعل من أبناء الجنوب الشيعة عمالاً ماهرين.. ومن أبناء السنة خريجي جامعات.. (رفعت الجادرجي ـ صورة أب ص ١١٦).
ـ كانت مناطق الجنوب يمثلها نواب.. تعين الحكومة نصفهم من (السنة).. والذين لم يسبق لهم زيارة تلك المناطق…. أو ربما كانوا لا يعرفون أين تقع.
ـ كان الأمر سيبدو اقل فجاجة.. لو إن الحكومة عينت ـ لمرة واحدة فقط ـ نائبا شيعياً ليمثل منطقة سنية.. (الإزري ص ١١٠ ـ ١٢٢).
ـ يقول الملك فيصل الأول مؤسس الدولة العراقية: العراق مملكة تحكمها حكومة سنية.. تحكم قسما كردياً.. وأكثرية شيعية.. (البزازـ العراق من الاحتلال الى الاستقلال.. ص ٢٣١).
ـ ويعلق عبد الله ألنفيسي قائلاً: “لو إن الشيعة أعطوا قسطاً أوفر من المشاركة في الحكومة لكان في الإمكان تجنب الكثير من الخيارات المرة.. وكثير من الاضطرابات الدامية”.. (العلوي ـ الشيعة والدولة القومية ص ١٥٠).
طائفية.. رؤوساء الوزراء:
كان عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء (1924 ـ 1925).. لا يفسح المجال للمعارضة النيابية وغيرها التي تقودها الشيعة.
ـ فعندما حاول نائبا ألمنتفك (الشيخ محمد باقر الشبيبي.. والسيد عبد المهدي) تأسيس حزب سياسي في آب 1925 ثار وغضب عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء.. واتهمهما إنهما مفسدان يريدان بث التفرقة بين السنة والشيعة.
ـ الواقع إن اتهامه هذا لا يمت الى الحقيقة بصلة.. إنما الدافع الصحيح من وراء هجمته تكمن في خوفه من عودة المعارضة الإسلامية الشيعية.. وهو ما عبر عنه السعدون في كتاب أرسله الى الملك فيصل الأول يقول فيه: (كنتُ عرضتُ لجلالتكم في السابق.. إن بعض نواب الجعفرية ساعون لتأسيس حزب سياسي.. وتوسيع اشتراكهم في إدارة الحكومة.. وألان قد حصلت ليً القناعة أن في هذه التشبثات ما يوجب القلق).
ـ انتخابات 1925:
بالرغم من خطورة الموقف أراد السعدون إجراء الانتخابات لمجلس النواب العام 1925.. التي لم يكن الملك فيصل والانكليز مقتنعين بإجرائها.. خوفاً من اندلاع ثورة جديدة.. لكن السعدون أصر على إجرائها.. واستخدام القوة ضد المعارضة.. فواجه معارضة إسلامية شعبية يقودها علماء المسلمين.. فوقف بوجهها واتخذ إجراءات شديدة.. منها:
ـ محاصرة مدينة الكاظمية بقوات عسكرية مكثفة.. واعتقال الشيخ مهدي ألخالصي وتسفيره فوراً الى الحجاز.
ـ نفي كبار علماء الدين من الكاظمية وكربلاء والنجف الى إيران.. وعلى رأسهم السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ حسين النائيني.. واعتقال عشرات من قادة المعارضة المدنية.. وأجرى الانتخابات بإسلوب غير قانوني.. وسط تهديد السلطة وإجراءاتها الإرهابية ووسط معارضة ظلت مستمرة.
طائفية ياسين الهاشمي:
ـ يتباهى ياسين الهاشمي.. رئيس الوزراء.. علانية بأنه منع المواكب الحسينية في عاشوراء في الكاظمية العام 1925.. واعتقل رجال الدين الشيعة البارزون في الكاظمية.. ونفى بعضهم الى إيران.
سادساً: عسكرة المجتمع:
– عسكرة المجتمع العراقي.. من خلال تأسيس النشاط الكشفي الذي قام به الملك غازي.. ومن ثم تطويع الشباب في منظمات الفتوة الذي أسس الى الرغبة العاطفية لحمل السلاح.. والاستقواء به من قبل الشباب.
لم يكتفي الملك الشاب بذلك بل كان أول من شجع الجيش على عمل الانقلابات العسكرية التي كان من أولها حركة بكر صدقي التي دعمها الملك غازي للتخلص من رئيس الوزراء ياسين الهاشمي.. شاهد مصدر ذلك على الرابط التالي:
https://www.almadasupplements.com/news.php…
ـ زج الجيش في تنفيذ المخططات والمؤامرات الإنكلو ـ أمريكية لمحاربة الأنشطة الوطنية في سوريا بحجة محاربة الشيوعية.. والإنفاق على ذلك من العائدات المالية التي يفترض أن تخصص لتحقيق كرامة العيش للشعب العراقي.. (لاحظ الجزء الأول من جلسات المحكمة العسكرية العليا الخاصة).
