23 ديسمبر، 2024 5:28 ص

الوجع في الصحافة والصحفيين

الوجع في الصحافة والصحفيين

•       لماذا لم يظهر كاتبا بمستوى محمد حسنين هيكل؟
•       ماهي ظروف صناعة (الصحفي) ؟
•       صحفيون فاسدون سنفضحهم امام المنظمات الدولية !
 ثمة  سؤال هام كثيرا مانواجهه ..هل يمكن صناعة صحفي ؟ ولماذا لم يظهر لحد الآن صحفيا يماثل محمد حسنين هيكل ؟
للإجابة عن السؤال الأول نقول  نعم , ولا أيضا ؟
في نعم , أن علينا الإشارة الى مبتدءات صناعة الصحفي , ومن عواملها الأولى تلك الإطلالات المنبئة ,عن ان عقلا يتفتح في بواكير الصبا والحداثة , يتمثل في سرعة البديهية والانتباه الى حركة الكائنات في الزمان والمكان , لتتطور الى المطالعة (مفتاح الرؤية)  , ومن هنا تغادر الكلمة عصيانها على ملكة التعبير , وكلّما تصاعدت وتائر المتابعة والقراءة بالعمق المتاح , كلما تراصفت المفردات , وتفتحت ملكة التعبير , عن ما يجر( أين , متى , كيف) لتصاغ أجوبتها الأخبار المختلفة , فيما تبدأ إطلالات الكلمات المعبرة عن مدى سعة أفق التلقي والتعبير عن صناعة (مشروع صحفي) , يكون فيها للدراسة الذاتية و الأكاديمية الدور الأساس  من دون إهمال  الموهبة والظروف البيئية ..وأنا لست مع من يراهن على (تجربة الزمن الطويل) لصناعة صحفي , فغالبا ما نرى هذه (التجربة الطويلة ) , من دون تأثير أو تأثر للعقل المنتج والمبدع والمطوّر للكلمة أو المفردة ..فمن يقرأ لغة الكتابة في العشرينيات مثلا , سيجد أنها غير لغة الكتابة في القرن الأول بعد العشرين , حيث إتسعت آفاق الكلمة في التعبير والرؤى والإجتهاد , بتضمين الكلمة ملامح أسلوب الكاتب الذي يتميز به شاء أم أبى , فالكلمة هي التي تتمكن من الكاتب وأشير في ذلك الى ملإحظة بسيطة ربما وقف عليها مطلعون ,  في عدم إستخدام كلمات مثل (تتأتى) و ( المتلقي), و (الدولة المدنية) و (الحرية المسئولة) و (الماجدة) و(الجهاد) و(الشعب) و( بائعات الهوى) وغير ذلك …. حتى أخرات الزمن , وفي هذا جاز للباحث إعتبار الزمن عامل هام في تطوير أدوات التعبير ؟ من هنا فقد برز تعبير (اللغة المعاصرة) , ولا أعني بذلك (لغة الإلتواءات اللفظية) , التي يتوسلها بعض الكتاب من أجل(التماهي) , في أنهم على تميز ! فهي تذهب بالقاريء المعاصر (المستعجل ) ,الى الإرباك في فهم يتوخاه الكاتب , مما يخلق مباعدة بين هدف الكاتب ورغبة القاريء في الإطلاع ..إذ أن القاريء يتوقع من كاتبه ما يغن معرفته, ولا تعني له  شيئا (عروض الكاتب ذات الجمل الإعتراضية )  , وأجد أن أفضل اللحظات في حياة الكاتب الهادف(صاحب القضية) , معرفته أن قارءا ما قد أعجب بما نضحته كلماته , وكلما زادت مساحة الموضوعية في الكتابات كلما تصاعد إهتمام القاريء بكاتبه.
وأشير الى أني شخصيا قد إبتعدت آلاف الأميال عن زملاءعاصرتهم منذ ستينيات القرن الماضي , وأقرأ لهم اليوم , لأجد أني ما وجدت جديدا في لغتهم وأساليب تناولهم ومحاور إهتماماتهم ! وذلك كله لايؤشر تطورا متجانسا مع ارهاصات نعيشها تمور فيما بين ماض وقادم !
كما اني طالما وجدت نفسي متحمسا حماسة 50 سنة مضت , للتعليق والتقويم الإيجابي على ولمقالات شباب او كتاب جدد , لأني أعرف مدى  مايعنيه اعجاب قاريء بنتاجات كاتب ! فنحن ” نعيش لنكتب ولا نكتب لنعيش” !
