22 ديسمبر، 2024 8:06 م

الوجه الآخر لاستقالة عادل عبد المهدي

الوجه الآخر لاستقالة عادل عبد المهدي

يبدو أن عادل عبد المهدي أكتشف متأخراً أنه ليس إلا كبش فداء, إذ أن قيام القوات الأمنية بمجزرة في الناصرية والتي رافقتها مجزرة أخرى في النجف ما هو إلا أمر يدل بطبيعته على تمسك رئيس الوزراء بالمنصب, فلماذا قدم استقالته في وقت حرج متأخراً بعد هذا العدد الهائل من الضحايا؟ أو كما يقول المثل بعد خراب البصرة.
في بيانه صرح أن استقالته كانت امتثالاً لأمر السستاني, ولا نعلم من هو الحكيم فيهم والذي أدرك مصلحة الشعب بعد سفك الدماء المروّع ؟ هل هو سماحة المرجع الذي استيقظ بعد سنتين أو بعد سنوات من الدمار والفساد وبعد جريان انهار الدماء؟ أم أن الحكيم فيهم هو دولة رئيس الوزراء الذي لم يدرك المصلحة ولم يتأثر لأجساد الشباب وصرخات الأمهات, إنما تأثر بخطاب جمعة المرجعية, ويا لها من كارثة أن تكون دمائنا رخيصة إلى هذا الحد.
في الواقع لا هذا ولا ذاك هو من دعا رئيس الوزراء لطلب الاستقالة, إنما هي صحوة من الغباء السياسي ووهم السيطرة الذي كان يغط فيه عبد المهدي والذي كان يعتمد فيه على قوة مشروع التوافق في تنصبيه بين قاسم سليماني ومحمد رضا السستاني ومقتدى الصدر, هذا المشروع الذي قضت عليه تظاهرات الشباب, الأمر الذي جعل لكل طرف من هذه الإطراف خياره الخاص بحسب أيدلوجيته في التعامل مع الشعب. فخيار إيران وتبعيتها في العراق أصبح قمع الانتفاضة بالقوة, وخيار السستاني هو الهروب من المسؤولية ولهذا لم يحرك ساكناً, أما خيار مقتدى الأول فهو محاولة ركوب الموجة.
لكن هذا التحدي العجيب من قبل الشباب أيضا افشل الاتجاهات الخاصة لهؤلاء مما حول الأمر بين هذا الإطراف إلى أشبه بحروب العصابات التي كنا نراها في أفلام الكاوبوي عندما تنتهي الجرائم والسرقات تحين ساعة تصفية الحسابات فيما بينهم لينجوا كل واحد منهم على حساب القضاء على الآخر, فإيران سارعت وبقوة ببث المندسين لتهديد المرجعية والحرق والتخريب وصدور أوامر لقادة موالين لها فكانت مجزرة الناصرية ومجزرة النجف التي زامنتها والحرق والتخريب, ثم محاولة إعلان وصايتها على النجف وحمايتها للمرجعية من خلال أبي مهدي المهندس وقيس الخزعلي ذلك ليمارسوا اشد الضغوطات على حاشية السستاني وإدارة مكتبه وكل ما يرتبط به في النجف لتسخير فتوى وخطب وعناوين عريضة يمكن تفسيرها لمصلحتهم.
مقتدى من جهته وبعد فشل ركوب الموجة فقد أصبح في حيرة من أمره إما أن يدفع بقوة باتجاه التظاهر وهو لم يستيقن بعد بنهاية إيران في العراق, الأمر الذي قد يورطه في فضائح وحرب علنية مع مليشياتها, أو أن يبتعد عن التظاهر فيسقط بسقوط الولي الفقيه, ولهذا يتحرك بين الأمرين بتخبط كبير وطرح مبررات لاقت استهجاناً حتى من أتباعه مع دعوة إلى النغمة القديمة حكومة التكنوقراط تحت برلمان نفس الأحزاب التي نهبت ثروات البلد.
أما السستاني فأدرك جيداً أن بقاءه على هذا الوضع سيعلّق مصيره بمصير العملية السياسية الفاسدة التي يعتبر صمام أمانها والتي ينتفض الشعب في العراق عليها, لذا لابد أن يتخذ خطوات ينجو فيها بنفسه وذلك بأن يضع ولده الحشد المقدس تحت قدميه بعد أن أدركه الغرق, ولهذا بمجرد أن صرح أذناب إيران بأنهم سيقومون بحماية المرجعية في النجف من المتظاهرين صرح وكلاء السستاني أنهم لا حاجة لهم بحماية هؤلاء ودعوا إلى استقالة الحكومة ببيان الجمعة وأن المرجعية دورها النصح وعلى المتظاهرين أن يقوموا بما عليهم, والمعروف أن ما على المتظاهرين هو الذي على أفواههم وهو “إيران بره بره”
وهنا أدرك عادل عبد المهدي أن هذا الثلاثي الذي تفكك قد نزع ريشه معه ووضع السكين على رقبته فهذه الدماء تحتاج إلى كبش فداء ولا يوجد أدسم من رئيس الوزراء وقياداته, إلّا أنه يمتلك ورقة إعلامية دائما ما كان يرددها وهي قوله أن ترشيحه كان من قبل المرجعية الرشيدة بحسب تعبيره, وهذا يعني أني لا اغرق حتى أغرقكم معي ولهذا وصلته رسالة مكتوب عليها إذا لم تستطع الوسائل الإعلامية والدعاية التأثير على المتظاهرين فقد حان وقت استقالتك ولتأخذ التظاهرات طريقها في القضاء على التدخلات الإيرانية وفصائلها المسلحة ومحاسبة القادة الذين تورطوا بقتل المتظاهرين فأن المرجعية لا تريد أن تتحمل معهم هذه الدماء فأدرك رئيس الوزراء أنه لابد من أن يكون هنالك كبش فداء.
وهنا وكالعادة يجب أن تظهر المرجعية هي صاحبة الفضل الكبير في حل الحكومة وتعديل مسار العملية السياسية وهي المخلصة من تدخل المد الصفوي الإيراني مع فكرة أن الجمهور العراقي لا يحتاج أكثر من ذلك, طبعا ذلك لإبقاء نفس العملية السياسية التي تؤمن لمحمد رضا ووكلاء السستاني السيطرة والتدخل في تشكيل الحكومات القادمة التي ستتدافع عليها كتلة النصر وكتل أخرى على ترشيح رئيسها. ولهذا جاءت استقالة رئيس الوزراء بعنوان الامتثال لأمر المرجعية, وهنا لا نستبعد أيضا إعادة التوافق برعاية إيرانية كسابقه في حال هدأت وتيرة التظاهرات وقل الضغط الدولي, ذلك لأن المكر السياسي يُحاك في داخل أروقة الدهاليز المظلمة لهذا المؤسسات. فالاعتماد في المرحلة القادمة يجيب يكون على حل البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ ليس فيها احد من هذه الوجوه, والتراجع هو سقوط في شراك الماكرين وضياع للبلد.