سابعاً: العمالة لبريطانيا:
ـ اثر تأميم جمال عبد الناصر قناة السويس.. راح عبد الإله “الوصي على العرش” يحرض البريطانيين على مهاجمة عبد الناصر وإسقاطه بأسرع ما يكون.. (دي غوري الملحق العسكري البريطاني ص ٣٠١ ـ٣٠٢)..
ـ ثم ورط نفسه بالمؤامرة على سوريا.. التي أدت بصورة مباشرة الى سقوط النظام الملكي.. فبدلاً من أن تذهب القوة المكلفة بذلك الى الأردن.. هاجمت القصر الملكي وأسقطت النظام.
ـ احمد مختار بابان رئيس آخر حكومة ملكية.. يقول: ” نوري السعيد: ظل على علاقته ببريطانيا.. حتى بعد تراجع نفوذها بعد الحرب العالمية الثانية.. وعلى إبقائه لقواعدها العسكرية”.. (مذكرات بابان ص ٥٥ ).. ولم تقدم بريطانيا للعراق.. أي دعم يتناسب وتحالفه معها.. (بطاطو الجزء الثالث ص ٧٥ – ٧٦).. حتى انه لم يكن في العراق ـ عندما سقط النظام الملكي ـ جهاز رادار واحد لكشف الطائرات.. (الزبيدي ص ٢٧٧).
ـ ليست هناك امتيازات نفطية في العالم تشبه تلك التي تتمتع بها شركات النفط الاحتكارية في العراق.. من ناحية شمولها لكل الأراضي العراقية.. بحيث لا يحق للعراق نفسه التنقيب عن النفط في أراضيه.. فضلا عن تحكمها بالإنتاج.. فالكويت تنتج ٦٠ مليون طن سنوياً.. بينما ينتج العراق ٣٠ مليون طن.. (مذكرات احمد مختار بابان ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧).
– ضرب المصالح البريطانية عرض الحائط واستبدالها بمصالح أمريكية.. ومن دول أخرى في مختلف المجالات وبالذات التسليح والنفط.
ـ طموح الوصي ليكون أميراً على سوريا.. وطموح نوري السعيد لضم الكويت الى العراق.
(شاهد شهادة الدكتور وليد الخيال عن ذلك في هذا الرابط:
https://www.facebook.com/groups/38667232966/permalink/10156113656127967?sfns=mo).
ثامناً: الصراع على السلطة بين المسؤولين:
ـ استغل ياسين الهاشمي رئيس الوزراء حادثة زواج الأمير عزة من الخادم الإيطالي في روما وإعلان نفسها مسيحية.. ليحاصر أفراد الأسرة المالكة بما في ذلك الملك غازي نفسه.. ومن الواضح إن القانون قصد به الحد من تصرفات غازي الشخصية التي كان يمارسها في قصر الحارثية.
واغلب الظن إن هذا الموقف دفع الملك غازي الى التفكير في الخلاص من ياسين الهاشمي.. وكان من الطبيعي أن يفكر غازي في انقلاب عسكري يطيح بوزارة الهاشمي.. ويكون هذا الانقلاب برئاسة بكر صدقي الذي كان مقرباً للملك غازي.
وهذا لا يمنع إن بكر صدقي كانت لديه دوافع خاصة في إحداث هذا الانقلاب.. فهناك إجماع بين المؤرخين على إن بكر صدقي كان دائم الشكوى من انه لم يكافأ كما يجب نتيجة لخدماته الوطنية وأبرزها الحادث الآشوري.
وتدل الوثائق البريطانية على إن غازي كان على علم كامل بالانقلاب قبل حدوثه.. ويضيف الى هذه الأدلة ما ذكره الدكتور هاري سندرسون في مذكراته التي سبق الإشارة إليها في فصل تحت عنوان (انقلاب عسكري) فيقول:
“دعيتُ الى قصر الزهور في الساعة العاشرة من صباح 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1936 ورأيت الملك غازي في زيه العسكري يحمل مسدساً على احد جانبيه.. وبعد أن أجريت الفحص الطبي كاملا سألته لماذا الاضطراب يا سيدي.. فأشار الى السماء التي اخذ ينظر إليها بمنظار مكبر حيث كانت بعض الطائرات تلقي قليلا من القنابل.
لم يكن لديً أي شك في إن الملك كان يعلم بالانقلاب مسبقا.. وان كل ما كان يخشاه فشل ذلك الانقلاب أمام انقلاب مضاد”.. ولعل هذا يقف دليلا على اثر حادثة الأميرة عزة في الملك غازي وعلى علاقة الملك غازي بانقلاب بكر صدقي للإطاحة بوزارة الهاشمي.. وبالفعل تحقق له ما أراده إذ قدم ياسين الهاشمي بعد هذا الانقلاب بساعتين استقالته.. وتولى الوزارة حكمت سليمان مع بعض وزراء من جماعة الأهالي.. وبهذا الانقلاب يدخل تاريخ العراق للحديث في مرحلة جديدة.