ما الفرق بين الصحفي والكاتب ؟
الصحفي هو ذلك الناقل المتمثل بالباحث عن الموضوعات , في مكان وزمان كالمحقق أو المراسل أو المخبر, الذي يمكن له صياغة نتائج بحثه عبر (التحقيق, والتقرير والخبر ) ليقدمه الى رئيسه المباشر, سواء كان مديرا للقسم أو التحرير أو رئيسا للتحرير (وفي موضوع هذه التوصيفات) للقائمين على تدفق المادة الصحفية , التقويم والتصويب , لتخرج التحقيقات والأخبار والتقاريربأفضل مايتاح من شروط التكامل (وفق سياسة الصحيفة المعلنة او الباطنة).
الآن ..نعود الى سؤالنا الأول..لماذا لم نجد لحد الآن كاتبا بمستوى محمد حسنين هيكل , مع ذلك الإمتداد الطويل للمداد المنتج في العراق ؟
لاشك في ان (هيكلا) اليوم , كاتبا كبيرا, سواء اتفقنا أو إختلفنا معه منتجا أوشخصا , ولم تنزل مواهبه من السماء..بل أنها بدأت مألوفة في أوساط الصحفيين المهنيين في كل مكان, ولكنها اقتنصت من الظروف(الزمكانية) ما يعمّق خصائص كامنة في النفس البشرية , توصف ب(الفضول والمبادرة والشجاعة والإستئثار) , وهذه موجودة في كثير من الناس , الا أنها تتراوح في درجاتها بين شخص وآخر ..وهنا تكمن المفاضلة , على أننا لاننسى عامل (الصدفة) , المتمثلة في اختيار الرئيس جمال عبد الناصر ل(هيكل) صحفيا له , فيما أقصت أو همّشت إجراءاته لوقت طويل مصطفى وعلي أمين  الى أخره … !
وفي هذه (الجزئية) اتحدت العوامل الذاتية ل(هيكل) , مع ظروف الزمان والمكان , لتخلق (صحفيا وكاتبا مطلعا على ما لم يطلع عليه أحد) لم يستكن أو يضع معلوماته في أدراج مهملة , بل أنه صار(حرّيفا) في أن يجعل من (الحبة كبة) , رابطا إياها بمتابعاته الشخصية , وأرشفة تفاصيل كثيرة ربما عافها معاصرون له .
وفي هذا الأمر استذكر تعليقا لأحد القراء الأفاضل ,على مقابلة لي مع (معمر القذافي) نشرت في عديد المدونات , ويجدها القاريء الكريم في كتابي الصادر حديثا (اوراقي في الصحافة والحياة)  , ذكر فيها “لو كانت هذه المقابلة  قد جرت مع       لكتب عنها سلسلة مقالات ” !
إذن يجوز لنا القول , بأن من بين القراء من يفحص ويقوّم ويشخّص مواطن الجدّة والجودة, ( إذا جاز لنا التعبير) في نتاجات الكتاب ! فالكلام المرسل ليس له في عيون القاريء اللبيب ألقا  , وفي ذاكرته موقعا .
العاميّة , والطرافة , والأمثال الدالّة , والشهادات (المستلّة) و(الغمز واللمز) , هل تأخذ دورها في رؤية كتابة تتوفر على عنصر (جذب إهتمام القاريء) حتى النهاية ؟..هذا أمر ربما يختلف فيه مختلفون ! منهم من يجد فيه متعة  يتقلّب فيها مع تقلبها , عندها سيجد نفسه منحازا الى الكاتب من دون تحفظ .. لماذا هذا التحفظ ؟ وقد وجد القاريء فضاءا محببا من التعبير والإفادة تتناغم مع هواجسه واهتماماته ..فيما يجد كثير من (الكتاب المحنطين) , ان (التجهم) في الكلمة يمنحهم  ترفعا وتصلبا  مهما لصياغة شخصية الكتب المفترضة !
ومن حظ الكتّاب الحسن , التوفر على قاريء, يجدون فيه متابعا , لماحا , يقضا , مبادرا ,  مجردا عن هوى شخصي او سياسي  او طائفي , مهتمّا بتجشم عناء كتابة تعليق يعبر فيه عن رأيه بما قرأ ؟
نرجسيون ..نعم !
