23 ديسمبر، 2024 10:04 ص

الوثيـــــــــــــــــــــــــقة ….

الوثيـــــــــــــــــــــــــقة ….

ظل واقفا منذ الصباح دون ان يجلس اذ لا مكان شاغر للجلوس والآن الساعة قاربت الحادية عشر صباحا ينتظر مع جمهرة الشباب الاخرين المنتظرين لعلهم ينادون بأسمائهم او يستلمون معاملاتهم التي تحوي وثائقهم الدراسية والمستمسكات الشخصية الاربعة او ما اطلق عليه العراقيون فيما بعد بالمقدسات الاربع يقف معهم الشاب ( مهند ) يتململ وهو يتحسس وثيقته الدراسية التي باتت تأكل معه وتشرب حفظها عن ظهر قلب كل رقم و كل حرف فيها كل خطوطها وألوانها حفظها عن ظهر قلب استنسخها عشرات المرات كان كلما يسمع بتقديم للتعيين في دائرة او وزارة ما او عن طريق شخص ما يرسل الوثيقة مع المسمسكات ولكن منذ اكثر من ثلاث سنوات ولم يحصل على نتيجة كان سعيه وجهده يذهب هباءا حتى والدته واخوته واخواته يئسوا من تعيينه .. يا الله … قالها الشاب مهند بحسرة خرجت من جوفه الملتهب وهو يتذكر كيف ان والدته بقيت سنوات تكافح بعد وفاة والده اثر مرض مفاجىء حتى يبقى في مقاعد الدراسة واوصلته اخيرا ونجح بتفوق , وها هي اعباء الحياة تزداد صعوبة وتكبر المشاق والمعاناة كلما كبر هو واخوته واخواته , ووالدته التي اعياها المرض والتي كانت تعمل في خياطة الملابس تارة او تبيع بعض مخشلاتها التي كانت تحتفظ بها او تبيع بعض اثاث بيتها او تشتري اشياء بسيطة من بعض النساء لتبيعها بدورها ايضا لتتربح نقودا.. كان يفكر بكل ذلك . .. عندما سمع الموظف المختص في الوزراة ينادي بصوت عال على الشباب التي اكتظت بهم القاعة بالخروج فلا وجود للتعيين .. واستدرك قائلا .. فقط لابناء الشهداء الذين اعدمهم النظام السابق … بقي مهند متسمرا في مكانه لم يتحرك مذهولا يائسا وقد امسك بالمعاملة بقوة بيده اليمنى خرج البعض فيما بقي البعض الاخر غير مصدق , فيما حصل بعض التدافع كاد يسقط مهند لولا ان اتكأ على شخص اخر غضب مهند فيما راح يتحرك مسرعا صوب الموظف قائلا له بصوت مدوي كانما خرج من بركان منفجر … استاذ هل ان صدام اعدم الجميع ؟ ام ابقى على البعض ؟ اطرق الموظف الى الارض ثوان قبل ان يجيبه .. نعم اكيد ابقى على البعض … فقال له مهند وهو لايزال يصرخ … اذن نحن من الذين ابقى عليهم صدام .. لماذا لا تشملونا بالتوظيف ؟ صمت الجميع كأن حط على رؤوسهم الطير, ضحك البعض فيما هزّ البعض رؤوسهم وايديهم فيما اعجب اخرون بجرأة مهند . ولكنه رغم ذلك لم يتلق جوابا فيما راح الجميع يخرج ومعهم مهند الى الشارع ينظر مبتئسا يفكر في والدته واخوته فيما كانت تمر عربات الهمر والمدرعات الامريكية في الشارع كان بعض المعممين يدخلون الى الوزارة ويخرجون منها دون ان
يمنعهم احد ولفت نظره اخيرا بعض الشباب وهم يدفعون عربات تحمل امتعه وهم يخوضون في زحام الشارع الكئيب ….