تاسعاً: الأسلوب البوليسي في مواجهة المعارضة السياسية:
– الاعتقالات السياسية والأبعاد والنفي الذي طال الكثير من السياسيين.
ـ عندما سقط النظام الملكي في العراق.. كان عمر جريدة الأهرام المصرية ثمانين عاماً.. بينما لم يتجاوز عمر أية جريدة أو مجلة عراقية السنتين.. فقد فُرضت الأحكام العرفية.. في العهد الملكي ـ ست عشرة مرة.. (الزبيدي ص ١٩).. حيث يتم منع كل أشكال الحياة المدنية أو الثقافية.. وحتى تجمع بضعة أشخاص لأي غرض كان.
ـ المذابح وسفك الدماء في أحداث كل من الفرات الأوسط.
ـ الفرهود ومذابح الجيش في ثورة بكر صدقي سنة 1936 .. وفِي أحداث ١٩٤١.. ومذابح الآشوريين (آب 1933).. وقصف القرى الكردية بالغازات السامة 1945.
ـ وكرد فعل لاستهتار السلطات في العهد الملكي بالديمقراطية والدستور والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني.. فقدً الشعب ثقته بهذه المؤسسات واستهان بها.. مما شجع على تسييس العسكر وتدخلهم في السياسة.. وشجع هذا الموقف على تبني القوى السياسية الوطنية العنف السياسي.
لم يكن العهد الملكي عهد استقرار وازدهار وديمقراطية كما يدعي هؤلاء.. بل كانت هناك انتفاضات ووثبات وانقلابات وقلاقل ومحاولات انقلابية تواجه بالنار والحديد.. فقد تم في ذلك العهد:
ـ إسقاط الجنسية عن مناضلين.. وأعدم قادة سياسيون لمجرد الاختلاف في المعتقد السياسي.
ـ أطلق النار على المشاركين في مظاهرات سلمية لمجرد الاحتجاج على اتفاقيات جائرة.. وتم قتل :
عمال مضربين في مجزرة كاور باغي في كركوك والبصرة.
تعذيب المعتقلين وقتل السجناء السياسيين وحتى قصف العشائر بالطائرات.
ـ ارتكب النظام الملكي مجزرة واسعة ضد الآشوريين الذي قتل فيها ثلاثة آلاف على أقل تقدير بينما يضع البعض 30 ألفاً.. العام 1933 أي قبل وفاة فيصل الأول.
ـ اعلان الأحكام العرفية 16 مرة.. التي استغرقت بما يقارب أكثر من 50% من فترة الحكم الملكي.
ـ إعدامات المعارضين والسجناء والإعدامات في الأماكن العامة والمظاهرات التي ساهمت في تزايد النقمة على سياسات العهد الملكي..وهي:
“وثبة كانون الثاني ١٩٤٨”.. “انتفاضة جسر الشهداء”.. و”انتفاضة ١٩٥٢” .. و “انتفاضة ١٩٥٦”.. و “مجزرة كاور باغي في كركوك سنة ١٩٤٦”.. و “مشاهدات العمال في حديثة سنة ١٩٤٧”.. “وفي البصرة سنة ١٩٥٣.. وانتفاضة آل ازيرج ضد الإقطاع في العمار سنة ١٩٥٢”.
عاشراً: سقوط النظام الملكي:
ـ يقول ماريون وبيتر سلوجت (ص ٨٧ ): صار واضحا إن مسألة سقوط النظام الملكي باتت مسألة وقت ليس إلا.
ـ يقول عبد الكريم فرحان: انهار كل شيء ـ يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ـ في بضع ساعات.. ولم يجرؤ احد على تحريك ساكن ( الزبيدي ـ ثورة ١٤ تموز).
ـ إن سبب ثورة 14 تموز هو المظالم السياسية والاجتماعية.. وعدم السماح للتطور السلمي الديمقراطي للمجتمع العراقي.. فتراكمت الأسباب.. حتى تكللت بالانفجار الهائل يوم 14 تموز 1958… والدليل على شرعيتها وحتميتها هو التأييد الشعبي الواسع لها منذ اللحظات الأولى لاندلاعها.
خلاصة القول:
فشل النظام الملكي في العراق.. وليس من المنطق إعادة نظام حكَمَ الزمن عليه بالفشل. وإعادته معناه تكرار نفس التاريخ ودورات العنف من جديد.. والنظام الملكي موروث قديم في طريقه إلى الزوال يصبح فيه الشخص ملكاً بالولادة.. والملوك في البلاد العربية هم حكام سياسيون.. وليسوا رموزاً للوحدة الوطنية كما في الممالك الأوربية الديمقراطية.