يتهم بعض الكتاب والمبدعين , أنهم على درجة من (النرجسية), وهي في تبسيط لمفهومها (حب واعلاء الذات) , وهذه حقيقة أقر بها كظاهرة عامة  لاأجد أن نكرانها على صواب , ومن ينكرها ينكر في حقيقة الأمر, أحدى النوازع الملهمة لإبداع الإنسان , فلكل مبدع او منتج في مجالات مميزة هامش من (النرجسية) , التي أجد أنها لو لم تتوفر في شخصية المنتج , لما وجد له دافعا هاما يحفزه لمزيد من الإبداع , فهو يجد من خلالها نفسه في عيون الآخرين , على أنها ينبغي ان لاتبعد صاحبها عن المصداقية , وتؤدي به الى مهاوي افساد القيمة العالية للكلمة , التي لايمكن ان تكون مفهومة ومشخّصة , من دون تأصيل تعلنه مضامينها وتوجهاتها .! والكاتب او الصحفي على العموم ليس ب(درويش) نادر !
كارثة
الصحفي و الكاتب العراقي لايزال على درجة ملحوظة من محاولة التقرب الى المسئول ذي الجاه والمال , كما ان بعض الفاسدين من الصحفيين يعلّمون بالتأكيد جيلا جديدا , لم تتفح آفاقه بعد على كثير من حقائق المهنة , وما طرق سمعي أن كتاّبا يوصفون ب ( كتّاب او صحفيين) لايمررون او يكتبون مقالة رأي من دون ثمن !  والمصيبة أنهم يديرون او يعملون في صحف واسعة الإنتشار  , ولديّ شخصيا ما يوثّق مثل هذه الممارسات التي تنتظر الإستكمال , لأضعها أمام المنظمات الصحفية العراقية والدولية ! وهنا تكمن مؤشرات كارثة محيقة , تمثل أحد أوجه الفساد المستحدث عقبال الإحتلال الأمريكي , ولايمكن معالجة هذه الكارثة ومواجهتها , الاّ بفعل إجراءات قانونية رادعة , تتقاسم الإهتمام بالأوضاع الإقتصادية للصحفيين , من قبل جهات تشريعية وليست حكومية قطعا !
وفي الوقت نفسه , يراهن كثيرون , على عوامل عديدة جادة في تنزيه وتنقية الوسط الصحفي والإعلامي , من هؤلاء الفاسدين الذين علمتهم وصنعت منهم سلوكيات السياسيين الفاسدين , فئة (ضالّة) عن المقاييس الإخلاقية للصحفي و الكاتب العراقي ! وعندما نقول ذلك فاننا لاننطلق من فراغ , حيث تحتفظ ذاكرتنا وذاكرة أجيال الأربعينات والخمسينات أيضا, بأن العائدات المالية لجميع الصحفيين والكتاب العراقيين , لم تكن ملبية لمتطلبات حياة معاشية كريمة, مما جعلهم يضيفون الى عملهم اعمالا أخرى , ربما لاتمت الى الصحافة بصلة وهي (تفر الويل) وفق مايتندرون ! ولكنهم لم يقفوا على ابواب سفارة او شركة او يبطنون استجابة لإغراء يخرجهم عن جادة الإخلاص لمهنتهم !
في الوقت الذي أجد نفسي (معيّدا)  في عيد الصحافة , تثلم سعادتي الظروف القائمة في عراقنا الجريج  المكلوم والمأزوم  , الذي يجتر ثروات هائلة , لم ولن تتوفر لبلد وشعب (يتمرغل)  ربع سكانه على أرض ترابية جرداء, يستظل بأعشاش لاتصلح لإقامة بشر , تشدني مسئولية الكلمة , الى الغاء أية راحة شخصية او هدوء او تصالح مع الذات ..وما الكتابة الاّ قصبة نتنفس من خلالها مايتاح لمواصلة الحياة !
ورود الكلام …
عشقنا فيها (الحرية) ..الا أن ذئابا ضارية , تستعد لنهشها من خلال قانون يجري الإعداد له في غرف رجالها متخلفون , أرعبتهم , وترعبهم الكلمة الحرة ..تقض مضاجعهم , وتفسد عليهم متعة الرفل بأموال السحت الحرام ..فهل تستلم ؟ وهل تستكين .. ؟ ورودي أنثرها لتعلن رفض رواد الكلمة الحرة , قانون ظلامي لن يجد من يؤيده  , في وقت نامت فيه قوانين خادمة لمعيشة العراقيين كالتقاعد , والعفو , والرعاية الاجتماعية , والضمان الصحي ,وفي تعدادها (يشيب الراس) ! .