22 ديسمبر، 2024 11:37 م

الواقع المرير هل يتكرر؟

الواقع المرير هل يتكرر؟

يقال ان السلطان التركي, حاول ان يسيطر, ويمنع جشع التجار, في مايتعلق برفع الاسعار و غش البضائع, من اجل كسب الاموال, فامر باختيار مجموعة موظفين, وتعينهم لمراقبة التجار بالسر, وتقديمهم للمحاسبة, في حالة التلاعب في البضائع او رفع اسعارها, واطلق على هؤلاء الموظفين اسم سرسرية وهي كلمة تركية.

وسرعان ما كشف التجار امر السرسرية, واستحوذوا عليهم, وتم اغرائهم بالرشاوي والامور الاخرى, وشراء ذممهم وضمائرهم, واستمر الحال كما هو عليه ولم تتغير الامور.

عندما علم السلطان بذلك ,حاول ان يصلح الامر, بعد النقاش وتداول الامور, مع من حوله ومع الحاشية, امر باختيار مجموعة ثانية تراقب السرسرية, واطلق عليها اسم شلايتية, وكذلك تم كشف امرهم من قبل التجار, وتم اتباع نفس الاسلوب السابق معهم .

اصبح المجموعتان, من الموظفين السرسرية والشلايتية, همهم الوحيد جمع الاموال وتقسيمها بينهم, وتفاقمت افة جشع التجار, وستسريه هذا المرض لينخر جسد الاقتصاد, ودفع بالطبقات الفقيرة وذوا الدخل المحدود للهاوية .

نستنتج من ذلك, ان السلطان حاول الاصلاح, لكن السبب في تدهور الامور هو عدم الاختيار الصحيح للموظف, الذي يحافظ على المسؤولية, ولا يتهاون ببيع الضمير والذمة, ويمرغ كرامته بوحل الرشاوي, والمغريات الاخرى.

اذاً الاختيار الصحيح لمن يمثل المجتمع, و يحافظ على هيبته وكرامته واسمه, ويقوم بتغير الواقع المرير, لواقع افضل.

مهم جدا اختيار الاصلح, مهما كان العمل الذي يمارسه بالمجتمع, من ادنى المواقع الى المواقع العالية في السلطة.

ولو كان السرسرية والشلايتية قائمين بواجباتهم وهيبتهم, بالصورة الصحيحة, بما تمتثل له الاخلاق والكرامة, لأصبح هذان الاسمان لهم هيبة كبيرة, كباقي الاسماء في المجتمع, لكن نذالتهم جعلت من هذين الاسمين يستخدمان و يطلقان لوقتنا الحاضر, على من يستسيغ الإهانة والرذيلة, ولا يخجل منها, لان تحطيم المجتمع والخيانة من اشد الرذائل.

لكن اشد ايلاما واكثر عذابا, عندما يستمر سوء الاختيار, بعصرنا الحديث, وبأحضان انتعاش التطور والثورة المعلوماتية, وتطور شبكات الانترنت, التي جعلت العالم يصفه الخبراء كقرية واحدة, او عمارة متعدد الطوابق, تفتح ابوابها بمفاتيح لوحة المفاتيح, التي بين يديك, وحيث ما انت جالس.

هذا مبرر الى ان نقول تم سطوع النور, لينجلي وينقشع الجهل والضلال, وتتضح كل الحقائق امام الجميع, لكن ان يستمر عدم الوعي والمعرفة شيء غير معقول, ويتكرر عدم الاختيار الصيح, لمن تصبح زمام الامور بيده.

المشكلة انك تختار وتساهم باختيار من يدفع بك للهاوية, ويحطم مستقبلك, ومستقبل الاجيال القادمة, وتكرر الحالة, ونقول ان التجربة خير برهان, لكن رغم التنبيه والتحذير من جميع الجهات, والجميع يعترف بان الاختيار غير صحيح.

العجيب في الامر, من تم اختيارهم, يعترفون امام الكل, انهم مقصرين بصورة او اخرى, لكن لم يتم محاسبتهم عن التقصير, ورغم ذلك يتكرر الخطاء بالاختيار, والجميع يتحمل الاثم , والله العالم.. ما ستطلق من تسميات اخرى, يبقى التاريخ يكررها, ويتحمل الاجيال القادمة اثارها.

ستجيبنا الايام القادمة عن ماذا ستفعل بنا صناديق الاقتراع, وهل نزيل ستار الاوهام من عقولنا؟